المنبرالحر

بعد مظاهرات 31 آب، هل يستمرّون بالكذب على الشعب...؟/ يوسف شيت

مطالب الجماهير تتزايد باستمرار مع تزايد سوء أوضاعها الاقتصادية والأمنية بسبب سوء إدارة مؤسسات الدولة من القمّة إلى القاعدة. ويرجع ذلك إلى السلوك اللا مسؤول لمسؤولي (أمراء) هذه المؤسسات, وبشكل خاص مجلس الوزراء ومجلس النوّاب ورئاسة الجمهورية نزولا إلى الوزارات والدوائر الأخرى ورؤساء الكتل. لا نريد هنا سرد الأوضاع المزرية التي تعيشها الجماهير, لأنّها أصبحت مكشوفة للقاصي والداني ولا يستطيع مسببها تغطية عورته,لكنّه يستطيع أن يكذّب ويظهر أمام الإعلام ويدلي بما يرضي حزبه أو كتلته أو مرؤوسيه, وليعلم بأنّ حبل الكذب أصبح في العراق قصيرا جدا وإنّ للصبر حدود.

المطلب الآخر, وليس الأخير للشعب العراقي هو إلغاء الرواتب التقاعدية للرئاسات والنوّاب وأعضاء مجالس المحافظات والامتيازات اللامعقولة التي يحصلون عليها والتي تفتقر إلى شرعية, سوى أنها جاءت عن طريق قانون يفتقر إلى الأسباب الموجبة لتشريعه واتخذ في غفلة عن الناس كبقية القوانين التي أعطت امتيازات خيالية لمشرّعيها , مثل قانون منح جواز سفر دبلوماسي للنائب ولعائلته مدى الحياة (وكلمة عائلته لا حدود لها). وعن طريق هذه القوانين أصبح مجلس النوّاب العراقي معروفا عالميا, ولكن استهزاءا به, حيث وصفته جريدة الديلي ميل البريطانية الصادرة في 29 آب, بأنّه أكبر مؤسسة فاسدة في التاريخ بسبب الامتيازات والأموال التي يحصل عليها على حساب قوت الفقراء والأيتام والأرامل. وقد أثيرت قضية تقاعد النوّاب وأعضاء مجالس المحافظات من قبل الأحزاب والشخصيات الوطنية وبعض منظمات المجتمع المدني قبل عدة سنوات, إلاّ أنّها لم تلق من يستمع إليها لأنّها لا تمتلك وسائل إعلام حديثة كما للمقابل الذي يمتلك قنوات فضائية لا تحصى, إلى جانب الصحافة والإذاعة. كما أنّ المرجعية الدينية أثارت قضية الرواتب التقاعدية منذ شباط 2011 والتقت المسؤولين عن تشريع هذه القوانين الذين صموا آذانهم. ولكن زيادة سوء الأحوال المعيشية للجماهير مع زيادة ميزانية الدولة بسبب مدخولات النفط, أصبح أمر لا يطاق السكوت عليه, لذلك قررت منظمات المجتمع المدني وبمساندة بعض الأحزاب والشخصيات الوطنية إلى الخروج بمظاهرات سلمية غير مسيسّة للتعبير عن مطاليبها وتقديمها إلى من يهمّه الأمر في 31 آب 2013 وفي جميع المحافظات, باستثناء محافظات كردستان, مع العلم بأنّ نوّاب كردستان في البرلمان العراقي ليسوا مستثنين من الرواتب التقاعدية! وساند حملة المطالبة هذه بعض رؤساء الكتل وقسم من النوّاب بالإضافة إلى المرجعيات السنّية والشيعيّة.

وعندما حان موعد التظاهر, لم نر أحدا من النوّاب الذين أعلنوا تأييدهم لإلغاء الرواتب التقاعدية وعلى قناة البغدادية, وعددهم كان أكثر من خمسين نائبا, بصحبة المتظاهرين ولا نائبا من الكتل التي أعلن رؤساءها عدم شرعية هذا النوع من التقاعد,ككتلة المواطن والأحرار. وكان من صرح بشكل علني عن عدم موافقته على إلغاء تقاعد النوّاب مثل السيدّ أحمد الجلبي, وهناك من استهزأ بحملة إلغاء تقاعد النوّاب مثل النائبة في القائمة العراقية وحدة الجميلي, وكما أنّ رئيس الكتلة العراقية السيّد علاّوي لم يتطرق إلى هذا الموضوع أصلا, لا في حديثه على قناة الرشيد يوم 29 آب ولا في أحاديثه الأخرى, وكذلك بالنسبة لقائمة الكردستاني. ومن الملاحظ بأنّ السيد المالكي أعلن تأييده لمطالب المتظاهرين بعد أن استطاعت قوى الأمن والجيش من حصر المتظاهرين ومنعها من التجمع في ساحة التحرير.

لقد كشفت تظاهرات 31 آب عن حقيقة واضحة, وهي تخندق أصحاب الأموال والامتيازات ومن هم بحمايتهم ومؤازريهم من القطط السمان (كما يطلق عليهم المصريون), بغضّ النظر عن خلافاتهم السياسية والعقائدية لأنّهم متّفقون على نظام حكم يحمي مصالحهم بعيدين عن طبقات المجتمع, كالعمّال والفلاّحين والكسبة وسائر فئات الشعب الأخرى. وهذا دليل على أنّ من يبكي من المتخومين بأموال الشعب على حال المواطن المحروم من ثروة بلده يذرف دموع التماسيح فقط. كما أظهر المحتجّون مدى وعيهم وحضارية تظاهراتهم, بحيث لم تظهر شعارات طائفية أو قومية أو التعرض لأي مسؤول بكلام لا مسؤول, ولم تمسّ أيّة من مؤسسات الدولة أو محلاّت المواطنين بأذى ولم يحاولوا الردّ بالمثل على أفراد الشرطة والجيش رغم تعرضهم للضرب والإهانة والاعتقال.

على من يتحكّم بمصير البلد أن يدرك بأنّ المواطن أصبح لديه من الوعي أن يميّز بين الصدق والكذب وبين الوعود الفارغة والصادقة ومن هو مصدرها, وزادت ثقته بالشعب , لآنّ الشعب هو من يغيّر!!!