المنبرالحر

الفلاحون و ثورة تموز المجيدة / عاصي دالي

منذ احتلال العراق في الحرب العالمية الاولى وشعبه يناضل من اجل حريته واستقلاله وطموحـه في بناء دولة تحفظ كرامته وتصون اقتصاده الوطني , وقد تمكن من خلال نضاله الطويل تشكيل قوى وأحزاب وطنية استطاعت قيادة مسيرته النضالية التي تكللت بنجاح ثورته في الرابع عشر من تموز عام 1958 المجيدة.
في عام 1955 وأثناء اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي تم انتخاب الرفيق سلام عادل سكرتيراً للجنة المركزية , كما ذكرت زوجته السيدة بثينة ناجي في كتابها ( سيرة مناضل ) كان من أول أوليات الرفيق هو أعادة العمل بمضمون الجبهة الوطنية , والتي انبثقت خلال الانتخابات البرلمانية عام 1954 والتي تعرضت إلى الجمود نتيجة للحملة الإرهابية التي قادها رئيس السلطة آنذاك نوري السعيد من أجل فرض دخول العراق إلى حلف بغداد ( سيئ الصيت ) , وقد ادركت جميع الأحزاب والقوى الوطنية بان مهام الخروج من حلف بغداد وإطلاق الحريات الدستورية لا يمكن لأي حزب القيام بها بمفرده مهما أوتي من أسباب القوة والمنعة ,ولكن تحقيقها يتطلب من جميع القوى الوطنية الانضمام إلى جبهة واحدة تضمهم جميعا.
وشهدت الساحة السياسية في عام 1956 فعاليات جماهيرية واسعة عمت جميع المدن العراقية , وتطورت الى انتفاضة شعبية واسعة احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر , وبالمقابل تصاعدت أساليب القمع والإرهاب من قبل السلطة الرجعية لقمع تلك التظاهرات بالقوة واستخدام الرصاص ضد أبناء الشعب , وسقط العديد من الشهداء واعتقل المئات من المتظاهرين وزج بهم في السجون , وطالت هذه الحملة قادة الأحزاب الوطنية فقد حكم على السيد كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي بالسجن ثلاث سنوات , ونفي قادة حزب الاستقلال وهم فائق السامرائي وصديق شنشل , واعدم الشيوعيان علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس في مدينة الحي في محافظة الكوت , وان مجمل الأحداث وضعت القوى الوطنية أمام مهمة أنية ملحة وضرورية لمقاومة الهجمة الشرسة للسلطة وهي تحالف جميع القوى الوطنية , ورغم صعوبة الوضع السياسي القائم انذك ومرور المباحثات بين القوى والأحزاب الموجودة على الساحة السياسية بالمد والجزر , لكنها اتفقت في النهاية على قيام الجبهة الوطنية ( جبهة الاتحاد الوطني ) وأصدرت لجنتها العليا بيانا في 9/3/1957 أوضحت فيه الأسباب الموجبة لقيامها وحددت مطالبها الوطنية الكبرى كما يلي
1ــ تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي
2 ــ الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة
3ــ مقاومة التدخل الاستعماري بشتى أشكاله ومصادره وانتهاج سياسة عريقة مستقلة
4ــ إطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية
5 ــ إلغاء الإدارة العرفية وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسين وإعادة المفصولين من المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب لأسباب سياسية
, وكان مجرد إعلان جبهة الاتحاد الوطني يمثل نصرا تاريخيا للحركة الوطنية العراقية , وتوحيد جميع القوى الحزبية وغير الحزبية والتفافها حول الأهداف الرئيسية للحركة الوطنية , وكما رأى بعض الوطنين من ( إن تنامي الوعي الوطني واشتداد قوة الحركة الوطنية وتشكيل جبهتها الوطنية الموحدة في عام 1957 كانت احد العوامل التي ساعدت في انعكاس ذلك على الضباط في الجيش العراقي , وتكونت اللجنة العليا للضباط الأحرار ) من جانب اخر فقد صعد الحزب الشيوعي العراقي الحركة الاضرابية بين العمال للتمهيد للثورة , ففي بداية عام 1958 شهدت العديد من الإضرابات العمالية وهي تطالب بتحقيق مطالبها العادلة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل , وكان أهمها إضراب عمال معمل نسيج الوصي في اذار 1957 , والعمال الزراعين في نيسان من نفس العام وتعاظم نشاط الشيوعين بين اوساط الفلاحين , ولعبت الجمعيات الفلاحية ( السرية ) التي شكلها الحزب الشيوعي العراقي , دورا مهما في رفع مستوى وعي الفلاحين في نضالات جماعية لتحقيق أهداف الحركة الفلاحية , وفي ربيع عام 1958 رفع 300 فلاحا السلاح في الدغارة والرميثة, مطالبين بتطبيق قانون ( المناصفة ) الذي أقرته الحكومة بعد نضال طويل لشريحة الفلاحين , والذي يعطي بموجبه نصف المحاصيل للفلاح , وقد تلتها مناطق أخرى ففي 29/5/1958 حمل أكثر من 350 فلاحا السلاح في منطقة خيري تقع بمسافة 7كم جنوب الديوانية للغرض نفسه , واصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانا بتاريخ 3/6/1958 أعرب فيه عن مساندته المطلقة لانتفاضة الفلاحين , وحث الشعب على مساندتها وقد أعرب فلاحوا الشامية والفيصلية والحمزة والقاسم والمدحتية والمحاويل ومناطق اخرى عن مساندتهم للانتفاضة والاستعداد لخوض المعركة معهم، وهكذا كان الفلاحون في أعلى مزاج ثوري حتى صبيحة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي حققت طموحات الشعب العراقي بالاستقلال وبناء دولته الوطنية
عاشت الذكرى الثامنة والخمسون لثورة تموز المجيدة.