المنبرالحر

علاقة ثورة تموز 14 بعلم الجمال / حسين بهاء

من أهم المهمات الصعبة التي واجهت الثورة هي إعادة بناء الانسان العراقي روحيا، والسمو بثقافة المجتمع و تطوير وعيه، بعد أن عاش قرونا تحت نير الاستعمار العثماني، وما يقارب 37 سنة تحت ثقافة الانتداب والملكية والحكومات الجائرة والتقاليد العشائرية البالية والعلاقات الروحية المتخلفة البعيدة عن منطق العقل، أي سياسة مدروسة ومقصودة تصب في خدمة فكر الحاكم في النهاية. ممارسات لتسطيح الثقافة من خلال النظرة الفوقية المتعالية، وخلق جمهرة واسعة من الشعب العراقي تمتاز بالأمية و التخلف.
ولكن في الجهة المقابلة هناك تيار تنويري حضاري يناضل وبشدة ضد هذه السياسات المنحطة، وهذا يوصلنا الى حالة من التجاذبات والصراعات على مستوى القمة من كلا المعسكرين حتى تنتقل (برغم صعوبتها في تلك الفترة)الى الشريحة الأوسع بفضل الفعل النضالي للقوى والشخصيات الوطنية العراقية، ولاحقا دور الحزب الشيوعي العراقي والعمل بين الجماهير، وتوعية الطبقات والفئات المتضررة من هكذا حكومات وأذنابها، أي في نهاية المطاف، أن القوى المادية المنتجة في المجتمع تغدو عند بلوغها مرحلة محددة من التطور متناقضة مع علاقات الانتاج القائمة، وتتحول هذه العلاقات من شكل لتطوير القوى المنتجة الى عائق يكبلها وعندها تحصل الثورة الاجتماعية. هذا بالفعل ما حدث من تناقض وسعة الخلاف بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، وهذا أهم قوانينها، وهي عملية صراع اجتماعي اقتصادي سياسي بين القديم البالي بكل شيء من الفكر وحتى العلم، وبين الجديد الذي يسعى لنقل المجتمع من حالة الركود والجمود والشللية على مستوى الحياة بكل أبعادها المادية والروحية، الى حالة من الثورة العلمية والروحية، ثورة من أجل بناء القاعدة الاقتصادية المتينة وصولا الى البناء الفوقي بكل مكوناته وأشكاله "الاخلاق،العلم،الفن، والأدب ..." وصولا الى الدستور، الذي هو العمود الفقري لكل دولة تسعى للتغيير نحو الأفضل. وهذا ما يؤكده ماركس حيث كتب "إن إسلوب إنتاج الحياة المادية يحدد العمليات الاجتماعية والسياسية والروحية في الحياة عموما. وليس وعي البشر هو الذي يحدد وجودهم، بل على العكس، فإن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعي الانسان"(ماركس وانجلس، المؤلفات، المجلد 13،ص7)
وبما أن الفن هو واحد من أشكال الوعي الاجتماعي، فإن المسببات الأساسية لكل ما يحصل فيه من تغيرات تكمن في الوجود الاجتماعي للبشر، أي في القاعدة الاقتصادية للمجتمع، وعلى ضوء ذلك لعبت ثورة تموز دورا لايستهان به في نثر بذور الثقافة الشعبية وإنزال تلك الثقافة الحاكمة من كرسيها العاجي، ثقافة الملك و الإقطاعي والحكومة. إن هذا الاهتمام هو نتيجة حتمية في عملية تغير البناء التحتي ونوعية العلاقات الجديدة وتاثيراتها على البناء الفوقي، وتلك بالتالي مرتبطة بحياة الناس الروحية كالأدب والفن، وهذا شكل من أشكال علم الجمال الجديد بالنسبة للناس، بعد أن عاشوا تحت ثقافة الاديولوجية شبه الإقطاعية والاديولوجية البرجوازية. ومن أجل إدامة العلاقة بين السلطة الجديدة والأدباء والفنانين، بادرت الثورة إلى حماية هذه الفئة الواعية من المجتمع من خلال حمايتهم بقوانين وقرارات، ودعمهم ماديا ومعنويا.
لقد لعب الحزب الشيوعي العراقي دورا مهما في استيعاب التراث الغني والنضال الدوؤب من أجل احترام الفن والأدب، والعاملين فيهما والدفاع عن مصالحهم، ولهذا سعى الحزب الى الحفاظ على التقاليد، يعني تطويرها طبقا لظروف العصر ومتطلباته، والسعي من أجل التجديد ومهمة بناء الثقافة بكل أبعادها وتوجيه الفن والأدب لخدمة الجماهير الواسعة. صحيح إن الحزب الشيوعي العراقي ينطلق من منطلق علم الجمال الماركسي لأن فكر الحزب مستمد من النهج الماركسي بكل أبعاده و مصنفاتة في مجالات المنطق والفلسفة وعلم الجمال وعلم الاجتماع والأخلاق .....الخ وهذا من الطبيعي يولد حالة من الصراع بين مشروع الحزب و مشروع ثورة تموز من جانب، وبين المشروع القديم البالي، ولهذا فالمشروعان الأولان كانا يلتقيان في منعطفات مهمة ويختلفان لحد الافتراق في الكثير من المرات، ولهذا يبقى مشروع الانتقال نحو الأجمل حبيس الظروف التي عاشتها الثورة.
ولقد كانت للثورة مهام بناء ثقافة جديدة تتطلب وضع حل علمي دقيق لمسالة الموقف من التراث عامة والتراث الفني خاصة، ولهذا بين الحزب أن الثقافة تنشأ على أساس التطور الإبداعي اللاحق لمنجزات الثقافة الطليعية التي حققتها البشرية ولصالح النضال في سبيل انتصار الثورة بشكل تام لصالح المجتمع بأسره، وكذلك الاستيعاب العميق للثقافة الروحية التي خلقتها الحقب الماضية ومعالجتها نقديا.
إن أعداء ثورة الرابع عشر من تموز لم يمهلوا قادتها لبناء عراق جديد، خال من كل غبار الماضي العتيق، ولكني أعتقد أن الثورة زرعت أو بدات الخطوة الأولى للبناء الروحي الجمالي الصحيح للإنسان العراقي.