المنبرالحر

ملاحظات حول مسودة الموضوعات السياسية / د. صادق إطيمش

شكراً جزيلاً على ارسال وثائق المؤتمر لمناقشتها وإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الرفاق والإصدقاء للمساهمة في ذلك. إن مثل هذا الإجراء الصحي في العمل السياسي إن دل على شيء فإنه يدل على اصالة الحزب الشيوعي العراقي في علاقته مع الجماهير وعلى صحة المسيرة التي تستند ليس إلى العمل داخل التنظيم الحزبي فقط، بل وإلى العمل الجماهيري خارج التنظيم ايضاً. فشكراً لذلك كله.
تشير النصوص المقدمة للنقاش إلى صحة التوجه الذي يتبناه الحزب الشيوعي العراقي وجِديته في المسيرة لتحقيق اهداف هذا التوجه من خلال النضال الجماهيري في وطننا. وبالرغم من ذلك فإن هناك ما يستحق النقاش في هذه الأوراق والذي ارغب ايجازه فيما يلي من الملاحظات:
قبل كل شيء ارغب ان اشير هنا إلى ملاحظة اعتبرها مهمة لبلورة الخطاب الذي يتوجه به الحزب إلى الجماهير ودعوتها إلى النضال من اجل تحقيق مطالبها المشروعة. في مجمل الأوراق المقدَمة جرى استعمال مصطلحات مثل : الأحزاب المتنفذة، منظومة الحكم، نظام المحاصصة، الكتل المتنفذة ..... وما شابه ذلك للإشارة إلى طبيعة العملية السياسية وقادتها في وطننا. ولم يجر التطرق ولا في ملاحظة واحدة إلى تسمية السبب الأساسي لكل ذلك والمتمثل بالإسلام السياسي الذي يشكل اساس النكبة التي حلت بوطننا وكل ما نتج عن احزابه وتجمعاته التي ارتبطت باحزاب وتجمعات التطرف القومي العنصري العربي والكردي. انني اعتقد ان تسمية مسببات الأزمة، وليس نتائجها فقط، يقع ضمن المهمة الأساسية التي يجب ان يضطلع بها الحزب باعتباره الحزب الوحيد القائم على الساحة السياسية العراقية الذي يستعين في مسيرته النضالية بالفكر العلمي الحديث والنظرية العلمية الرائدة. وإن اهم مسببات ازمة وطننا بكل مظاهرها الطائفية والقومية الشوفينية والعشائرية والمناطقية،وكل ما رافق ذلك من محاصصات وتكتلات والتخلف في كافة المجالات يتجلى في سياسات ومواقف احزاب الإسلام السياسي وحلفائها ذوي التوجهات القومية الشوفينية من العرب والكرد.
تتطرق النقطة 32 من مسودة الموضوعات السياسية المقدمة الى المؤتمر الوطني العاشر للحزب إلى موضوع تشكيل حكومة الكفاءات. وهذه النقطة تقودنا إلى مناقشة ما تضمنته النقاط 60 وما بعدها حول المصالحة الوطنية والنقاط الأخرى التي تليها حول التغيير او الإصلاح، وذلك بالنظر لما لهذه المواضيع مجتمعة من علاقة مع بعضها البعض والتي ساحاول ايجازها باختصار.
لم يجر التطرق إلى آليات تشكيل حكومة الكفاءات. حينما نطرح الشعار على الجماهير ينبغي لنا ان نسعى ايضاً إلى طرح السبل والوسائل التي نراها ضرورية لتفعيل هذا الشعار. لذلك فإن التطرق إلى الآلية في تشكيل حكومة الكفاءات يشكل قاعدة اساسية لإستمرار النضال الجماهيري حيث ان الحراك الجماهيري القائم الآن في وطننا يمكن ان يكون الآلية الواقعية الأولى لقيام حكومة الشعب البديلة عن حكومة البرلمان الفاشل، والتي يستطيع الحزب تقديمها كواقع على الأرض لا كشعار فقط.
اما ما يخص ما تسمى بالمصالحة الوطنية فإن السؤال هنا: مَن يصالح مَن ؟ مَن هي الأطراف المتشاجرة التي ندعوها إلى التصالح ؟ وما هو موقعنا من هذا التصالح ؟ هل نحن من ضمن المتشاجرين الذين يجلسون مع الآخرين على طاولة المصالحة؟ إن كل ما جرى ويجري في وطننا منذ سقوط البعثفاشية المقيتة وحتى الآن ما هو إلا صراع لصوص على تقاسم الغنيمة المتمثلة بالوطن وخيراته وبالشعب واستحقاقاته في جميع المجالات، فهل نسمح لأنفسنا كمدافعين في الصدارة عن خيرات الوطن وحقوق الشعب ان نجلس على طاولة واحدة مع اللصوص لإقناعهم بالوصول إلى صيغة يتفقون عليها لإستمرار لصوصيتهم.؟ إنني اعتقد ان البديل الذي طرحه الحزب بعقد مؤتمر وطني للقوى المؤمنة حقاً بالدولة المدنية الديمقراطية واتفاق هذه القوى، بعيداً عن كل الأحزاب التي تدعي مثل هذا الإيمان كذباً، على خطة عمل مشتركة لإنقاذ الوطن والشعب من الإسلام السياسي والأحزاب والقوى المؤتلفة معه، هو الشعار الذي يجب ان نعمل على تفعيله وتحقيقه على ارض الواقع، وليس ما تسمى بالمصالحة الوطنية.
ومن خلال هذا الطرح تبرز مسألة مصطلحي الإصلاح والتغيير في نصوص هذه الأوراق والتي وجدت فيها ارتباكاً تنبغي معالجته وتسهيل طرحه لكي تفهمه الجماهير التي ندعوها إلى النضال من اجله. تشير كثير من النصوص إلى جعل الإصلاح هو الحاسم في عملية التغيير، كما طالبت الفقرة 81 مثلاً حيث جعلت اصلاح النظام السياسي مطلباً من مطالب الحركة الإجتماعية. ثم نقرأ في الفقرة 87 على ان التغيير اولاً هو الذي يقود إلى الإصلاح. فماذا نريد فعلا؟: التغيير من اجل الإصلاح الشامل؟ او الإصلاح الشامل اولاً ثم التغيير؟ قد يكون هذا الطرح اكاديميا نظرياً، إلا انني ارى ان توضيحه حسب خيارات واضحة يمكن ان يشكل مساهمة جدية في توجيه النضال الجماهيري وبلورة آليات ملائمة لتحقيق مضمون الشعار المطروح. من وجهة نظري ارى ان اطروحة الإصلاح اصبحت غير مقنعة، خاصة بعد اشتداد الحراك الجماهير، حيث اثبتت قوى الإسلام السياسي واحزابه المتنفذة والأحزاب المؤتلفة معها بانها لا تسعى فعلاً إلى الإصلاح ولا تريده اصلاً، إذ ان معنى ذلك خسرانها كثيرا من موارد لصوصيتها .وقد اخذ توجه الحراك الجماهيري يزداد نحو تغيير هذه الفئات المتسلطة اولاً ثم التوجه إلى الإصلاح الذي ستستطيع القوى المدنية الديمقراطية امتلاك آليات تحقيقه. اما كيف يجري هذا التغيير ؟ فكما ذكرت اعلاه بان الحراك الجماهيري يجب ان يضع الخطط المرحلية لهذا التغيير الذي يجب ان يتم من خلال الضغط الجماهيري المتواصل والحراك الشعبي المستمر في كل محافظات البلد. وما يتعلق بهذا الموضوع ارى ضرورة إعادة النظر في صياغة الفقرة 106 من الموضوعات السياسية والتي تشير إلى المعارضين والداعمين إلى الإصلاح والتأني في إطلاق التأييد والمعارضة بالأسماء، خاصة فيما يتعلق بالتيار الصدري والمرجعية الدينية التي لا اعتقد بانها تتبنى نفس ذلك المفهوم للتغيير والإصلاح الذي تتبناه القوى الداعية إلى الدولة المدنية الديمقراطية.
2
لقد عوَّلت الأوراق كثيراً على مؤسسات العملية السياسية الفاشلة كالبرلمان، او القوى المؤيدة للإصلاح داخل مؤسسات الدولة، او ما يسمى بحكومة الأغلبية ... وغيرها. وخرجت بالنتيجة التي تشير إلى إمكانية مساهمة مؤسسات العملية السياسية هذه، والتي هي نتاج سياسة المحاصصة ليس إلا، بإخراج البلاد من الأزمة المستعصية التي هي فيها الآن. لا اعتقد بصحة هذا الإستنتاج وأرى اعادة النظر في تقييم مثل هذه المؤسسات اللصيقة بسياسة وتصرفات احزاب الإسلام السياسي والقوى الشوفينية الطائفية المتحالفة معها في ادارة شؤون الدولة التي تمخضت عنها هذه المؤسسات التي اثبتت فشلها خلال الثلاث عشرة سنة الماضية والتي يتحدث عنها الشارع العراقي بكل احتقار واستهزاء. وهذا ما يجب ان ندخله في حساباتنا والإعتماد على الحراك الجماهيري وتفعيله كآلية للتغيير، وليس التعويل على ما تمخض ويتمخض مستقبلاً عن الفساد والتزوير والإرهاب وكافة التمحورات والإصطفافات المقيتة.
تطرقت الوثائق اعتباراً من النقطة 173 وما تلاها إلى الوضع في كوردستان وأكدت بشكل واضح على تبني المبدأ الأممي في تحقيق المصير للشعب الكردي وناقشت العلاقة بين المركز والأقليم بروح المسؤولية الوطنية الجادة. إلا انها لم تتطرق بشكل واضح إلى دور الأحزاب الكردية الحاكمة وسياساتها المشوبة بالتعصب القومي الشوفيني في كثير من الأحيان ومساهماتها التي ادت إلى هذا الوضع المتأزم بين المركز والإقليم والذي عبرت عنه الجماهير الكردية في كثير من احتجاجاتها الميدانية وخطابها الإعلامي وهذا ما يجب ان نعيره الإهتمام الكافي. لقد مارست احزاب السلطة في كردستان نفس ذلك الدور الذي مارسته احزاب الإسلام السياسي. كما ادت سياسة الأحزاب الكردية ونهجها العشائري وتعصبها القومي إلى تقديم صورة مشوهة عن القضية الكردية اعطت إنطباعاً لدى الكثيرين من بنات وابناء الشعب العراقي في المناطق العربية إلى ان الكرد لا يعملون بما تفرضه المصلحة الوطنية العراقية.
وهذا ما تجب مناقشته في مؤتمر الحزب ومحاولة التأثير على الأحزاب الكردية نحو العمل على توثيق العلاقة المصيرية بين العرب والكرد في العراق والتي اكتسبت ارضية صلبة من خلال النضال المشترك على الساحة العراقية عموماً وخلال العقود الماضية. كما يجب إعطاء مساحة اكبر لمناقشة مفهوم الفدرالية الذي تصوره بعض توجهات الإسلاميين والقوميين على انه يعني الإنفصال وتفتيت الوطن في الوقت الذي نعلم به تماماً بان النظام الفيدرالي يعني اول ما يعني وحدة الوطن على اساس لامركزي وهذا ما تعمل به الأنظمة المتقدمة في عالم اليوم. ومن الأهمية بمكان التطرق بشكل وافٍ إلى موضوع الدولة المدنية الديمقراطية ومدلولاتها والأسس التي تقوم عليها، وفضح كل المقولات الكاذبة التي تروجها قوى الإسلام السياسي والقوى العنصرية الشوفينية حول الدولة المدنية واهمية تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة الذي لم يجر التطرق اليه نهائياً في الوثائق. إن الكثير من مضمون هذه المصطلحات غير معروف لدى الجماهير الشعبية التي سيصبح تلقفها لأكاذيب القوى المعادية لها سهلاً وبذلك تضعها هذه القوى كعامل معرقل امام اي تطور او تغيير يمكننا الدعوة إليه في هذا الإتجاه.
تطرقت النقاط 245 والتي بعدها إلى مناقشة اوضاع حقوق الإنسان في العراق واكدت بجد على رفض تعامل احزاب الإسلام السياسي وشركاؤها مع الجماهير المنتفضة في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى. وكان بودي لو ان الوثائق تطرقت باسهاب إلى نقطتين مهمتين جرى إغفالهما تقريباً في هذا المجال:
اولهما سيادة القانون العشائري على المجتمع العراقي وكل ما ينتج عنه من تخلف واضرار في العلاقات الإجتماعية. وثانيهما إهمال القضاء دوره، من خلال عدم تحرك المدعي العام، في هذه المرحلة التي اصبحت فيها إدانة الكثيرين من الأحزاب الحاكمة والبرلمانيين وكبار الموظفين في المؤسسات العامة امراً واضحاً ولا غبار عليه، حتى ان الحراك الجماهيري جعلها من جملة شعاراته.
اما ما يتعلق بموضوع التطورات في المنطقة والبلدان العربية فإنني ارى ان هناك تجاهلاً واضحاً للأدوار السلبية التي تمارسها بعض الدول العربية ودول المنطقة مثل تركيا وايران بالنسبة للقضية العراقية برمتها كقضية وطنية هدفها الاتجاه نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي تقف ضدها جميع دول المنطقة العربية والدول المجاورة غير العربية كتركيا وإيران.هذا بالإضافة إلى تجاهل ما تكرره بعض القوى الشعبية العربية في موقفها من الشعب العراقي وقضاياه وكأنها تعيد ما دأبت عليه من تأييد واسناد للإرهاب ضد الشعب العراقي، كما قامت بذلك في زمن دكتاتورية البعث حينما ساندت هذه الدكتاتورية ضد الشعب العراقي. وما التظاهرات التي جرت في الأردن وفلسطين وغيرها دعماً للإرهاب إلا مثالاً واحداً على ذلك. كما وعلينا ان لا نتجاهل دور البعث السوري في دعم الإرهاب ضد الشعب العراقي، ولم يكف عن ذلك حتى اكتوى هذا النظام نفسه بنار نفس ذلك الإرهاب الذي كان يدعمه بتسهيل تواجد معسكراته في سوريا وتسهيل تدريب الإرهابيين في هذه المعسكرات لإرسالهم إلى العراق للقيام باعمالهم الإجرامية ضد شعبنا ووطننا. هذا بالإضافة إلى تجاهل الوثائق لخرق استقلالية العراق والتدخل الفض في شؤونه الداخلية سواءً من قبل الدول الخليجية او من قبل تركيا وإيران.
ختاماً لهذه المناقشة العامة ارى ان الوثائق المطروحة كثيرة المادة طويلة جداً بحيث لا يمكن مناقشتها بشكل تام وجدي في المؤتمر. لذلك اقترح ما يلي:
1. إختصار هذه الوثائق إلى عناوين رئيسة يجري تفصيل مفرداتها في اوراق منفردة، خاصة فيما يتعلق بالمواضيع الآنية التي لم يجر التطرق إليها بشكل مفصل كالتعليم والفنون والشباب والزراعة والخدمات والصحة والبطالة وغير ذلك من الأمور التي تهم حياة الشعب العراقي بشكل مباشر وعدم الإعتماد على مناقشة الوضع الإقتصادي فقط.
3
2. ان يجري الإختصار على السرد التاريخي لبعض الأحداث التي تم التطرق إليها بتفصيل حيثياتها بشكل لا مبرر له ولا يمكن ان يكون من ضمن اعمال المؤتمر.
3. فتح جلسات المؤتمر لممثلين عن القوى الديمقراطية الرائدة للدولة المدنية الديمقراطية سواءً من الأحزاب او الشخصيات المستقلة، كمراقبين مشاركين في كل جلسات المؤتمر دون ان يكون لهم حق التصويت.
مع اصدق الأمنيات بدوام التقدم والنجاح للمؤتمر وللحزب الرائد، الحزب الشيوعي العراقي.
" مقتطفات "