المنبرالحر

شروط قرض صندوق النقد الدولي للعراق.. مساس بالسيادة الوطنية / د.عودة ناجي الحمداني

ان الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على العراق مقابل حصول العراق على القرض المالي المقدر بنحو 15 مليار دولار على ثلاث دفعات تمتد إلى ثلاث سنوات تمثل مصادرة صريحة للقرار الوطني والمساس بسيادة العراق الوطنية . فبموجب شروط القرض يخضع العراق الى الرقابة المالية التامة لصندوق النقد الدولي , ولا يحق للحكومة العراقية التصرف في اموالها سواء للانفاق على الخدمات او لإقامة مشروعات او لتوظيف موظفين او تشغيل عاملين الا بموافقة لجان صندوق النقد المشرفة على عمل الحكومة العراقية . وهي شروط جائرة ومهينة يجب رفضها ومقاومتها , فمثل هذه الشروط لا تفرض الا على البلدان التي تعرف بالبلدان الاكثر فقرا والاقل نموا في العالم , ومن المعيب ان تفرض مثل هذه الشروط على بلد كالعراق الذي يعتبر من البلدان الغنية في العالم الثالث .
ان استسهال الحكومة العراقية الاقتراض الخارجي يعكس مدى تخبطها وجهلها وسوء ادارتها الاقتصادية وعدم اكتراثها بالعواقب الكارثية التي تخلفها القروض الاجنبية , وهو توجه خاطىء وغير مبرر , واذا كان لابد من الاستدانة الخارجية فيجب ان تكون الاستدانة الخيار الاخير بعد ان تستنفذ كافة الخيارات المتاحة.
وبامكان الحكومة العراقية ان تتجنب الوقوع في كماشة صندوق النقد الدولي لو التجأت الى الخيارات الاضمن والاكثر نفعا بدلا من اللجوء الى استجداء القروض الخارجية بشروط صعبة تؤدي في نهاية المطاف الى تكبيل الاقتصاد العراقي بمديونية ضخمه وتعمق تبعية العراق الاقتصادية والمالية إلى البلدان الاحتكارية وتضع العراق تحت طائلة ابتزاز الدائنين الدوليين.
الخيارات البديلة عن القروض الخارجية :
1- الاقتراض الداخلي: سواء من البنك المركزي او من الشركات المالية للقطاع الخاص . فالمعلن ان رصيد البنك المركزي العراقي اكثر من 54 مليار دولار في عام 2016 وان الغطاء المطلوب دوليا للعملة الوطنية 40 مليار دولار وبذلك يمكن للبنك المركزي العراقي تغطية احتياجات العراق المالية بدلا من الاقتراض الخارجي.
2- تستطيع الدولة العراقية بيع كميات من النفط الخام بطريقة الآجل لبعض الدول الاجنبية باسعار اقل بقليل من اسعار سوق النفط الدولية ومهما يكون السعر التفضيلي الذي يبيع العراق به نفطه فسيكون افضل بكثير من اسعار الفوائد التي يدفعها العراق للقروض الاجنبية وما تحمله هذة القروض من تبعات تدميرية تكبل السياسة الاقتصادية والمالية بقيود صندوق النقد الدولي .
3- الاستفادة من العملات الاجنبية المتراكمة في المصارف العراقية عبر اليات الاقتراض الداخلي . فبحسب ما نشرته الصحف العراقية فان رصيد مصرف الرافدين العراقي يقدر بنحو 200 مليار دولار . ويوصف باغنى المصارف في المنطقة العربية وبذلك يمكن ان يكون بديلا مضمونا عن الاقتراض الخارجي.
4- يمكن اعادة اموال العراق المهربة من قبل اللصوص كشركات وكافراد سراق وفاسدين. خصوصا ان بعض البلدان الاوربية ابدت استعدادها للعمل مع الحكومة العراقية لتحقيق هذا الهدف .
5- تخفيض رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاثة وكذلك اعضاء البرلمان والدرجات الخاصة التي تكلف الميزانية العراقية سنويا مبالغ خيالية من الدنانير والعملات الصعبة .
6- الاستفادة من الاموال المتراكمة في بعض الوزارات التي لم تستطع استثمارها في خططها السنوية . وايقاف الايفادات الحكومية والبرلمانية غير الضرورية وتقليص مخصصات الايفادات المتعلقة بالنقل الجوي والمبيت والنفقات اليومية ومدة الايفاد في الخارج بما يوفر اموالا كثيرة للدولة .
والجدير بالاشارة لا تكمن خطورة القروض الخارجية في الفوائد المترتبة عليها وانما في شروطها الصعبة التي يمكن ان تؤدي إلى فقدان الاستقلال الوطني للبلد المدين , مثلما حدث لمصر في فترة العشرينات من القرن الماضي . ويجب التمييز بين قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . فالقروض التي يقدمها البنك الدولي لتطوير البنى التحتية تتميز باسعار فائدة اقل ولآجال اطول مقارنة بالقروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي .
ان موافقة الحكومة العراقية على الشروط الجائرة لصندوق النقد الدولي تمثل اذعانا لارادة صندوق النقد الدولي ولمشيئة الادارة الامريكية والبلدان الاحتكارية الاخرى. فالهدف النهائي لسياسة صندوق النقد الدولي في العراق تهئية كافة الظروف المناسبة لنمو وتطور الراسمالية من خلال القيام بتنفيذ حزمة من الاجراءات التي تخدم الراسمالية الطفيلية كالتحول نحو اقتصاد السوق وخصخصة وحدات القطاع العام الصناعية واطلاق العنان للقطاع الطفيلي والغاء الرقابة على النقد الاجنبي. ويترافق ذلك مع الاستمرار في ارتفاع اسعار المواد الغذائية وفرض الرسوم والضرائب على الخدمات الصحية والتعليمية وزيادة اسعار الماء والكهرباء والنقل وماشابه ذلك من الخدمات الاخرى . وادت هذه الاجراءات التي لم تنم عن شعور بالمسؤولية تجاه الحياة المعيشية للمواطنين الى اتساع رقعة الفقر وانتشار السرقة والجريمة وزيادة نسب البطالة و انتعاش الفساد المالي والانحرافات الاجتماعية.
وقد تم التخطيط مسبقا لتوزيع قيمة القرض المالي على مجالات استهلاكية بحته بدلا من التخطيط لاستثماره في مشروعات انتاجية مدرة للارباح لكي تساهم في تخصيص جزء منها لسداد خدمات القرض . ويؤدي هذا التوجه الى ايقاع العراق في الحلقة المفرغة ( قروض - مديونية - قروض جديدة لسداد القروض القديمة ) وهي السياسة المفضلة لصندوق النقد الدولي .
ان اجراءات صندوق النقد الدولي الذي يلزم البلدان الفقيرة بتطبيقها بحجة الاصلاح الاقتصادي هي اجراءات غير قابلة للتطبيق . فقد ادت اصلاحات الصندوق في اليونان الى انهيار الاقتصاد اليوناني ووقوف اليونان على حافة الافلاس والى ارتفاع مديونيته الخارجية من 350 مليار يورو في عام 2008 الى نحو نصف تريليون يورو في عام 2016 . و طبقت اصلاحات الصندوق في امريكا اللاتينية ومنها الارجنتين والبرازيل وشيلي الا ان الديون الخارجية لهذة البلدان ازدادت بنسبة 38,69في المائة بين عام1960 و1983 .
ونستنتج من ذلك ان صندوق النقد الدولي يعمل كوكيل ومحام عن مصالح البلدان الاحتكارية ويعمل على تشجيع البلدان الفقيرة على الاقتراض الخارجي وهي سياسة استعمارية هدفها نهب ثروات البلدان النامية وهيكلة اقتصادياتها بما يخدم مصالح الراسمالية الطفيلية .