المنبرالحر

مضايف الاهوار عمق تأريخي انساني / عامر عبود الشيخ علي

تعتبر اهوار العراق امتدادا لحضارة سومر وعمقا تأريخيا متجانسا بين الانسانية وجمال الطبيعة، وهذا التجانس خلق ثقافة خاصة تختلف عن ثقافات مجتمعات اخرى، من صفاتها اصالة التقاليد والاعراف الخاصة الملتزمة، منها اكرام الضيف والشجاعة وحماية الاشخاص واحترام الكبير وتوقيره.
وعند ذكر الهور تحلق مخيلتنا الى القصب والبردي والمشحوف، والعدد الكبير من الاسماك والطيور المهاجرة، والى ارغفة خبز التنور الطيني واكلة السمك (المسكوف مع الطابك اوالسياح).
ولا تنسى ايضا جوهرة الاهوار المضايف، والتي تمتاز بتصميمها الساحر وشكلها المقوس المدعوم بحزم كبيرة من القصب الذي يعتبر المادة الاساسية لهيكل المضيف، والذي في الغالب يحتوي على فتحتين جانبيتين لدخول الاشخاص والهواء. ويذكر ان السومريين اول من صمم المضايف مستغلين جغرافية وطبيعة المنطقة، اذ غالبا ما تنشأ باتجاه من الشمال الغربي الى الجنوب الشرقي، فيدخل الهواء عبر البوابة والفتحات بين القصب ويخرج من الجهة الاخرى، وبذلك تحدث عملية تبريد طبيعية.
ويبنى المضيف من تجميع حزم من القصب تسمى الشبة ويبلغ قطر قاعدتها التي تثبت في الارض من (60 الى 75) سنتميتر، ويصغر قطرها تدريجيا ليتراوح بين (40 الى 30) سنتمتر ليصل وسط سقف المضيف المقوس، ثم يعود قطرها بالتوسع تدريجيا في الجهة المقابلة وبنفس القياسات، لتثبت القاعدة الاخرى بالارض. وتشد الشبات بقصب مبروم كالحبال، ويبلغ عدد هذه الشبات او الدعامات الهيكلية للمضيف من (13 الى 17) شبة حسب كبر المضيف، وتربط بعد ذلك الشبات بشكل افقي بحزم اخرى من القصب ايضا تسمى (الهطر)، مع عمل عمودين في مدخل المضيف واخرين في نهايته، لتكون تلك الفتحات لدخول وخروج الناس منها، وبعد ذلك يغطى هذا الهيكل القصبي المقوس بالحصران المصنوعة من القصب المشظى والتي تسمى بالبارية. وهي دليل اخر على الموروث السومري، اذ يبين العلامة والمؤرخ طه باقر "ان كلمة بارية مشتقة من الكلمة السومرية بورو والتي تعني الحصران التي تصنع كما هي الان في الجنوب".
وللجلوس في المضيف دلالات اجتماعية مهمة، وموروثات اصيلة تنتقل من الاجداد الى الابناء، حيث يتعلم الابناء الحكايات والحكمة وتجارب الحياة.
ومن الملاحظ ان المضايف التي بناها السومريون لم تنته بانتهاء الحضارة السومرية، بل استمرت وظيفتها إلى وقتنا الحاضر واصبحت جزءا لا يتجزأ من سكان الاهوار.