المنبرالحر

الكتلة العابرة للنزاهة .. ! / علي فهد ياسين

العروض المستمرة للدراما (البرلمانية) على مسرح مجلس النواب منذ أشهر، كشفت حجم ونوع وعمق المأساة التي يعيشها العراقيون تحت لافتة الديمقراطية، بعد عقود من الحكم الدكتاتوري البغيض، وكأن التضحيات المستمرة هي (قدرهم) في المرحلتين، نتيجة فساد واستهتارالقادة (الميامين) .
لعل أبرز نتائج الحراك المدني المتصاعد منذ أكثر من عام (وتحديداً بعد اقتحام مجلس النواب)، هو تحول صراع احزاب السلطة فيما بينها الى صراع بينها وبين الشعب، فقد توحدت مواقفها لأول مرة وكأن حركة الاحتجاجات هي عدوها الرئيسي الذي يهدد أمن البلاد أكثر من داعش، مما تطلب اغلاق الجسور والشوارع وانتشار القطعات العسكرية في محيط المنطقة الخضراء والاستنفار العام في العاصمة ايام الجمع ، اضافة الى اعتقال عدد من الناشطين المدنيين من دون اعتراض اي طرف سياسي مشارك في السلطة، بعد ان كانت التقاطعات والاعتراضات تطال ابسط قرارات أو اجراءات السلطة التنفيذية طوال السنوات الماضية !.
ولأن اسطوانة الصراعات السياسية التقليدية بين احزاب السلطة باتت مشروخة وغير مقبولة من عموم العراقيين، فان بديلتها المناسبة للاجواء الجديدة هي اسطوانة (كتلة الاصلاح)، التي عطلت البرلمان اكثر من شهرين قبل ان تعود بـ (خفي حنين)، لتتعالى الاصوات بعدها مطالبة بتشكيل (الكتلة العابرة للطائفية)، وهي الاسطوانة الجديدة لـ (اوركسترا) المنطقة الخضراء !.
لقد حذرت القوى الوطنية من اعتماد الطائفية السياسية منهجاً لادارة البلاد حتى قبل سقوط الدكتاتورية، لكن احزاب السلطة وجدت فيها الحماية الحقيقية لمصالحها الذاتية على حساب مصالح الشعب العليا، وحين استحكم الاستعصاء السياسي والاقتصادي والامني نتيجة الفساد العام وانهيار المؤسسات وتفاقم خطر الارهاب، عادت اليوم تستنجد بما رفضته بالامس بعد أن وصل الخطر الى تخوم مواقعها .
أن المطالبة بتشكيل (الكتلة العابرة للطائفية) من داخل المنطقة الخضراء هي فصل جديد من (اللعب السياسي) لاحزاب السلطة لمواجهة الاستحقاقات القانونية ضد الفاسدين، لانها صادرة من قبل جهات وأفراد لم يغادروا مواقعهم في التشكيلات الطائفية التي لازالت تتحكم بمواقع القرار، وهي الجهات المسؤولة عن ملفات الفساد الكبرى التي لم يبت بها القضاء الى الآن، ناهيك عن مثيلاتها غير المعلنة، لأنها تحت مظلة المحاصصة الطائفية.
الذي جرى ومازال من أحداث مأساوية في حياة العراقيين جاء نتيجة طبيعية لقيادة البلاد من قبل (الكتلة العابرة للنزاهة) منذ سقوط الدكتاتورية، والصراعات بين أطرافها كانت في الاغلب الاعم هي تمثيل أمام الشعب لاستمرار الاستقطاب الطائفي الضامن لبقائها في السلطة، ولأن فسادها أوجع الشعب بقسوة، وخوفاً من انفلات عام يطيح بالجميع، فأن نفس الاطراف اتفقت على تقديم عرض مسرحي جديد بعنوان(الكتلة العابرة للطائفية)، ليكون ملهاة جديدة ينشغل بها الضحايا عن المأساة الحقيقية الناجمة عن اختياراتهم الخاطئة لممثليهم في دورات الانتخاب المتتالية .