المنبرالحر

ملاحظات عن الموضوعات السياسية المقدمة الى المؤتمر العاشر للحزب / نبيل سالم

ملاحظة عامة: التقرير شامل ويعكس جهدا كبيرا في معالجة مختلف مجالات العمل السياسي ويغطي مختلف المواضيع وبتفصيل يمكن القارئ من معرفة تحليل الهيئات القيادية لها، وهذا مايسمح بحوار ونقاش معمق يقود الى بلورة الاتفاق العام في الحزب على الخطوط العامة. اود التعبير عن التثمين للجهد الكبير المبذول في اعداده، والذي يعكس ضمنا انغمار الحزب في كل تفاصيل العملية النضالية.
ان تبويب التقرير عبر ابواب داخلية وعبر استخدام طريقة وضع ارقام لكل فقرة موفق ويساعد على المناقشة الملموسة والمركزة, كما ان تغطية المادة لتفاصيل كل عنوان فرعي يمكن القارئ والمناقش من الاطلاع على موقف الحزب وتحليله الشامل.
كان من الممكن لمساعدة القراء من مختلف المستويات الثقافية، ولاختلاف الهدف والرغبة في القراءة المفصلة من قارئ إلى آخر، اعتماد اسلوب تلخيص كل موضوع فرعي ووضعه مثلا في بداية الموضوع الفرعي، والذي يمكن من معرفة الخطوط العامة لموقف وتحليل الحزب. قد يكتفي قارئ ما بقراءة الخلاصة لموضوع فرعي بدون المادة كاملة لهذا الموضوع، بينما يقوم بقراءة كليهما لموضوع فرعي اخر. الفائدة الرئيسة لهذا الاسلوب هي في تشجيع اكبر عدد من القراء غير الراغبين بقراءة كل المادة من القراءة للملخصات بدلا من عدم القراءة نهائيا او الاكتفاء بقراءة جزء قليل من المادة بشكل عام.
يمكن للمؤتمر وبعد النقاش المستفيض للموضوعات السياسية والخروج برؤية موحدة، اعادة صياغة التقرير كوثيقة تفصيلية واعداد نسخة مختصرة منه تتضمن الخطوط العامة والاستنتاجات الرئيسة، تطرح للجمهور العام ويتم نشرها عبر مختلف وسائل الاعلام.
ستقتصر مشاركتي على ثلاثة مواضيع لزيادة الدقة والوضوح في التقرير، مع الاشارة الى اية نقاط في الوثيقة مرتبطة بها، مع الاتفاق مع ماورد في الوثيقة المطروحة بخطوطها العامة في المجالات الاخرى :
الموضوع الاول:
القارئ للعديد من فقرات الموضوعات السياسية الخاصة بتحليل الوضع الداخلي والوضع في المنطقة والعديد من وثائق الحزب السابقة واعلامه الرسمي يجد قراءات مختلفة قد تعكس او يتم قراءاتها بخلفية مختلفة و بدرجات مختلفة لاسباب الحرب والاحتلال ونتائجها، ولتطورات الاوضاع في المنطقة.
على مستوى الوضع الداخلي نجد كامثلة، الفقرات التالية في الوثيقة الحالية:
الفقرة 2 (وكان من مظاهر الفشل في تحقيق ماتطلع اليه العراقيون بعد التغيير في نيسان 2003 من اقامة بديل مدني ديمقراطي حقيقي .....) ... السؤال هنا هل تتحمل هذا الصيغة او يمكن قراءتها بتطلع الحزب ايضا إلى تحقيق نفس الامل بعد الحرب وخلفية التحليل السياسي لهذا, وهل ينسجم هذا الامل المشروع بشكله المجرد مع طريقة "التغيير".
في الفقرة 9 يمكن ان نقرأ عن موقف الحزب من هذا الطموح المشروع للعراقيين وهل كان الحزب يرى حقا في الظروف بعد حرب 2003 وفي طريقة التغيير، امكانية واقعية ملموسة ومباشرة لطموح كهذا ( الفقرة 9 ...من جانبنا تعاملنا مع العملية السياسية كعملية انتقال سلمي نحو عراق ديمقراطي .....). اعتقد ان هذه الفقرة بحاجة الى تعديل يعكس تحليلنا لاهداف الحرب والاحتلال مما يوضح للقارئ اننا كنا مدركين للمأزق الكبير الذي ادخل فيه الوطن ونضالنا من اجل تقليل مخاطر نتائجه، لما يخدم نضالنا اللاحق والذي يتبنى مطامح الشعب في بناء نظام وطني ديمقراطي عادل يقضي على الارث الديكتاتوري والاستبدادي. الفقرة بصيغتها الحالية لاتعبر بشكل دقيق وواضح عن موقف الحزب من الحرب والاحتلال والموثق في مؤتمرات سابقة, او على الاقل يمكن قراءتها باشكال مختلفة بهذا الشكل او ذاك من قبل القراء.
العديد من الفقرات اللاحقة 7، 8, 12، 13، 16 تعكس جزئيا تحليلا لا يحمِّل بشكل واضح الحرب وخلفيتها الفكرية والسياسية وطريقة التغيير سلطة الاحتلال مسؤولية وضع العراق، ومنذ بداية العملية السياسية، على طريق الطائفية السياسية بتقاسم مواقع النفوذ بين القوى السياسية التي في غالبها كانت مشاركة في خطط الادارة الامريكية. الاشكال لايكمن في توزيع المواقع السياسية والادارية على اناس اكفاء ووطنيين ونزيهين يمثلون التعدد القومي والديني والمذهبي في العراق، ولكن في اعتبار القوى السياسية الممثلة في مجلس الحكم واعضائها ومناصريها هم الممثلين الوحيدين والحقيقيين لهذا التنوع للشعب العراقي، والتقرير نفسه يشير الى هذا في احدى فقراته.
الفساد المستشري في النظام السياسي بعد 2003:
تتعلق بشكل عام بالفقرات بدأ من الفقرة 66.
لاخلاف ان الفساد كان موجود اساسا في ظل النظام الدكتاتوري وازداد مع سياسة الحصار الاقتصادي، ولكن الفساد الذي نتحدث عنه بعد 2003 شيء اخر تماما حيث ضرب كامل النظام السياسي وبمديات من السعة اصبح فيه سرقة كبرى للمال العام وللاقتصاد الوطني.
الفساد بعد 2003 كان نتيجة حتمية لحل وتفكيك مؤسسات الدولة بما فيها الرقابية (المؤسسات تم حلها وليس تفككت لوحدها، وللدقة يفترض تعديل الفقرة 64 التي تستخدم تعبير المنحلتين), وفي ظل ارث الدكتاتورية ولبلد عانى شعبه من سنوات حصار قاس لسنوات طويلة وحالة "الفوضى الخلاقة" التي وصفها ونظر إليها عدد من ممثلي الاحتلال، مضافا إلى هذا سياسة صرف اموال العراق من قبل الحاكم المدني وسلطة الائتلاف المؤقتة، والتي لاتخلو من سياسة الافساد المباشر عبر طريقة التصرف كمثال "بصندوق اعمار العراق"، ذات الاسلوب الذي انغمست فيه معظم القوى السياسية وبدرجات مختلفة واصبح عرفا للعملية السياسية التي "عول عليها شعبنا الآمل ببناء نظام عادل وديمقراطي".
لنأخذ كمثال البداية لهذه العملية وكيفية التصرف في صندوق اعمار العراق والموثقة بتقييمات الهيئات الامريكية نفسها:
عن موقع الويكيبديا بتصرف واختصار مع التعليق:
https://en.wikipedia.org/wiki/Coalition_Provisional_Authority
تولت سلطة الائتلاف المؤقتة في -ايار 2003 مسؤولية ادارة صندوق اعمار العراق، والذي انشئ سابقا على اساس برنامج النفط مقابل الغذاء. المبلغ الذي كان متوفرا في الصندوق حال تحويل مسؤولية ادارته 20 بليون (البليون هو المليار المتعارف عليه في استخدامنا) دولار امريكي. في الوقت ذاته تولت سلطة الائتلاف المؤقتة ادارة 18,4 بليون (مليار) دولار امريكي والتي خصصها الكونجرس في الولايات المتحدة لإعادة اعمار البنية التحتية في العراق.
بحلول حزيران 2004 كان واقع الصرف من المبلغين اعلاه هي التالية:
تم صرف 19,1 بليون (مليار) دولار من صندوق اعمار العراق اي بواقع 95,5 في المائة من المبلغ الكلي
تم صرف 440 مليون دولار من المبلغ المخصص من الكونجرس اي بواقع 2,1 في المائة من المبلغ الكلي
الصرف اعلاه يظهر فقط استخدام تقريبا كل صندوق اعمار العراق في حين الصرف من مبلغ الكونجرس كان ضئيلا، ولكن لاتشير الارقام اعلاه لوحدها الى افساد او فساد او سوء تصرف في استخدام صندوق اعمار العراق. اما لماذا الفرق الكبير في نسبة الصرف فتم تفسيرها لكون الثاني مخصصا لإعادة الاعمار وليس للمصاريف التشغيلية.
وفقا للمفتش العام الخاص باعادة اعمار العراق فان العديد من المشاريع التي صرفت من صندوق اعمار العراق كان يفترض ان تصرف من مبلغ الكونجرس لكونها مشاريع اعادة اعمار البنية التحتية. من المهم ملاحظة ان الصرف من صندوق اعمار العراق لسلطة الائتلاف كان اسهل كثيرا من مبلغ الكونجرس وفقا للتدقيقات المحاسبية المطلوبة. الكثير من المشاريع التي صرفت من صندوق اعمار العراق لم تأت بمردود استثماري للدولة العراقية وفقا للتدقيق من قبل المفتش العام الخاص باعادة اعمار العراق.
الى جانب الحاكم المدني المسؤول رسميا عن التصرف في صندوق اعمار العراق ممثلا لسلطة الائتلاف المؤقتة كانت هناك هيئة رسمية مسؤولة عن اعداد مجالات الصرف من المبلغين كليهما والتي ترفع ليقرها الحاكم المدني وتاخذ طريقها الى التنفيذ. الهيئة سميت مجلس او هيئة تقييم البرامج. تتألف الهيئة من 11 من اعضاء معينين من سلطة الائتلاف المؤقتة وعضو اضافي ممثل لمجلس الحكم. رئيس الهيئة كان المستشار المالي لسلطة الائتلاف المؤقتة في وزارة المالية العراقية.
الحاكم المدني كان من الناحية الرسمية ملزم بتوصيات هيئة تقييم المشاريع, ولنرى كيف جرى تقييم عمل هذه الهيئة من قبل التدقيق الداخلي لمؤسسة "كبجم" المحاسبية لطريقة صرف مبلغ 19,1 مليار دولار امريكي لصندوق اعمار العراق من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة:
* اجتماعات هيئة تقييم البرامج لم يسجل فيها الحضور
* اجتماعات هيئة تقييم البرامج اتخذت فيها قرارات بالصرف بدون وجود نصاب قانوني من حيث عدد الحاضرين
* الهيئة لم تسجل ابدا في اي قرار صرف تم اقراره في الهيئة، من صوت مع القرار ومن هو ضده من اعضائها
* من 43 اجتماعا عقد في 2003 لم يشارك ممثل من مجلس الحكم سوى مرتين فقط
* لاتوجد في محاضر اجتماعات الهيئة معلومات كافية للقارئ توضح اسباب اعتماد المشاريع
* عدد من المشاريع المطروحة للاقرار من قبل الهيئة تم قرارها لاحقا خارج الاجتماعات بشكل غير رسمي
* رئيس الهيئة والمستشار لوزارة المالية ممثلا لسلطة الائتلاف رفض التوقيع على دقة حسابات الهيئة
مما ورد اعلاه وان لم يكن يوجد ماهو موثق قانونيا بوجود سوء تصرف وافساد، ولكن العارف بظروف عمل الهيئة ولأن اعضاءها جميعا عدا شخص واحد من مجلس الحكم قادمون من بلدان غربية ومطلعون تماما على اصول الصرف الصحيح ، مضافا إليها التعليمات الواضحة التي كانت قد صدرت من قبل الامم المتحدة عند تحويل مسؤولية ادارة صندوق اعمار العراق من قبل الامم المتحدة الى سلطة الائتلاف المؤقتة، له حق الاستنتاج بقصدية السلوك غير الشفاف وغير الموثق في التصرف بها.
من غير المنطقي ان يكون ممثلو القوى المتنفذة ولاسيما من كان على اتصال بالادارة الامريكية قبل الحرب, ومشاركا لها في ادارة البلاد عبر مجلس الحكم بعيدا عن معرفة في الحد الادنى على الاقل (ان لم يكن مشاركا اساسا) في سوء التصرف بصندوق اعمار العراق.
مع هذه البداية للتصرف بصندوق اعمار العراق والظروف الاخرى المذكورة سابقا, كان شعبنا شاهدا على كيفية مسار الامور بعد تحويل السلطة من الناحية الرسمية من سلطة الائتلاف الموقتة الى الحكومة العراقية المؤقتة في 28 حزيران 2004 والسنوات التي تلتها.
على مستوى وضع المنطقة نجد كامثلة الفقرات التالية في الوثيقة الحالية:
بدءا من الفقرة 290 ضمن موضوع التطورات في البلدان العربية والمنطقة ( ... في اعقاب الحراكات المجتمعية الجماهيرية الجامحة، التي انطلقت في اواخر 2010 واسقطت انظمة الاستبداد والفساد في تونس ومصر وليبيا واليمن، وتفاعلت تاثيراتها في بلدان عربية اخرى ...)
هل حقا يمكننا الخروج باستنتاج عام كهذا يشمل كل هذه البلدان معا بما في ذلك سوريا والتي تقصدها ضمنا عبارة البلدان الاخرى. هل حقا كان التغيير في ليبيا مشابها بخطه العام وجوهره لما حدث في تونس ومصر من حراك مجتمعي جماهيري استطاع تحييد حتى القوى الامنية. هل من الدقة ان يذكر في تقريراللجنة المركزية للمؤتمر التاسع عبارة ( ... وانتصر الشعب الليبي بمساعدة خارجية ..) هل قصف ومشاركة حلف الناتو، حتى وان انتزعت الشرعية جزئيا عبر الامم المتحدة، كانت لدعم طموحات الشعب الليبي في الحرية واليمقراطية وهل حدث حقا حراك مجتمعي جماهيري كما هو الامر في تونس ومصر. الاشكال في الصياغة كما اعتقد هو في عدم ادخال قراءتنا مخططات القوى الغربية للاستفادة من حالة الحراك المجتمعي الجماهيري كما حدث في تونس ومصر، وهذا ينطبق على موقفنا المعبر عنه في بياناتنا السياسية واعلامنا من الاحداث في سوريا في سنوات 2011-2014 والذي كان ينقصه الوضوح الكافي والمطلوب، حتى ليس من الغريب ان تجد اعضاء في الحزب غيرمحصنين فكريا وسياسيا بالضد من قصف سوريا من قبل الغرب على غرار ليبيا ومساعدة الشعب السوري كما تمت مساعدة الشعب الليبي. لولا الموقف الروسي اولا والصيني ثانيا ، مضافا إليه تغير الادارة الامريكية عن ادارة 2003 ومحصلة حربهم تلك، لما تردد الغرب بشكل عام في دعم "التغيير الديمقراطي" في سوريا عبر التدخل العسكري المباشر, وقد يكون الامر في حقيقته هو انهم قد عولوا على "ادوات انظف من التدخل العسكري المباشر كما قام به اليمين المحافظ في حرب 2003" عبر السماح ان لم يكن دعم "قوى الحراك والثورة المسلحة" بما فيها "مقاتلو الحرية" من خارج سوريا على غرار تجربة افغانستان سابقا، بدلا من اعتماد الطريق السلمي في التغيير الحاصل بالضرورة والذي تسعى إليه القوى العقلانية في سوريا بما فيها الجزء الاكبر من تيار اليسار فيها, والذي ادركته حتى قوى من داخل النظام السياسي القائم.
الموضوعات السياسية للمؤتمر العاشر تقدم تحليلا اكثر واقعية بشكل عام لما يجري في المنطقة مقارنة بوثائق المؤتمر التاسع في 2012 مع ان الامور في جوهرها لم تتغيركثيرا، ويمكن العودة الى بياناتنا المقلة والمقتظبة في هذا الشأن، واعلامنا لفترة غير قليلة سبقت ذلك وخصوصا مايتعلق بسوريا والذي كان يردد احيانا ما تنقله وكالات الانباء من تعابير عن قوات النظام والاسد وغيرها. هل حقا كنا نرى الامور بشكل اخر في الفترة السابقة والسؤال هنا لماذا، وان لم يكن الامر هكذا فلم لم نعبر عن نفس الموقف الحالي وبنفس الوضوح سابقا؟
التحليل اعلاه لايتناقض اطلاقا مع حقنا المشروع بل واجبنا النضالي في توصيف الانظمة بالاستبدادية والديكتاتورية وفي دعم ومساندة اي حراك مجتمعي شعبي من اجل اهداف نبيلة مشروعة في بلدنا وخارجه ، ولكن نتفق جميعا ان دولنا الوطنية واستقلالها وسيادتها ومنجزات كادحيها وابنائها ومن بينها نضالات شيوعييها ويسارييها على مر زمن التحرر والاستقلال وكسر الهيمنة الاستعمارية، لايمكن ان يتم اختزالها في انظمة استبدادية وديكتاتورية عابرة على مستوى التاريخ. ان عدم تثقيف وتحصين جماهير الحزب والجماهيرعموما بهذا الموقف سيضعف في النهاية من حسها الوطني المتراكم، مما يقود الى التعامل مع خطر العدوان الخارجي في مسالة تلتبس فيها الاراء عند اليسار، كما حدث مع سوريا كمثال.
الموضوع الثاني:
الفيدرالية والاقاليم في العراق في الفقرات من 153 الى 172:
كان تطوير الحزب لسياسته في حل القضية القومية الكردية بعد انتفاضة 1991 من الحكم الذاتي الحقيقي الى الفيدرالية واقرار ذلك في المؤتمر الخامس للحزب عام 1993 عبر شعاره "اسقاط النظام الدكتاتوري واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد" ، مبررا تماما ويعكس قراءة واقعية ملموسة لظروف تطور الحركة القومية الكردية وواقع اقليم منطقة كردستان العراق.
لم بطرح الحزب في كل ادبياته على حد علمي وصولا الى عام 2003 والحرب، كون النظام الفيدرالي هو شعار الحزب لعموم العراق ويرى فيه تطبيقا ملموسا لواقع التطور السياسي في بلادنا. والمعني بالطرح هنا هو ليس احاديث او شعارات عامة وانما تحليل نظري وعملي لقراءة الحزب لتوجه كهذا وفقا لمعطيات التطور السياسي الملموس.
من الصائب تماما سابقا وبعد 2003 طرح شعار اللامركزية كحل ملمومس لواقع التطور السياسي في العراق وتخلصا من الحكم المركزي الذي عدا عن كونه يمثل نزعة دكتاتورية، يكون غير كفوء لتأمين التطور الملموس لمختلف مناطق العراق ومحافظاته ومدنه وريفه.
كانت المعارضة العراقية ولفترة غير قصيرة في الفترة السابقة لحرب 2003 غير مجمعة على النظام الفيدرالي، وكان الحديث عن القضية القومية الكردية تحديدا، وبعد فترة تمكن التوصل الى ارضية مشتركة حول الموضوع بعد تأسيس المؤتمر الوطني العراقي الموحد واقر ذلك في مؤتمر لندن عام 2003.
ماحدث عند كتابة الدستور بعد 2003 هو الخلط بين النظام الفيدرالي الذي يمثل حلا متطورا ملموسا للقضية القومية الكردية وبين الصياغة التي تم التوصل اليها وتم التصويت عليها باعتماد النظام الفدرالي على اساس اداري وليس قومي.
على الرغم من ان التوافق السياسي قد قاد الى العديد من الصياغات الدستورية غير الدقيقة ان لم يكن بعضها خاطئا جزئيا ، فنحن غير ملزمين بتحديد شعاراتنا وبرامجنا السياسية وتبني كل ما جاء في الدستور كأهداف، ولا يشكل هذا تخليا من الحزب عن الالتزام القانوني بالدستور مادام لم يجر تعديله بما يقترب من رؤيتنا السياسية.
ان الفيدرالية المطبقة في كردستان العراق اساسها قومي واقعا وافاقا بما في ذلك التطلع الى نظام كونفدرالي او الاستقلال كدولة مستقلة، وليست فيدرالية ادارية كما نص عليها الدستور التوافقي، ومناطق العراق الاخرى لاتشكل في ظروف تطورها السياسي، مايجعلنا نرى في الفيدرالية الادارية حلا لافاق التطور فيها، الا اذا كنا سنقبل بالفيدرالية القائمة على اساس طائفي حلا مشروعا للوضع السياسي في العراق. وفي كلتا الحالتين الفيدرالية في كردستان والمحتملة في الجنوب او غرب العراق، ليست ادراية، مع امكانية قيام الاخيرة، وفقا لنصوص الدستور، والتي تلزم بالتصويت النهائي بنسبة تفوق 50 في المائة كي تأخذ طريقها الى الحياة.
ان خطر تفتيت الدول الوطنية والعزف سياسيا على اساس المكونات القومية والدينية والمذهبية من قبل مختلف القوى داخل وخارج العراق تتطلب منا ان نكون اكثر حذرا في طرح شعاراتنا السياسية على اساس واقعيتها وخدمتها التطور السياسي الملموس في بلادنا وفي كل مناطقه.
ان شعار اللا مركزية وبمداها الواسع هو الشعار الاكثر واقعية وملموسية ومايوحد الناس على اساس الموطنة والذي يمكن ان نثقف على اساسه جماهير شعبنا ونحصنها من الوقوع في فخ التقسيمات الفرعية على حساب اولوية المواطنة والوطن.
الموضوع الثالث:
افاق عمل اليسار في العراق للفقرات من 264 الى 287:
لعمل ونشاط اليسار في العراق افاق واسعة تحتاج الى عمل صبور وواقعي وملموس يستلهم دراسة تجاربه عبر عشرات السنين عموما وتجاربه بعد 2003 خصوصا.
التالي هو نص مستقطع من المادة التي يمكن الاطلاع عليها عبر الرابط التالي على الانترنيت:
http://www.al-nnas.com/BIBLTEK/ilf00.pdf
الواقع الاجتماعي والصوت الانتخابي لليسار العراقي
ما هو البديل السياسي الانتخابي
امام التحديات الفكرية والتحليلية المطلوبة، والتي قد تحتاج إلى فترات زمنية طويلة نسبيا، في النقاط اعلاه (اي في المادة المرفقة كملف) يطرح تساؤل واقعي حول قدرة الحزب الشيوعي على لعب دور الحركة اليسارية المنفردة القادرة لوحدها على تعبئة اوسع الجماهير التي ترتبط مصالحها الطبقية موضوعيا مع اليسار، في عملية التغيير نحو التطور الوطني الديمقراطي ونظام العدالة الاجتماعية.
قد تكون الاجابة في ضرورة تبني الحزب مع الاخرين، احزابا وحركات اجتماعية وافراد، مشروع انشاء تيار شعبي سياسي انتخابي يساري يواصل جوهر التطبيقات الوطنية الخلاقة للحزب الشيوعي والتيار اليساري، ومتحررا في الوقت ذاته من كل مايعيق ذلك فكريا و تنظيميا وقادرا على التواصل مع اوسع جماهير الشعب. هذا التيار او التحالف الوطني الشعبي اليساري سيكون تيارا مستقلا تنظيميا وينشط فيه الشيوعيون بشكل مبدع و فردي ضمن الخط العام سواء بتوجيه من الحزب او بشكل طوعي اختياري ومن منطلق الاهداف العامة المعلنة للتيار. امكانية ان يتحول الحزب نفسه الى تيار كهذا غير واقعية بل ومتسرعة، وان تمت ستكون تحت ضغط الاحداث المباشرة، وتعني القطيعة العملية مع الفكر الشيوعي الماركسي كأساس نظري لعمله وبنائه. وبغض النظر عن بعض الافكار المطروحة في تحول الحزب الى حركة او حزب تقدمي ديمقراطي او يساري ديمقراطي، فإن الدخول في مناقشة هذا الامر لن يقود الى اجماع نسبي في الامد القريب على الاقل، وحتى وان حدث سيكون متسرعا وبدون نقاش علمي حقيقي ولا سيما ان الوثائق المطروحة لا تشير الى توجه كهذا مع مغامرة عدم الاستجابة له من جماهير الشعب. من جانب اخر تقود عدم مبادرة الحزب الى انشاء تيار كهذا الى استمرار الوضع الحالي في خطوطه العامة والمتمثل في ضعف التيار اليساري الوطني في التأثير المباشر وعبر المؤسسات المنتخبة على مجرى التطور في بلادنا بشكل فعال، لابل تقود عدم المبادرة الى عرقلة الحزب عمليا لنشوء هذا التيار. المقصود باليسارية ضمن ظروف العراق المعاصرة هو الجمع بين الموقف الوطني والانحياز الى مصالح اوسع فئات الشعب من ذوي الدخل المحدود والعمل على ارساء مبدأ العدالة الاجتماعية كهدف عند وضع مختلف الخطط والسياسات.
الخطوط العامة لهذا التيار في عناوين هي: الوطنية والمواطنة العراقية، التوجه الانساني المدني والتقدمي والايمان بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن مصالح الفئات الكادحة ومحدودي الدخل.
قد يكون التيار اليمقراطي الذي تجري العديد من النشاطات في ظله احد اشكال هذا التوجه لكن هذا لن يكون بديلا عن التوجه البرنامجي المعلن والمبرر فكريا وسياسيا وبمبادرة من الحزب بشكل مباشر.
دعم هذا التحالف او التيار اليساري والعمل فيه كواجهة رئيسة لليسار العراقي لايلغي بقاء الحزب الشيوعي ونشاطه المستقل السياسي والتنظيمي بل ويوفر له ارضية اكثر رحابة لبناء سياسته بدون ضغط النتائج الانتخابية او غيرها بشكل مباشر، وسيوفر لاعضائه فرصة المنافسة الحقة والواعية في تقديم المثل في العمل المباشر بين مناصري ومؤيدي هذا التيار الواسع اجتماعيا.
التيار اليساري الانتخابي المطلوب سيتحرر من تعقيدات ومتطلبات الاساس الفكري والنظري للفكر الماركسي في برامجه وسياساته، بل سيتعامل مع اشكال تطبيقاتها الملموسة في المرحلة الزمنية ما بين دورتين انتخابيتين، وينسجم بهذا مع الوعي الاجتماعي لغالبية جمهور الحزب الشيوعي سابقا وحاليا ويكون قادرا على كسب جماهير اوسع لايصلها الحزب حاليا.
يفترض ان يحرر هذا التيار فئات واسعة من اعضاء سابقين للحزب وجمهور حزبي سابق وجديد غير قادرين على التواصل بشكل فعال مع الحزب الشيوعي لاسباب مختلفة موضوعية وذاتية، مع ان وعيهم الاجتماعي والفكري اقرب ما يكون الى تطبيقات الحزب الملموسة وتيار اليسار في الاطار العام.
بالتأكيد سيخلق هذا الواقع تحديات كبيرة لعمل الحزب الشيوعي، لكن هذه التحديات ستعكس مدى قدرة الحزب على التفاعل المستمر مع التطورات العلمية والفكرية لتدقيق اسسه النظرية وتطبيقاتها على الارض العراقية، وفي الحفاظ الحقيقي على صلته بجماهير فاعلة ومبدعة في الفكر والعمل بدلا من الكم غير الفاعل بالضرورة، وبدلا من ضغط النتائج الانتخابية واستطلاعات الرأي العام.