المنبرالحر

أين يكمن الحل؟ في غير الخروج من العصور الوسطى المظلمة !؟ / د. فوزي القريشي*

قد يتبادر إلى ذهن المتابع، موضوعياً، لأوضاع العالم الاسلامي والعربي السائدة في الوقت الحاظر، سؤال:
هل هناك تشابه ما بين هذه الأوضاع – الدينية - السياسية، والأوضاع التي سادت أوروبا المسيحية في زمان القرون الوسطى المظلمة؟ عند البحث والمقارنة بين هذه وتلك نصل إلى قناعة أن الجواب بنعم هو أقرب إلى الصواب، أو هو الصواب بعينه.
يقول المؤرخ التشيكي "ياروسلاف شَبك" الخبير في شؤون التاريخ الكنَسي أن "أوروبا كانت تنام نوماً عميقاً ومهددة بحملات الكراهية والتطرف، قبل أن تجد الحلول المناسبة للفكر الديني المتطرف والمتخلف الذي كان سائداً فيها آنذاك".
ما يقوم به المتبنون للفكر الاسلاموي المتطرف، (القاعدة، داعش أو ما يسمى بالدولة الاسلامية وغيرها من هذه الطائفة أو تلك، ويسمون أتباعهم بالمجاهدين...الخ)، من جرائم وحشية باسم الدين ومن نشر الكراهية وتكريس الفكر التكفيري، هو أحد الفصول الشبيهة جداً بأكثر الفصول ظلاماً وتخلفاً التي سادت العالم المسيحي في القرون الوسطى، إذ أن المسيحيين، أيضاً، قادوا آنذاك حروباً باسم الله. وقامت حروب أهلية عنيفة، بغية الوصول إلى السلطة أو باسم الدين وبسببه، ومنها على سبيل المثال، حرب الثلاثين عاماً (Thirty Years War) وهي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و 1648 وتخللتها الحرب الأهلية الطاحنة بين الكاثوليك والكالفينين (البروتستانت) في فرنسا... ولم تتخلص المسيحية من أوضاعها المأساوية تلك إلا بالعمل تدريجيا على اصلاح الدين وعلى اسس جديدة جديدة تؤمن بحقوق الانسان وتدافع عنها أينما ومتى تخرق. وأصبح الدين والتدين مسألة شخصية يؤمن بها الفرد حسبما يشاء وكما يشاء... وأصبحت الدولة علمانية لا تعادي الدين ولا تفرضه بموجب هذه المفاهيم أو تلك، وأصبحت الدولة عبارة عن حاضنة يتعايش فيها الجميع من مختلف الأديان والمعتقدات... وكلما خرقت هذه القاعدة وهذه المفاهيم قامت الحروب ثانية واشتد القتال وقتل الأبرياء وشرد الناس... إن عملية الاصلاح الديني هذه ساعدت فيما بعد على تطور ونمو أوروبا وصولاً إلى ما هي عليه الآن.
واستناداً إلى ذلك فأن على الدول الاسلامية والعربية العمل على الخروج من أوضاعها الحالية الشبيهة بأوضاع أوروبا في القرون الظلامية الوسطى والاستفادة من تجارب تلك الفترة التي مرت بها أوروبا وذلك لاختصار الطريق في عملية تحولها إلى دول علمانية لا تعادي الدين ولا تفرضه، وتؤمن بحقوق الانسان وحريته في اختيار طريقه. وتؤمن بأن المواطنة هي الأساس في بناء الدولة الحديثة، وبناء مثل هذه الدولة لا يتم بالاستناد إلى المفاهيم الدينية المبنية على أسس طائفية ومذهبية وأثنية. بل بالاستناد إلى أسس ديمقراطية مدنية حديثة.
الدولة العلمانية ، التي لا تعادي الدين ولا تفرضه على الناس هي المخرج من المأزق الذي يجد العالم العربي نفسه فيه في الوقت الحاضر. وأما خلاف ذلك فأن هذا العالم العربي سيبقى على حافة التاريخ وسيبقى وجوده مهدداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* براغ – الجمهورية التشيكية