المنبرالحر

الرسالة التعليمية والاتكال على المنهج / ناجي محيبس الكناني

لا يراودنا اي شك في ان من رحل من العلماء الذين تولوا تدريس مختلف العلوم والآداب شددوا على اعتماد المعلومة العلمية والادبية، وجمعوا شتاتها بروابط محكمة من التعليل، والتأليف، وساعدوا على ايجاد مقومات الثقافة العربية, والعالمية . فشكلوا حلقات دراسية, وألفوا كتباً في الادب العربي كالنقد، والشعر, والتفسير, والشرح, ومختلف العلوم الاخرى, واصبحت مصادر للتدريس يستطيع الطلبة والمدرسون ان يتعلموا منها ما استطاعوا من آراء, وافكار, واحكام . كما استطاعت مؤسسات تربوية وعلمية عالمية الاعتماد عليها من اجل تحقيق نهضتها.
ان الوقوف على التيارات الفكرية التي دوت في الاحقاب التاريخية والتي لمعت اسماؤها على مر الازمان ومالها من أثر, وتأثير, وتفاعل, في شحذ روح الطالب المتلقي بالميل الى التحقيق والمتابعة، والنقد وطرح الاراء, والافكار عندما يدخل معترك الحياة العملية لا يراوده اي شك في ما يحمله من محصول علمي، وادبي، واجتماعي، يستطيع ان يوازن بين ثقافته الشخصية وبين المنهج, وما بينهما من غثٍ أوسمين. هكذا ارى ان الحياة الثقافية التي نمت على المناهج الرسمية ينقصها التشبع في مفرداتها الجافة، دون ان تعنى بإنماء الرسالة التي قام بها الاستاذ، وقد تكون غير مستوفاة للشروط, وقد يجهل البعض احيانا قضية معينة من قضايا الادب، والعلوم, ومشكلاتها لانها لم تخطر بباله.
ينبغي التخلص من الذهنية التي سادت العقول والقلوب يوم كان المرء يتفاخر بامتلاكه المعرفة، اذ يردد قال استاذي, كيت وكيت، انما هو يقصد من قول استاذه التدليل على ان الذي يقوله هو كل شيء، وهو القول الفصل, وكل الرأي الذي قاله هو من المنهج المدرسي الذي ساهم هو الاخر في اتباع الطرق التعليمية القديمة التي تقول بالترديد والترجيع, وهي آفة التعليم الكبرى التي تبطل المحاكمة العقلية في طالب العلم.
لاشك ان الرسالة التعليمية المثقلة بالاتكالية على المناهج تبقى عقيمة ثقافياً لانها لا تشجع الطلبة حسب مراحلهم الدراسية ومستوياتهم العقلية على الاطلاع على سلاسل شتى من الكتب العربية والعالمية الغزيرة بالاجواء الفكرية والمعرفية التي برزت فيها اسماء خلدها التاريخ.
ان الاعتماد الكلي على المنهج المدرسي يعني الابتعاد عن ثقافة التنوير والتحديث والاقتراب اكثر من الثقافة المنهجية التقليدية التي تقتصر على التلقين وهي لا تحفز الطلبة على تطوير آرائهم وافكارهم ولا تتيح للأستاذ ان ينصرف الى معالجة موضوعيه, ورأي شخصي ناقد او مكمل للمنهج بمختلف الاراء ليوازن فيما بينهما وبين المناهج المقررة ويمحص ما فيها ليحصل على رأي ارسخ في الحافظة على مر الزمن، بعد معرفة الظواهر، والوقائع العلمية، والتاريخية, للآداب والعلوم التي تشجع على احياء تراثنا الثر واظهار المخلفات الفكرية, والعلمية، والفنية، والثقافية، المشبعة بالافكار والاراء والاحكام السديدة.