المنبرالحر

قرار المحكمة الاتحادية بين المطالبة الشعبية بالإصلاح وتطبيق أحكام الدستور.. قراءة نقدية / الحقوقي علي حسين جابر

أثار قرار المحكمة الاتحادية الصادر بتأريخ 10/10/2016 جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية بين مؤيد ومعارض ، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة (2) من (قرار مجلس الوزراء المرقم 307 في 9/8/2015 الذي جاء فيه إلغاء مناصب رئيس الجمهورية) على أثر التظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح.
وتعتبر المحكمة الاتحادية العليا أعلى سلطة قضائية مختصة في الرقابة على دستورية القوانين والفصل بين المنازعات الناشئة بين السلطات الاتحادية نفسها أو مع الأقاليم ، وهي الجهة العليا الراعية لتطبيق مبادئ الدستور تطبيقا صحيحا والحفاظ على الديمقراطية والحريات الأساسية الواردة فيه.
وفي ملاحظة لحيثيات قرار المحكمة الذي نشر موجز عن مضمونه الموقع الرسمي للسلطة القضائية، أنه تناول دعوى المدعى نائب رئيس الجمهورية السيد أسامة النجيفي الذي طعن بقرار مجلس الوزراء رقم 307 المؤرخ في 9/8/2015 مستندا فيه إلى مبادئ الدستور , نستطيع أن نورد فيه الجوانب التالية :-
أولا : أن قرار المحكمة الاتحادية تناول الآلية التي اتخذها مجلسا النواب والوزراء التي تم فيها إلغاء قانون نواب رئيس الجمهورية المرقم (1) لسنة 2011 حيث بين القرار إن مجلسي النواب ورئاسة الوزراء لم يتخذا المنحى القانوني السليم لإلغاء هذا القانون الذي رسمه دستور العراق الحالي لسنة 2005 والذي تطلب أن إلغاء أية مادة دستورية وهنا يقصد إلغاء المادة المرقمة (69) والفقرات ثانيا وثالثا والفقرة (4) من المادة 75 الدستورية المتعلقة بوجود منصب نواب الرئيس حيث يتطلب حسب رأي الاتحادية الموافقة على إلغائها بالأغلبية المطلقة أمام البرلمان ومن ثم عرضها على الاستفتاء الشعبي العام بغية أقرار التعديل حسب ماورد بموجب المادة 142 من الدستور .
ثانيا / جاء في قرار المحكمة الاتحادية بأن دستور العراق النافذ ألزم وبموجب المادة (69/ف2) والمادة (75/ف2/3/4) منه وجود منصب نواب رئيس الجمهورية حيث ورد بمنطوق قرارها (أن وجود منصب نواب رئيس الجمهورية هو أمر ألزمته المادة (69ف2) من الدستور , وهذا الرأي حسب الرأي لم يكن دقيقا حيث وعند مراجعة نص هذه المادة نجد أنه ذكرت ( ينظم بقانون اختيار نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية) وبالمراجعة القانونية واللغوية نرى أن منصب النائب تخييري وليس إلزامياً وهذا ماأكدته المادة (75ف4) من الدستور حيث بينت صراحة في حالة خلو منصب الرئيس لأي سبب كان فيحل رئيس مجلس النواب محله في حالة عدم وجود نائب له ) وهذه المادة تؤكد عدم إلزامية وجود منصب النائب لرئيس الجمهورية ولاسيما أن الدستور قد حدد مدة ثلاثين يوما لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلا من الرئيس السابق وهي مدة قصيرة جدا مقارنة بالحاجة لمنصب نائب الرئيس لوجود رئيس مجلس النواب الذي يحل محله دستوريا ضمن المدة المقررة أعلاه .
كذلك لا نعرف كيف تم استقاء إلزامية منصب نائب الرئيس حيث بينت المادة (66) من الدستور أن السلطة التنفيذية تتكون من (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ) وهذا يدل على عدم ذكر منصب نائب الرئيس كمنصب رئيسي إلزامي في السلطة التنفيذية وإنما تخيير السلطات الاتحادية بين الأخذ بتولية المنصب وفق المادة (69ف2) أو عدم الأخذ به لوجود خيار آخر وهو ماذكرته المادة (75/ف4) السالفة الذكر بقيام رئيس البرلمان محله في حالة خلو المنصب حيث ذكرت هذه المادة الدستورية عبارة عدم وجود نائب وعدم الوجود هنا لغة يعني نفي حصوله وليس عدم حصوله ظرفا وخاصة أن مدة الخلو محددة وهي لاتتجاوز الثلاثين يوما .
ثالثا / إن قرار المحكمة لم يتطرق لإعادة نواب رئيس الجمهورية إلى مناصبهم لا بل وحتى المدعي أمامها السيد أسامة النجيفي الذي طعن بقرار مجلس الوزراء موضوع الدعوى وهذا ماأكده المتحدث بأسم السلطة القضائية السيد القاضي عبد الستار البيرقدار حيث أنصب قرار المحكمة على الفقرة الثانية من القرار المطعون فيه المتعلقة بوجود مناصب نواب الرئيس من عدمه وبما أن القرار المطعون فيه قد حكم بعدم دستوريته بموجب قرار هذه المحكمة فأنه بموجب القانون يعتبر كأنه لم يكن وغير موجود .
كذلك أن نواب الرئيس لم تجر إقالتهم وفق الآلية التي تطلبها قانون نواب رئيس الجمهورية المرقم (1) لسنة 2011 حيث أشترط هذا القانون وفي المادة (5/رابعا/ أ / ب /خامسا ) منه (أن يكون إعفاء نواب الرئيس بناء على طلبهم أو توصية من رئيس الجمهورية أو بناء على طلب استجوابهم من مجلس النواب وبقرار مسبب) وهذا كله لم يحصل وبذلك فأن المحكمة الأتحادية كانت محقة عندما ردت دعوى المدعي نفسه أمام المحكمة الاتحادية التي أقامها في أيلول الماضي لأنه كان قد أقامها بصفة نائب رئيس الجمهورية ولكنها قبلته منه بعد ذلك بموجب هذه الدعوى بصفته الشخصية كمواطن وليس وظيفيا كنائب للرئيس باعتبار أن قرار الإعفاء فيما لو كان قد صدر هي غير مختصة به بل هو من اختصاص المحكمة الإدارية وبذلك وأنه بموجب قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 2011 والتعليمات الناشئة عن النظام الداخلي لرئاسة الجمهورية رقم (1) لسنة 2015 (م رابعا وخامسا منها ) فان نواب الرئيس ومدراء مكتبهم (بدرجة مدير عام وموظفيهم ومستشاريهم) مازالوا يشغلون مناصبهم وان لم يتم الإعلان عن ذلك رسميا .
رابعا /أن قرار مجلس الوزراء المرقم 307 في آب عام 2015 موضوع الطعن كان قد استقي من نص المادة (78) من الدستور التي منحت رئيس مجلس الوزراء سلطة اتخاذ القرارات الإدارية والسيادية وخاصة المتعلقة بكونه المسؤول التنفيذي المباشر برسم السياسة العامة للدولة وكذلك ما أوردته المادة (80) والمتعلقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء في الفقرات (أولا وثالثا ورابعا ) منه حيث بينت سلطة رئيس مجلس الوزراء في تخطيط وتنفيذ السياسة العامة وخطط التنمية للدولة وإصدار القرارات بهدف تنفيذها ) وحزمة الإصلاحات هذه صدرت وأقرت في جلسة مجلس النواب المرقمة (10) بتأريخ 11 آب من العام الماضي التي عقدت لمناقشة حزمة الإصلاحات التي تقدم بها رئيس مجلس الوزراء وكذلك أقرار حزمة الإصلاحات الأولية التي قدمها مجلس النواب والموافقة عليهما تصويتا بالإجماع نتيجة للاحتجاجات الشعبية التي أندلعت في الحادي والثلاثين من تموز من نفس ذلك العام والتي مازالت بوادرها مستمرة لغاية اليوم والمطالبة بالإصلاح الجذري للدولة.
خامسا / إن السيادة للقانون و الشعب مصدر السلطات (م5/ من الدستور) الذي يحق له بموجبه سحب التفويض الشعبي لأي مسألة لا تتناسب مع الديمقراطية حيث نصت المادة (الثانية /فقرة ب /ج) منه بأنه لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية ولايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ) و حرية التعبير والتظاهر السلمي جزء أساسيا من هذه الحقوق ، وحيث إن الدستور وكما هو معروف أنه عقد بين الشعب والسلطات التي تمارس مهامها بالتفويض عنه من أجل كفالة حرية الشعوب وعيشها الكريم وفق ماجاء في ديباجة الدستور التي أكدت على مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والباب الثاني المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب العراقي وليس من أجل توزيع المنافع بين السلطات لتصبح أحكام الدستور بذلك انتقائية ملزمة فقط تجاه الشعب وغير ملزمة للسلطات ، متناسين أحكام المادة (27/أولا) التي نصت (للأموال العامة حرمة ، وحمايتها واجب على كل مواطن) ،وهذا لايمنع الشعب من ممارسة دوره الدستوري أصالة عن نفسه وليس تفويضا من قبل نوابه عندما تستعصي الحلول القانونية عبر مؤسساته الدستورية وفقا لمبدأ سيادة القانون باعتباره مصدرا للسلطات وله الحق في حماية الأموال العامة عبر تقويم أداء السلطة بمطالبته للإصلاح السياسي والاقتصادي ومعالجة الترهل الحكومي بسبب نظام المحاصصة وهو دور كبير ومهم ومتوافق مع أحكام الدستور والغاية المرجوة منه المتمثلة بتنظيم توزيع السلطات وواجباتها في إدارة الحقوق وتحقيق الرفاه الاقتصادي للشعب العراقي .
لذا ومن خلال ماتقدم فأننا نرى إن المحكمة الاتحادية العليا كانت قد جانبت الصواب في قرارها المتعلق بالطعن بدستورية قرار مجلس الوزراء المرقم 304 لسنة 2015 والذي كان قد قرر إلغاء مناصب رئيس الجمهورية بأستنادها على تدقيق إجراءات السلطتين التنفيذية والتشريعية والتي لم تراها سليمة ، وبما أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة لكافة السلطات حسب نص المادة 94 من الدستور ، ألا أن ذلك لايمنع من اتخاذ الإجراءات الأخرى التي ذكرها الدستور في المادة 142 منه حسب ماذكره قرار المحكمة وذلك عن طريق اعادة النظر بالمواد الدستورية التي ذكرت منصب نواب رئيس الجمهورية وتعديل فقراتها وعرضها على الاستفتاء الشعبي العام فيما لو بقيت إرادة السلطات الاتحادية مستمرة بإجراءات الإصلاح ورغبتها الجادة في سبيل ذلك وهو مانراه عسيرا بعد خبو الضغط الجماهيري وتظاهراته المطالبة به.