المنبرالحر

هل مازلنا بحاجة الى ماركس؟ / عادل عبد الزهرة شبيب

على الرغم من مرور 133 عاماً على رحيل الفيلسوف الالماني الكبير، مؤسس النظرية الماركسية كارل ماركس في عام 1883، فإنه مازال حياً في أفكاره ونظريته, ومازال يشغل الناس بهذه الافكار ويملأ الدنيا, وفي كل أزمة مالية يشهدها النظام الرأسمالي تعود أفكار ماركس إلى الظهور, وقد عادت أفكاره مع الازمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي عام 2008, اذ انتعشت الماركسية من جديد ليتصدر اسمه وصورته عناوين الصحف البارزة . وفي هذا الصدد فقد فاز ماركس بلقب (أعظم فيلسوف في التاريخ ) في الاستفتاء الذي اجرته هيئة الاذاعة البريطانية (B.B.C) في تموز 2005، ونشرت صحيفة الفاتيكان ( لوسير فاتوري رومانو ) مقالا في عام 2009 يشيد بتشخيص ماركس لعدم المساواة في الدخل في الانظمة الرأسمالية، وصار كتاب رأس المال لكارل ماركس من اكثر الكتب مبيعا في المانيا, كما دعت الجريدة الاقتصادية الليبرالية ( فايننشال تايمز ) في مقال لها الى اعادة قراءة اعمال كارل ماركس وبالخصوص مؤلفه الشهير رأس المال وبينت بأن ماركس هو اول من حلل بدقة وعمق جوانب السوق الضعيفة, وان المعرفة بالاقتصاد الماركسي في نظر الصحيفة كان بإمكانها ان تجنب رجال المال والسياسة الازمة الرأسمالية او تخفف من وطأتها على الأقل .
كما قامت العديد من دور النشر بإعادة طبع كتابات ماركس حيث قامت دار النشر الفرنسية ( غاليمار) بإعادة نشر كتاب ( رأس المال ) سنة 2008 على شكل كتاب الجيب، واعادة طبع كتاب ( صراع الطبقات في فرنسا ) وقد زادت مبيعات هذين الكتابين مما يفسر عودة الاهتمام بماركس لدى القراء والمهتمين، وايضا سجلت دور النشر الالمانية ارتفاعا مهما في مبيعات كتاب رأس المال . اذن ماركس لم يمت ولم تمت أفكاره ونظرياته بشأن نقد الرأسمالية وآن الأوان لاستعادتها مرة اخرى، فالماركسية وكما قال لينين ليست انعزالية وليست عقيدة جامدة، بل هي فكر حي ومبدع حيث أعطت الردود على المسائل التي طرحها فكر البشرية التقدمي. وعلى مر التاريخ استطاعت الماركسية ان تحيا وتتطور وترتقي, فعلى الصعيد الفلسفي صاغت الماركسية الديالكتيك المادي الذي شكل ثورة حقيقية في المعرفة واسس منهجا علميا لا غنى عنه . كما استطاعت ان تكشف عن الجوهر الاستغلالي البشع للرأسمالية وأن تنتقد شرورها وتعلل حتمية زوالها . وعلى صعيد الفكر السياسي اسست لنظرية علمية عن الاشتراكية كبديل عن المجتمع الرأسمالي الاستغلالي، وهكذا فالماركسية شكلت منظومة فكرية متكاملة ومترابطة عضويا لحصيلة واسعة من النظريات والمفاهيم المنسجمة وفق منهج علمي محكم يستند الى الواقع الملموس الى جانب استشراف المستقبل. واصبحت الماركسية مرشدا للعمل وليست عقيدة جامدة .
وكان ماركس محقا في تحليلاته المتعلقة بطبيعة النظام الرأسمالي وتنبه مبكرا الى أن الرأسمالية نظام يتطور بطريقة غير مستقرة اثناء الازمات وهي تحفر قبرها بيدها .
اليوم يلجأ بعض الرأسماليين الى طلب افكار ماركس العلاجية لتجاوز ازمة الرأسمالية التي اصابت النظام الرأسمالي في كل مكان وتخليصهم من المأزق الذي وقعوا فيه بسبب الاسواق المالية المنفلتة .
وفي العراق اليوم نحن أحوج ما نكون الى نظريات ماركس وافكاره العلاجية لتخليصنا من الاقتصاد المتخلف، الريعي الوحيد الجانب، المهمش للقطاعات الانتاجية غير النفطية، وتخلصنا من التضخم ومن البطالة المرتفعة ومن الفقر ومن نقص الخدمات التعليمية والصحية والبلدية الى جانب ازمة السكن وانخفاض مستوى المعيشة وانتشار ظاهرة التسول وما يعانيه العراق من الديون الثقيلة التي ترهق ميزانيته وارتباط اقتصاده بعجلة الاقتصاد الرأسمالي وخضوعه إلى تقلبات السوق النفطية وتقلبات الدولار, الى جانب معاناته من آفة الفساد المنتشرة في معظم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ومعاناته من غياب الاستراتيجيات الاقتصادية وانخفاض سعر صرف عملته مقابل العملات الاخرى وزيادة وارداته على صادراته حيث يستورد كل شيء، ورغم امتلاكه الثروات الطبيعية المتنوعة مقارنة بالدول الاخرى الا ان اقتصاده ما زال متخلفا وتم تشخيصه عالميا من أكثر الدول فسادا، ومن الدول المنخفضة في مستوى التعليم ومن الدول الطاردة للاستثمار, وعاصمته من اسوأ المدن في جودة المعيشة وحتى ان جواز السفر فيها يعتبر من اسوأ الجوازات في العالم، فهو الاسوأ في كل شيء. الا يتطلب كل ذلك العودة الى ماركس وتطبيق افكاره العلاجية لاقتصادنا الوطني؟ حيث بواسطتها يمكن للعراق ان يحقق المساواة بين المواطنين واعلاء روح المواطنة وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة، والقضاء على الفساد المستفحل والتخلص من الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب وبإمكانه العمل على تنويع مصادر دخله القومي ورفع المستوى المعيشي للسكان وفك الارتباط بالاقتصاد الرأسمالي وحل ازمة السكن واعتماد استراتيجيات اقتصادية تمكنه من تحقيق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي وبناء الوطن الحر والشعب السعيد، فما زلنا بحاجة الى ماركس.