المنبرالحر

الدولة والمرض .. على الموظف! / د. سلام يوسف

الدول القوية ذات التعاملات الرصينة، الدول التي تحكمها قوانين وتعليمات منصِفة، وتسعى الى دعم حياة مواطنيها، دول كهذه تحكمها قوانين لا تتغير بتغير مزاج حكامها. إذ هناك ثوابت لا مجال للمساومة عليها أو التلاعب بها، أو تحريفها وتوجيهها بعكس اتجاه عقارب الساعة. وفي الوقت نفسه تجد أن الهياكل العامة للمؤسسات التنفيذية في هذه الدول مبنيّة على هذه الأسس، مما يجعل مجتمعاتها مستقرة في ظل حماية حقوق الإنسان. وعليه فإن موظفي هذه المؤسسات يكونون في أولويات السلم الاجتماعي بين عناصر المجتمع.
والأمثلة كثيرة، منها الضمان الصحي الذي يعد شريان الحياة في مجمل التعاملات اليومية في مؤسسات هذه المجتمعات، فيكون الدعم واضحاً ومباشراً لشريحة الموظفين لتحقق الدولة انسيابية العمل وضمان جودته.
وفي العراق، فالحقيقة هي ان الموظف لم يتنفس الصُعداء إلاّ بعد زوال النظام حينما أصبح يشعر بقيمة تحصيله العلمي أو بمكانته الاجتماعية بعد ان عُدِّل راتبه بصورة أفضل، مقارنة مع وضعه قبل زوال النظام، رغم أن هذا التعديل تشوبه الكثير من النواقص.
ولكن حينما يمرض موظفنا ويحال الى اللجان الطبية ويتم اتخاذ القرار وفق تقييم تلك اللجان بمنحه إجازة مَرَضية، تجد أن آلة استقطاع مخصصات ذلك الموظف تعمل فوراً، فيحرم من المخصصات (وهي ليست قليلة).
وهذا يعني من الناحية العملية أن الموظف عندما يصبح مريضاً مما يتطلب منه المراجعات لدى الأطباء، والناس تعلم أن الطب والطبابة في عراق اليوم راح ينحو منحاً تجارياً للأسف الشديد. وهذا يعني مرة أخرى أن موظفنا سيعاني من أمرين، الأول المَرَض وتأثيراته الجسدية والاجتماعية، والثاني تخلي الدولة عنه في محنته مع الامراض!
إن وقف صرف المخصصات يشكل بشكل غير مباشر عقوبة للموظف تضاف الى عقوبة الزمن عند مرضه. فبدلاً من أن تقف الدولة الى جانب مَن خدمها وخدم المجتمع في مرضه، تجدها تزيد من همومه. وفي المقابل لا يوجد عندنا نظام تأمين صحي مطبق بشكل واسع وشفاف بحيث تتحمل الدولة أخلاقياً ما يمكن أن يلحق بمنتسبيها من أضرار صحية مباشرة.
هناك الكثير من الأمراض التي تُقعِد الإنسان وتمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي، أو تحول دون أن يحيا حياة طبيعية، وبالتالي فهو لا يقوى على تأمين مصدر آخر للمعيشة. فما بالك وهو يبذل المزيد من الأموال لأجل استرجاع عافيته، وفوق ذلك تقطع الدولة عنه مخصصاته التي أصبحت اليوم الجزء الأساس في تمكنه من تجاوز صعاب الحياة المعيشية بشكل عام؟!.
أعتقد أنه صار مطلوباً أن تنظر السلطة التشريعية العراقية بعين الإنصاف وتباشر عاجلاً في تشريع قانون يؤمّن رعاية صحية مجانية متكاملة للموظف، مع استمرار مخصصاته وعدم توقيفها.