المنبرالحر

جامعات عراقية جديدة .. منافذ جديدة للبطالة ..!! / علي فهد ياسين

يشكل موضوع التعليم الجامعي الهاجس الأول لوزراء التعليم العالي في البلدان الطامحة للبناء السليم , سواء تلك التي تنهض بعد سقوط الدكتاتوريات أو التي تغيير من مناهجها المعتمدة بعد حدوث الأخفاقات في خططها التطويرية للبناء , تماشياً مع آخر ما تتوصل اليه مراكز الأبحاث العالمية حول أفضلية الأساليب لأختصار الوقت والجهد والتكاليف .
في الخمسة أعوام الاخيرة تناوب على وزارة التعليم العالي العراقية وزيران , قدما رؤيتيهما لحاجة العراق للجامعات , فكان الوزير السابق الدكتور ( عبد ذياب العجيلي ) يرى أن العراق يحتاج الى ( 75 ) خمس وسبعين جامعة جديدة لغاية العام 2020 , بينما يرى خلفه الذي لازال في الوزارة السيد ( علي الأديب ) أن الحاجة لغاية 2014 هي ( 15) خمس عشرة جامعة جديدة .
وفق رؤية الوزيرين مطلوب أفتتاح بين ( 5-7 ) جامعات في العام الواحد , وهذا يعني أن هناك دراسات وبحوث قامت بها مراكز البحث في الوزارة بالتنسيق مع وزارة التخطيط ومراكز الابحاث والدوائر المعنية في الوزارات العراقية الأخرى لتكون النتائج مستندة الى الحاجة الفعلية للعراق من الكوادر العلمية التي تخرجها هذه الجامعات للمساهمة في الخطط التنموية , أو أن تلك الرؤى هي للوزيرين شخصياً وهذا ما نخشاه !, وفي كلتا الحالتين كانت الأرقام متبناة منهما الوزير السابق أعلن عنها في لقاءات تلفزيونية موجودة على مواقع الانترنت والوزير الحالي ضمنها كلمته الموجودة على موقع الوزارة .
لابد أن كلا الوزيرين على دراية بما يعنيه أفتتاح جامعة جديدة , وهو في أبسط حيثياته يشير الى أن جامعات البلاد لا تستوعب الطلبة المتخرجين من مراحلة التعليم الثانوي , وأن مؤسسات الدولة بحاجة الى أعداد أضافية من خريجي الجامعات في مفاصلها المتعددة اضافة الى مؤسسات القطاع الخاص , وأن حجم التخصيصات المالية كافية لأنشاء الجامعات الجديدة , وأن كوادر الوزارة التدريسية والفنية والأدارية قادرة على تلبية الحاجة المضافة , والأهم من كل ذلك أن الجامعات الموجودة قد استكملت بناها التحتية الأساسية من مختبرات وأجهزة علمية ومن أقسامها الداخلية وملاعبها الرياضية ومراكز بحوثها وقاعاتها الدراسية المناسبة لتلقي العلم أضافة الى هياكلها العلمية والأدارية والفنية ومخازنها الساندة لهذه التفرعات .
الوزيران على دراية كذلك بما يدور من مناقشات في مجلس الوزراء , وهم بذلك يعرفون حال البلاد وتعقيدات البناء تحديداً في ظل حجم وعمق الفساد المالي الذي يعصف بالبلاد , اضافة الى التعطيل شبه الكامل للقطاع الخاص والترهل الهائل الذي يعاني منه القطاع العام , ومستويات البطالة المتفاقمة والتي يشكل خريجو الجامعات العراقية جزءا كبيرا منها , وكل ذلك نتيجة السياسات الفاشلة التي أنتهجتها القوى السياسية التي قادت البلاد خلال العشرة أعوام الأخيرة وهم ضمنها , فلماذا هذه التصريحات الغير واقعية والغير مدروسة التي يتبنونها علناً دون التفكير بشكل واقعي يساهم في التخفيف من حجم وعمق المأزق الذي نحن فيه ؟ .
في كلمته على موقع الوزارة يتبنى السيد ( علي الأديب ) سياسة تحقق التوسع الأفقي للتعليم العالي , وكمثال على ذلك يورد ما يقول أنه نواة لجامعة ( الفلوجة ) التي تعني بالتخصصات الزراعية , وهو يعرف أن أقدم كليات الزراعة في العراق هي في أبو غريب, التي تأسست في العام 1952 وهي لا تبعد عن قضاء الفلوجة سوى ( 50 ) كم , ويستطيع ابن الفلوجة أن يصل اليها بوقت أقل من الطالب الذي يأتيها من بغداد , فعلى أية ضرورة أستند الوزير في ذلك ؟ .
وفي مثاله الآخر ضمن كلمته على موقع الوزارة يعلن الوزير عن تأسيس جامعة متخصصة بالنفط والمعادن في قضاء القرنة , وهي الواقعة في خاصرة البصرة التي تشكل جامعتها أحد أهم الجامعات العراقية بعد بغداد والموصل , فلماذا لا يضيف الوزير تخصيصات الجامعة الجديدة الى تخصيصات جامعة البصرة كي تستطيع ان توفي ببعض التزاماتها التي تحول قلة التخصيصات بينها وبين تنفيذها ؟ .
اما المثال الثالث فهو الأعلان عن افتتاح ( جامعة القاسم الخضراء ) في العام الماضي , وفك ارتباط كليتي الطب البيطري والزراعة التابعتين لجامعة بابل منها والحاقها بالجامعة الجديدة , ومعلوم أن ناحية القاسم تبعد ( 35 ) كم عن الحلة التي تحتضن جامعة بابل القادرة على استيعاب التوسيع والتطوير خدمة لأهدافها .
هل يعلم السيد الوزير أن هناك عشر وجبات من خريجي كليات الزراعة وكليات الطب البيطري العراقية لازالوا بلا تعيين ؟, أم أن المهم هو أنهم تخرجوا وأنتهت مهمة وزارته حال تخرجهم وعلى وزارات الدولة الأخرى مسؤولية تعيينهم وكأننا في سوق وكالات لا يجمعها العمل المشترك ؟ .
لقد كان التوسع الافقي للجامعات العراقية محكوم باغراض سياسية ليس لها علاقة بالعلم والبناء , وكان الاجدى نفعا منه هو تطوير الجامعات العراقية الموجودة اصلا وتكملة مستلزمات نهوضها بدلا من التشتيت الذي اعتمدته الوزارة والذي ادى الى ضعف واضح في المنتوج النهائي للجامعات ولم يسهم في تطويرها , بعد كل التخصيصات المالية الهائلة التي اختفت نسبة كبيرة منها نتيجة الفساد وضعف التخطيط واعتماد كوادر ضعيفة التخصص .
للمفارقة أقول أن تكلفة بناء سياج أحدى الجامعات العراقية بلغت مليارات بالدينار العراقي , وهي بالتأكيد كافية لبناء أقسام داخلية لطلبتها بدلاً من تأجير فنادق بائسة لسكنهم منذ سنوات , لكنها الفوضى , اليس كذلك ؟ .