المنبرالحر

لتتوضح الرؤى الوطنية تجاه أعداء الشعب / د.علي الخالدي

الشخصية العراقية تَتبع حضارة عريقة ضمن مقاييس غير مستقرة , مرت بأزمات تخللتها صفحات مشرقة , دفعتها للعمل والإنتاج , مستغلة ما قدمته ارض ما بين النهرين (ميسوبوتاميا ) من خيرات , إستغلتها الأجيال, وهي محافظة على تواصلها , مع تلك الحضارة , بتمسكها بالتقاليد والعادات الموروثة التي صانت التعايش السلمي بين أطراف نسيجه الإجتماعي , الذي عبره أستطاعت تطوير وتنمية القدرة الفكرية والثقافية لشخصيتها , على مر السنين , ومع مواصلة طريق اللحاق بالتطور العلمي والإقتصادي بالإعتماد على قدراتها الذاتية , إزدات شهية و أطماع الدول القريبة والبعيدة بالوطن , فحيكت المؤمرات لإيقاف وعرقلة مسيرتها , على طريق التقدم والتنمية التي بدأتها ثورة تموز المجيدة , وفي هذا السياق لعب حزب البعث الدور الريادي في هذا المشوار , فهو لم يكتف بإجهاض كل خطوة وطنية تخدم المسار الوطني العراقي فحسب , بل سعى الى عملية غسل أدمغة العديد من مَن إنخرط في صفوفه , خلال حقبة حكمه فأصبحوا مؤمنين بأفكار القائد المعجزة وشعاراته القومية , ( تحرير فلسطين ), بأعتبارها حلقات مركزية , تحتل أوليات في سياسات ونهج البعث , ولم توقظهم لوقتنا الحاضر الممارسات الفعلية لهذا الحزب , بأن تلك الشعارات كانت دائما حلقة خارج إطار مركز مفاهيمه ,على الصعيد الوطني والعربي , فغدرهم بثورة الفقراء , ثورة تموز المجيدة , ,وأغراقهم العراق ببحر من الدماء , كان إستجابة لرغبات الدول الطامعة بالعراق في المنطقة والعالم

لقد تحالف البعث مع الشيطان , لشن حروبه العبثية في الداخل , وعلى دول الجوار , وهو من جاء بالمحتل الذي يتحمل مسؤولية ما نحن عليه من أزمات , وحاليا عندما إستبشر العراقيون , بسقوط الصنم , وما تم فتحه من آفاق رحبه نحو إمكانية تحقيق مستقبل حياة كريمة للشعب , بدأ البعث تنظيم نفسه , ومواصلة أعماله التخريبية من المواقع التي عشعش منتسبوه فيها بعد السقوط , حيث لم تطالهم يد قصاص عدالة التغيير , لإعتبارات طائفية إنتقائية . يتحركون من دون أن يتركوا أثرا واضحا للاستدلال على تواجدهم في الأجهزة الأمنية والإدارية , مستغلين مواصلة إستبعاد من عان من جرائمه , ومن حاملي الهم العراقي عن تلك الدوائر, و من نهج عفا الله عما سلف بمصالحة وطنية إنتقائية أعيدوا بها للخدمة , بينما لم يُنصف حتى شهداء حقبة حكمهم الإجرامي . خافين حقدهم وفكرهم الثأري بلبس عباءة التدين بعد السقوط , والتبرؤ من مسؤولية الظلم والجور الذي مارسوه بحق شعبن, بالإنخراط في الأحزاب الإسلامية , التي فتحت أبوابها واسعة أمامهم . إنهم لا يتورعون عن الحنث بالتوبة , لكنهم بالخفاء يضعوا العصي في عجلة التغيير الديمقراطي والعملية السياسية , فهم من بداء بتسيس الدين ( الحملة الإيمانية ) , وتشويه التظاهرات الشعبية والإعتصامات المفتوحة وتأجيج الإقتتال الطائفي , ودعم الميليشيات التي تقتل على الهوية , مما سبب رد فعل ميليشيات أحزاب أخرى , كادت تقود البلاد الى شفى الحرب الأهلية , وشل العملية السياسية المحتضرة , لتكون عاجزة على تصفية الإرث الكبير للدكتاتورية , و عن توثيق قيم ,و تقاليد شعبنا الحضارية , مشجعين على التجييش الطائفي والإثني القائم على موروثات أغلبها وهمية , تتعارض والمصالح المستقبلية لتنمية العراق لكونها تتبنى فكر الثار والحقد

إن مما يزيد من مخاوف كل عراقي هو الدعوة الى التصالح مع تلك العناصر, التي يعود لها السجل الحافل بمعاناة الشعب العراقي , مع سبق الإصرار عن عدم الإعتذار له , عن ما قاموا به من تعذيب وتصفية جسدية لوطنييه الأبرار, في إنقلابهم الفاشي عام 1963 وإنقلابهم الثاني عام 1968 و البطش الذي تعرض له منتفضي 1991 وما تلاها من جرائم ضد الإنسانية في حلبجة , والإنفال . لذا يشكل إعادتهم الى مواقع حساسة في أجهزة الدولة الأمنية , والإدارية على حساب تغييب مناهضي جرائمهم عنها, لا يستفز مشاعر عوائل شهداء حقبة حكمهم الفاشية فحسب , وإنما يعيد الى الأذهان ما أدت اليه سياسة عفا الله عما سلف , بحجة الإستفادة من خبرتهم . فهل حقا خبرتهم وجهت للحد من تصاعد موجة الإرهاب خلال السنين الماضية , وحَدت من تمجيد عهد المقبور صدام في ساحات الإعتصام , وأماكن العبادة.
لا شيء عندهم حرام و ممنوع , يدهنوا حناجرهم ليعلو صوتهم في ساحات الأعتصام بنصرة مظلومية الطوائف, بشكل مفتعل ,محولين الشعارات العادلة للتظاهر لخدمة مصالح وقتية زائلة وأجندات مموليهم في الداخل والخارج , وإذا ما إستهجن سلوكهم هذا رأفة بحياة الناس , يدعون أنهم يمارسوا الديمقراطية ,ويعبرون عن مشاعر مظلوميتهم مشوهين ما يسعى اليه عموم العراقيون من العيش بسلام في عراق ديمقراطي مدني فيدرالي مزدهر.
إن القائمين على الحكم مدعوون الى الحزم والتصميم لمواجهة المد البعثي الصدامي وخططه في المنظومة الإدارية الحكومية , والإستجابة لرؤى وطنية واضحة نادت بها المرجعيات الدينية والقوى الوطنية الديمقراطية , بضرورة الخروج من الأزمات التي تعصف بأوضاعنا على كافة الإصعدة . حيث يفرض الواقع حاليا أكثر من أي وقت مضى , ضرورة السعي للجلوس حول طاولة مستديرة مع جميع حاملي الهم العراقي من القوى التي لم تكن طرفا في خلق معوقات العملية السياسية , و غير متصالحة مع الطائفية وفلول البعث الصدامي , لتدارس الأوضاع الداخلية وأزمة الحكم بحوار هاديء وشفاف يضع مصلحة الشعب والوطن فوق المصالح الحزبية والطائفية فهو الخيار الوحيد لإنقاذ العراق وشعبه من المنحدر الذي يراد له أن ينزلق فيه نحو الهاوية , و هذا لمنظوره ليس ببعيد