المنبرالحر

الديمقراطية والخط الأحمر/ عبدالزهرة حسن حسب

تكثر هذه الأيام الحوارات والنقاشات عبر الفضائيات والصحف المحلية بين السياسيين حول قانون الانتخابات الذي طال انتظاره  وغالباً ما يكون طابع هذه الحوارات  الإشادة بقانون المتحدث وبيان عيوب قانون الآخر . ولم تفض الحوارات الى نتائج لأنها لا تمتلك المشترك سوى الكل يتحدث باسم الشعب  وإيمانه المطلق بالديمقراطية التي وضع القانون لصالح بنائها .
نعم قانون الانتخابات أحد عوامل بناء الديمقراطية وتأثيره واضح عليها  وبقدر ما يكون قانون الانتخابات مؤفراً الفرص المتساوية لجميع أطياف الشعب يكون بناء الديمقراطية ممكناً وامراً سهلاً .
الديمقراطية كما عرفها أرسطو ( ق م) فيلسوف يوناني للمرة الأولى تعني ( حكم الشعب ) ترى من هو الشعب ؟ هل له المعنى نفسه عبر التاريخ أو مفردة تأريخية ؟
المتابعة التاريخية للعصور الثلاثة التي مرت بها البشرية تظهر ان الشعب يحدد معناه الزمن . وهذا يعني الشعب في عصر القنانة ليس هو الشعب في عصر الإقطاع او العصر الحديث . ويعني أيضاَ وضع خط أحمر على انتماء قطاعات واسعة من الناس الى الشعب  ومن الغرابة ان المرأة الأوربية والمرأة الأمريكية لم تشارك في الانتخابات، أي وضع خط احمر على مشاركتها في الحكم حتى مطلع القرن العشرين . قد يسأل سائل . كيف يحصل هذا  وهي تعيش عصر التنوير ؟
لآ أجيب عن السؤال ولكن انقل ما قاله الكاتب السياسي البريطاني ( هارودل لاسكي ) صاحب كتاب ( الحريات في العصر الحديث ) والذي اعتبره يصلح ان يكون جواباً للسؤال اذ قال " ان الرأسمالية لا تسمح بالديمقراطية حتى بالمعنى البرجوازي . واذا ما تعرضت لأزمة اقتصادية حقيقية تعصف بأسس الربح وفرص الازدهار  فأنها سرعان ما تسحب الحقوق الديمقراطية وتلجأ الى استعمال العنف وتشهر الديكتاتورية بوجه الشعب ).
وخلاصة ما سبق ان الشعب لم يكن كما نفهمه الآن  ولم يكن أبناؤه متساوين بالحقوق والواجبات . بل جزء كبير منه ربما الأغلبية لا تتمتع بالحقوق التي تمتع بها الآخرون أي أنهم بلغة الساسة مهمشون  فالنظام الانتخابي الأصلح هو النظام الذي لا يسمح بتهميش جزء من الشعب ولو صغير .
- قانون الانتخابات والخط الأحمر .
يطرح في الساحة السياسية الآن ثلاثة من الأنظمة الانتخابية  لا أريد الحديث عنها مفصلاً  حيث كتب عنها الكثيرون في الصحف المحلية وأصبحت مفاهيمها واضحة للكثير . ما أريد الحديث عنه كيف نقيم صلاحية هذا النظام او ذاك . وأي الأنظمة المطروحة يعد الأفضل .
لا يمكن تحديد القيمة الحقيقية لأي عمل سياسي  أو صلاحية قانون ما الآّ اذا استند التقييم الى أسس معينة يمكن الرجوع إليها عند الحاجة . ونظراً للظروف التي يمر بها العراق المهددة لكيانه السياسي والممزقة لنسيجه الأجتماعي، فإنه يجب أن تكون هذه الأسس مرتبطة بتقديم الحلول للمشاكل الأساسية التي يتعرض لها البلد والتي هي مصدر للإرهاب والفساد الإداري والمالي  وضعف الخدمات . اعتقد ان هذه المشاكل اذا ما استطاع قانون الانتخابات حلها ولو بصورة جزئية فسينعم البلد بالاستقرار التدريجي ويعم الأمان الناس جميعاً  وهذه المشاكل من وجهة نظري هي :
- ضعف الإيمان بالهوية الوطنية عند الكثير ومنهم بعض المسؤولين اذ أن تمسكهم بالهويات الفرعية واضح للعيان.
-ضعف الإيمان بوحدة العراق.
- نظام المحاصصة بسبب الطائفية التي أنعشها بريمر.
- بعدما وضَعتُ أسس للتقييم أعود للأنظمة المطروحة لأقيمها معتمدا على هذه الأسس ومناقشة ما قالوه عنها .
نظام الأغلبية النسبية :
قالوا عنه يفرز برلماناً متماسكاً وحكومة قوية ويقود الى دولة مستقرة لأنه يقسم الأحزاب الفائزة الى قسمين : حزب حاكم وحزب معارض، وقالوا ستكون المعارضة فاعلة  وقالوا أيضا ان النظام يختزل كثرة الأحزاب الى عدد معقول منها بالتأكيد الأحزاب الكبيرة أما الأحزاب الصغيرة فتهمش ومن ثم تترك الساحة السياسية ومن المؤسف ان بعض أصحاب هذا النظام صرح بوضع خط احمر على النظام الذي يعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة .
لنلاحظ الآن هل يقدم نظام الأغلبية النسبية حلاً للمشكلات الأساسية في العراق والتي أشرت اليها سابقاً واعتبرتها أساساً في تقييم صلاحية النظام الانتخابي؟ هل يا ترى يعزز نظام الأغلبية الهوية الوطنية ويتخلى اصحابه عن انتماءاتهم الفرعية ؟ وهل يتخلى أصحابه عن المطالبة بفيدرالية تسع محافظات او خمس منها ؟ وهي المرحلة الأولى لتجزئة العراق . وأخيراً هل يتخلى أصحابه عن نظام المحاصصة  وليد الطائفية التي أوصلتهم للحكم .
بالتأكيد لن يحصل أي شيء من هذا القبيل وسيعزز الإرهاب ويزيد الفساد ملئاً لجيوب المفسدين وتنعدم الخدمات عند المواطنين .
نعود لمناقشة ما قالوه عن النظام
أ- المعارضة فاعلة :
لم يأخذ أصحاب هذا القول بنظر الاعتبار مسيرة الحكومات خلال السنوات الســت الأخيرة التي سيطر فيها وزراء دولة القانون . أما الوزراء الآخرون وحسب تصريحات رؤساء كتلهم فانهم مهمشون داخل وزاراتهم فلا تؤخذ آراؤهم ومقترحاتهم بنظر الاعتبار حتى لا تجد اذناً صاغية . فكيف تكون المعارضة فاعلة ويؤخذ بآرائها ومقترحاتها وهي خارج الوزارات ؟ !
ب- الحكومة قوية متماسكة :
نعم قد يحصل ذلك لأنها ستكون من لون واحد  ولكن فشل الحكومات السابقة ليس بسبب الانتماءات الحزبية المتعددة للوزراء . بل بسبب افتقار الوزارات الى الكفاءات والاختصاصات الموهوبة . بالتأكيد ستوزع الحقائب الوزارية على أصحابها القدامى وعندئذ ستكون الحكومة المشكلة لا يقتصر فشلها على فشل سابقاتها بل ستزيده اضعافاً .
ج- قالوا نظام الأغلبية النسبية يقود الى دولة مستقرة .
أصحاب هذا الرأي لم يقرأوا التاريخ جيداً ولم يتعرفوا على دور المهمشين عبر التاريخ في استقرار دولهم كما انهم لم يدرسوا الاحتجاجات التي اجتاحت العالم مطلع القرن الحادي والعشرين بل كانوا متفرجين عليها .
- حدثت ثورات كثيرة عبر التاريخ الإنساني قادها المهمشون (فسبارتيكوس) مثلاً من المعدودين بالرؤوس كما تعدّ الماشية. ووَضِع خط احمر على مشاركته في السلطة اذ لم يسمح له بالانتخاب لكنه قاد ثورة وانتصر على أسياده  وفشل بعد أن كرر خطأ أسياده عندما قال لهم نحن الشعب وانتم العبيد  نحن الأسياد وأنتم الصعاليك .
ولنأخذ مثالاً آخر فرنسا : المرأة الفرنسية وضع خط أحمر على مشاركتها في الانتخابات وبالتالي هي لا تشارك في الحكم لكنها قادت ثورة مع الجياع وانتصرت واستمر انتصارها حتى يومنا هذا لأنها قالت للرجل الحاكم : لي ما لك وعليّ ما عليك إن شئت الاستقرار .
من المعلوم ان دولاً اوربية كفرنسا، ايطاليا، المانيا، اسبانيا، الدنمارك، واليونان، بعضها يطبق نظام الاغلبية النسبية والبعض الآخر يطبق نظام الاغلبية المطلقة، ودولا اخرى كسويسرا، هولندا، بلجيكا والسويد، تنطبق نظام المشاركة لجميع مكونات الشعب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو اي نظام من هذه الانظمة الثلاث يؤدي الى الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة والمستمرة؟
ان التجربة اثبتت ان البلدان التي تطبق نظام المشاركة هي الاكثر قبولاً بين الانظمة المذكورة وان هذه البلدان هي الاكثر استقراراً مما يتعين دراسة هذه التجارب ومقارنتها بواقعنا واختيار النظام الانسب منها لهذا الواقع.
 نظام الأغلبية :
قالوا عنه له ميزات جيدة ويفرز برلماناً متماسكاً وحكومة قوية ويقود الى الاستقرار  وقالوا أيضاً تلعب فيه القدرات الشخصية دوراً أساسياً في اختيار المرشح . ليس لدي ما أقوله عن النظام ولكنني أسأل سؤالا واحداً هو :
لنفترض في دائرة انتخابية وفي إحدى المدن ولتكن مدينة الثورة أو مدينة بابل رشح لهذه الدائرة الأستاذ ( حميد مجيد موسى ) والسيد ( كامل الزيدي ) أيهما سيحصل على الفوز ؟ بالتأكيد الفائز هو كامل الزيدي صاحب السوط الذي ألهب ظهور الأدباء والشعراء والمثقفين في نادي اتحاد الأدباء أما الخاسر فهو ( أبو داود ) صـاحب لقب أفضل نائب في برلمان الدورة الأولى .
إن مقترح هذا النظام رغم اشارته الى الموروث المذهبي والإثني الاّ انه لم يؤكد أن هذا الموروث يُحَجِّم إرادة المواطن ويوجهه لاختيار المرشح المشارك له في الثقافة المذهبية أو الأثنية . اكتفي بهذا القدر من التعليق على نظام الأغلبية واترك تقييمه للقارئ الكريم.
-نظام الانتخابات (العراق دائرة انتخابية واحدة)
يبدو ان المطالبين بهذا النظام دافعهم حب الوطن ورفض تجزئته وإعلاء شأن الهوية الوطنية لتحل محل الهويات الفرعية  والتخلص من الطائفية . وقد يعترض بعض القراء ان مهمة التخلص من الانتماءات الفرعية لم يكن أمراً سهلاً . نعم هو كذلك ولكن ليس مستحيلاً وسبقتنا الشعوب في هذا المجال ان لم تخني الذاكرة في مدينة شيكاغو الأمريكية وحدها لغة في بداية نشوء أمريكا وهذا يعني  قومية وأديان متعددة . لكن أوائل الأمريكان عندما قرروا ان تكون لأمريكا هوية واحدة حصل ما أرادوه . وبعدما شعر الشعب الأمريكي المشاركة في الحكم وان أفراده متساوون أمام القانون وقد يحصل لنا اذا ما قررنا إعلاء شأن الهوية الوطنية وهذا لا يعني إذابة الموروث الماضي بل تحجيم دوره على قرار المواطن ليكون حراً في انتخاب المرشح المدافع عن مصالحه .