المنبرالحر

الدكتاتورية ،اﻹرهاب ، مذهب ذوي العاهات / د. علي الخالدي

يتصف الدكتاتوريون واﻹرهابيون بصفات مشتركة، تجعل من أحدهما مكملا للآخر، فالدكتاتورية تستند على اﻷرهاب ، لمواصلة حكمها ، واﻹرهاب يشكل بالمطلق قاعدة لسيادة الدكتاتورية ، وكلاهما ينطلقان من ذاتية التفكير الفردي الذي يفرض على العقل نهوض مجسات تمارس تطبيق فعاليات عملية تحقيقا لمآرب وأهداف يؤمنا بها على حد سواء ، تُفرَض طقوسهما على الناس بالقوة والتخويف وبالبطش، أو تُغسل أدمغة البعض، بأدوات خارجية لتكون جاهزة لتقبل القيام بمهام مدفوعة الثمن ، لا علاقة لها بالمصالح الوطنية، أو تصديق وعود وهمية أخروية ، إبتدعت ﻷغراء الشباب بصورة خاصة ، فيتحول الشاب الى أداة ( جهادية ) بيد الوالي ، أو الى حارس (فدائي ) يحمي الدكتاتور، اﻹثنان يؤديان مهام تحقق أجندات تقف بالضد من قيم التراحم والعدالة والمساواة، واﻷخوة اﻹنسانية ، فيكووا المجتمات البشرية بسعير نهجهم اﻷنفرادي ، مستقوون بمن غُسل دماغه للإجهازعلى من يحاول التصدي ، وإطفاء هذا السعير ، كل ممارسي هذه الفعاليات ، ينطلقون من بيئة إجتماعية يسودها الفقر واﻷمية والبطالة وتحتضن الطائفية و العنصرية ،التي يقف خلفها التشدد الديني والشوفينية ، المدعوم ماديا ولوجستيا من دول لها مطامع توسيعية إقتصادية وسياسية
عنوان هذا الموضوع قادني الى تذكر حادثة تدق في وادي نسياني الذي بدأت قاعدته باﻹتساع مُشكلة محنة إستعصت عَليَ ، فهم ظواهر وإطروحات فكرية وطائفية غير متماهية وطموحات الشعب ، وتتعارض مع القيم الدينية ، تخرج حاليا من جماجم مغطاة بالعمائم ، ومن ذهنية تتفتق بالنفاق والمزايدات ، مفادها كل شيء أو لا شيء ، قد تكون متماهية مع إجابتي عند تأدية إمتحان أمراض الجهاز العصبي ، واﻷمراض النفسية ، فقد سحبت من ضمن اﻷسئلة سؤال عن مرض البارانؤيا ، الذي يعتبر من اﻷمراض النفسية التي تصيب اﻷنسان السوي، من أعراضه الحساسية المفرطة ، والشعور بشكل دائم ، بأذى مادي ومعنوي يمس معتقدات وأفكار المصاب ، مع تشكل نداءات فكرية ونوازع داخلية ، توهمه بتملكه قوة وإقتدار خارقة ، لتطويع ما يحيط به ،و تحقيق أحلامه الغير متجانسة مع الواقع الذي يعيش فيه ، فيبدأ بسلسلة من المخاصمات التي لا تنتهي في سبيل الوصول لغايته بوسائل يعتبرها طبيعية ومشروعة ، بينما بعرف المجتمع واﻹنسانية مستنكرة.

إسترسلت في إجابتي مسهبا بأن مرض البرانؤيا قد يصل الى حالة شديدة لدرجة تصل الى إضطرابات شخصية كاذبة، وهذيان شديد ، بأمور وهمية ، كتصوره أنه مراقب طيلة الوقت وأن هناك من يرصد تصرفاته اينما حل وأقام ، يلاحقه في سفره وترحاله ، فيطرح آراء ، ويقوم بفعاليات تعبر عن قناعاته المطلقة التي لا تقبل أي جدل ، رغم عدم وجود مشارك له فيها ، يُكرر اﻷفراط في تقدير قدراته وإمكانياته الذاتية، لا يتقبل النقد ، ولا يتراجع عن ما مقام به ، يبقى في حالة من الحذر الدائم ، معتبرا أية حركة أوإشارة من الناس الذين يعرفهم موجه ضده ، وإن هناك تجسسا وإجراءات تدور في الخفاء للإيقاع به.
الخطورة في هذا المرض تكمن في ان المريض يبدو طبيعيا للآخرين أثناء الحديث ، وفي تصرفاته وسلوكه اليومي الى درجة أنه يساعد الآخرين ويقدم لهم النصائح المعقولة ، وأمام الناس ورع محب للخير مما يجعل المقابل غير مصدق مرضه
في خلال سردي لما أعرفه عن هذا المرض سألني أحد أعضاء لجنة اﻹمتحان الثلاثة عن ذكر أمثلة واقعية فذكرت هتلر وموسوليني وسلازار ، وبينوشت كدكتاتوريين إتصفوا بجنون العظمة (الظاهرة النوعية للمرض ) ، وبقدرة معتقداتهم الفائقة ، التي لا تضاهيها معتقدات ، في تطبيق القيم اﻹنسانية ، والتعاليم الوطنية والدينية بالشكل الذي تصوره نوازعهم ، كنظام ﻹدارة شؤون مجتمعاتهم، بصفتهم الورثة الشرعيين لمواصلة ممارسة تلك القيم ، فيتولد التمركز حول الذات ، والشك بالآخرين ، وإدراك بأن أقصر طريق لتحقيق المنافسة والتفوق هو وضع أيديهم على الثروة والسلطة والسلاخ ، لأنها حسب ما يتصورون هي القادرة على تَمكينهم من إختراق سلطة المجتمع ، والتربح منه ، فيغضوا الطرف عن فساد أعوانهم ، ليستشري في أجهزة نظامهم. ،
تدخل برفسور آخر مقاطعا بسؤال وماذا عن عبد الناصر ؟ ، فأجبت ، نعم إنه مريض بتحقيق حلم الشعوب العربية بالوحدة والحرية والعدالة اﻷجتماعية وله مقولة قد تكون في ظروف معينة صحيحة تقول ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ، ومع التزامه بهذا الشعار ، إلا أنه ليس برانؤياً، بدليل أنه عندما فشل في تحقيق شعاراته القومية والوطنية في حرب 1967 قدم إستقالته معتذراً للشعب ، و معلنا تحمل تبعات فشله بالنهوض بالمسؤولية ، وهذا ما لم يفعله أي دكتاتور في التاريخ القديم والحديث ، فما كان من الشعب المصري إلا وخرج عن بكرة أبيه يطالبه بسحب اﻷستقالة ، وإتمام المشوار ، اعتقدت بهذا قد خدشت مشاعر أحد أعضاء اللجنة اﻹمتحانية ، لذا مُنحت درجة نجاح بسيط بالرغم من أن إجابتي كانت تستحق أكثر مما منح لي ، كما ذكر من كان يستمع ﻷجاباتي من زملائي الطلبة.
أكتب هذا ولدي شك بأن البعض من الحكام في دول شرق أوسطية سيأخذون على أنفسهم أنهم المقصودون ، نعم فالدكتاتور المقبور (صدام حسين ) كنموذج كان برانؤياً ( جنون العظمة ) منذ طفولته ولازمه حتى إعدامه ، في زمن لم يكن اﻹسلام السياسي ، ووباء الطائفية معروفا بين صفوف نسيج المجتمع العراقي، و لم يكن اﻷرهاب معروفا بالدرجة الحالية.

في بلدي تولد اﻹرهاب من رحم التدين الجديد ، البعض منه استورد والبعض صُدر الينا من دول قريبة ، وبعيدة فتلقفته أوساط تعايشت مع مرض البرانؤيا ، أطلقت على أنفسها مجاهدين لنصرة الطائفة والمذهب ، تطبيقا ﻷعتقادهم اﻷنفرادي ( البرانؤي ) بإنهم يحملون رسالة إسلامية تراثية ، تملي عليهم شرعية وراثتها مواصلة الجهاد من أجل إعادة التقاليد الخلافية في اﻹسلام ، ونشرها في العالم ، وإن تحقيق هذه الرسالة الدنيوية يتم بالقضاء على اﻷديان السماوية أﻷخرى ، و تكفير كل من لا يشاطرهم هذا الرأي ، وتصفيته بحد السيف مع البسملة والتكبير ، ليكسبوا بذلك مرحمة أخروية ، أما اﻷسلام السياسي ( بدون أن يشعر ) ، يقترب من نواياهم بشنه حملات إيمانية مذهبية بإسلوب ممنهج و دكتاتوري على عموم الشعب بأدوات ميليشياوية ، وهو لن يتراجع عن مواقفة رغم إستنكار مراجعه الدينية ، وقوى شعبه الوطنية ، لعواقب هذا النهج ، الذي يصب في إنعاش اﻹرهاب ، ( تأخذ قادته العزة باﻷثم ) ، من هنا يمكن القول أنهما ( اﻹرهاب والدكتاتورية ) يشكلان وجهين لسيف واحد لقطع أعناق المعارض بدم بارد ، فيجهزوا بذلك على السلم الإجتماعي السائد في المجتمعات ، وهذا ما يقدم عليه ذوو العاهات.