المنبرالحر

الاخطاء اللغوية ولغة الكتابة / زاهر نصرت

مرات عديدة اسمع وأقرأ وارى كلاماً حاداً لاشك فيه يدور حول سلامة اللغة العربية عند المبدع وأطرف ما اطلع عليه هو خزانة الاخطاء اللغوية التي يسقط فيها كتاب كبار بجدارة في الصحف والمجلات والاذاعة والتلفاز حيث تكثر الاخطاء وقد بلغت من الكثرة والغزارة حداً بشعاً بحيث لم تعد تشد النظر وكأنها هي الاصل اما الصواب فهو الاستثناء ، والخطأ في اللغة ليس مجرد خطأ في بنية الكلمة وضبطها الاعرابي فهو سواء أكان داخل وسائل الاعلام او خارجها يفسد الفكر الوطني ويعطل من قراءة الناس الذهنية .
ان لغتنا العربية توصف بانها لغة غنية جداً وربما كانت اغنى اللغات الحية على الاطلاق ، فلا يوجد فن حديث او علم حديث الا ويمكن ان تستوعبه اللغة العربية وتعبر عنه بدقة شديدة ، واذا كان هذا لا يحدث احياناً كاستمرار التدريس في بعض الكليات العلمية باللغات الأجنبية ، فأن العيب في ذلك فينا وفي تقصيرنا وليس في اللغة . فما بالنا بالكاتب الجديد القادم بسرعة البرق لينشر اخطاءه الكتابية على غسيل الصحف اليومية ، فهل حقاً ان سلامة اللغة العربية دليل حي على صحة الموهبة ، وهل من يمتلك انضباطاً لغوياً عالياً وحراسة نحوية جيدة سيكون هو المبدع الاول في زمانه بين اقرانه من المعايشة والتجربة والخبرة .
ان الثراء الشديد الذي تتميز فيه لغتنا العربية ، فكما هو ميزة فقد كان يشكل احياناً مشكلة . ذلك ان فن التعبير بالقول والكتابة هو كلمة ومعنى ولغة ومحتوى . وفي عصور الانحطاط مثلاً حين كان يجف الفكر ويتجمد ، كنا نجد الكُتاب يقفون عند حدود الكلمات وبحر اللغة الواسع فيتنافسون في استخدام غرائب الكلمات والمهجور منها اثباتاً للعلم والفصاحة . لكن غالباً ما تأتي الموهبة من اضعف الخلق واقلهم تسمماً بالمنهجية وتكون تلك الموهبة قادرة على خلق صور شعرية عالية دون ان يستطيع صاحبها التدرب عليها او ضبط مساربها ومخارج الفاظها فمثلاً الطاقة الشعرية تطرح نفسها غالباً بلا قواعد وبلا صروح بل بتلقائية عالية وذلك لان الكاتب الحر يستطيع ان يطرح نفسه بحرية اكبر كلما كانت كمية المراقبة والمعاقبة اقل .
لعل فردريك نيتشه كان محقاً عندما قال " ان المزيد من النحو قمع " وهذا دليل على ان الضابط اللغوي هو غيره الواعز الابداعي الا ان هذا لا يقلل من اهمية الدراية باللغة ومعرفة اسرارها لدى المبدع ، الا ان التسلط اللغوي يعيق الموهبة واحياناً يقتلها حاله حال الوعي النقدي الصارم الذي يعيق الشعرية ويحطمها ويسيء اليها . عموماً ان الاخطاء اللغوية تصحح الا ان انعدام الموهبة خطأ لا يمكن اصلاحه وغالباً ما يخرج مدرس اللغة العربية شعراء كباراً دون ان يصبح هو واحداً منهم .