المنبرالحر

عمال العراق يطالبون بإلغاء قانون يفقدهم طبقتهم!/ عاصي دالي

نشأت الطبقة العاملة العراقية في مطلع القرن العشرين، وفي ظرف احتدام المعارك الطبقية على النطاق العالمي. وكان أمامها تاريخ حافل بالنضال الطبقي ضد الاستغلال الرأسمالي امتد ما يقارب القرنين، تطور خلالها وعي الطبقة العاملة وأساليب كفاحها ووسائل تنظيمها، فظهر التنظيم النقابي وتطور، وبدأت أول مطالبه بتحديد يوم العمل بثماني ساعات عام 1834 في انكلترا . وعلى أساس نضالها المجيد ظهرت الاحزاب السياسية للطبقة العاملة، وأخذت هذه الأحزاب في مختلف بلدان العالم تعلن عن التضامن والوحدة التامة لمصالح وأهداف العمال في العالم وتجتمع في مؤتمرات مشتركة، وتتقدم بمطالب مشتركة وأسست عيدا لعموم العمال .
ونشأت الطبقة العاملة العراقية في ظرف استطاعت الطبقة العاملة العالمية، أن تملي شروطها في تحسين ظروف العمل بقوانين دوليه تلزم جميع الدول المنضمة إلى عصبة الأمم وجاءت هذه القوانين في ميثاق العمل الدولي الذي صاغه مكتب العمل الدولي بعد تأسيسه في عام 1919.
وكان نشوء الطبقة العاملة العراقية في بداية الأمر في ورش الحرفيين إذ لم يكن في العراق قبل الحرب العالمية الأولى (1914- 1918 ) مشاريع صناعية كبيرة في بدء ارتباطه بالسوق الرأسمالي العالمي ، ولكنها في المشاريع الاستعمارية الكبيرة، مثل السكك الحديدية التي توسعت بسرعة خلال سنوات الحرب. ، وكان هذا المشروع يستخدم خمسة وعشرين ألف عامل وموظف لم يكن عدد العراقيين فيه أكثر من الربع. وبعد ثورة العشرين وتأسيس الحكم الوطني، وتخفيض جيوش الاحتلال بدأ إحلال العمال العراقيين في مشروع السكك محل العسكريين الأجانب من انكليز وهنود وغيرهم بالتدريج ، وكذلك الامر في مشروع الميناء وملحقاته وفيما لم يبدأ استغلال أهم مشروع اقتصادي ، وهو مشروع استثمار النفط إلا في عام 1927 حيث بدأ التنقيب في أنحاء متعددة من العراق وحفرت الآبار ومدت خطوط الأنابيب وضخ النفط.
في أواخر العشرينيات بدأ تأسيس بعض المعامل الوطنية الصغيرة والمتوسطة، وتأسيس بعض شركات النقل إذ كان نمو البرجوازية الوطنية بطيئا بسبب ضعف تراكم رأس المال الوطني، والمنافسة الشديدة للبضائع الأجنبية، وعدم وجود حماية للمنتج الوطني، وفي الوقت الذي كانت تغتني منه الاحتكارات وأجهزة الدولة البيروقراطية، كان وضع العمال يزداد سوءاً. والى جانب القصور الفخمة التي كان يبنيها الأغنياء وأصحاب الشركات الاحتكارية يتكدس العمال في الغرف الرطبة والمزدحمة وتفتك بهم الأمراض الناتجة عن سوء التغذية. ومع تزايد عدد النازحين من الريف هربا من جحيم الإقطاع أخذ يزداد عدد العاطلين، والذي يسهل للرأسماليين استغلال العمال وحرمانهم من ابسط الحقوق، وتنخفض الأجور وتطول ساعات العمل لتبدأ من شروق الشمس الى غروبها. ودفع هذا الاستغلال البشع الطبقة العاملة العراقية الى النضال العفوي ضد مستغليها وارتباط هذا النضال منذ البداية بالنضال الوطني ضد المستعمرين الذين كانوا المستغلين المباشرين للطبقة العاملة، وفي ذات الوقت كانت أقدامهم تدنس تربة الوطن وينهبون خيراته من دون رحمه ولا حدود.
كان للطبقة العاملة دور مهم في جميع التظاهرات التي قادها أبناء شعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي، وكان من ابرز قادة إضراب عمال الميناء عام 1924 الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفيقه حسن العياش ، وكذلك كان إضراب عمال السكك عام 1927 بقيادة المناضل محمد صالح القزاز، وهو أول إضراب يتسم بحسن التنظيم وتطور مطالبه، فلأول مرة طالب العمال بتشريع قانون للعمل، وإطلاق حرية التنظيم النقابي وكان لنجاح هذه التجربة الفريدة والرائدة تأثير كبير على تطور الطبقة العاملة العراقية، فبعد سنتين من نضالها الدؤوب والمستمر أسفر عن تأسيس أول نقابة عمالية عام 1929 ،وهي (نقابة عمال السكك) وأصبحت مركز جذب لجميع العمال أعقبها تشكيل (جمعية أصحاب الصنائع) في العام نفسه وفتحت مقرا لها في بغداد وكان مركزا لبث الوعي النقابي والوطني بين العمال.
ساعد تنظيمها على ولادة حزبها السياسي (الحزب الشيوعي العراقي) في آذار 1934 ،وإصدار أول جريده له عام 1935 (كفاح الشعب) والتي تبنت منذ بدايتها الدفاع عن المصالح الوطنية ومصالح الطبقة العمالية ،وكانت تحمل على صفحتها الأولى شعار (يا عمال العالم اتحدوا….. يا عمال العراق اتحدوا) وقد أحست الطبقة العاملة العراقية باهمية القيادة السياسية الجديدة التي لا تعتمد على إجازة السلطة، وتعمل بدون مساومـة أو مهادنة أو موسمية وهي مسلحة بالنظرية العلمية. وخلال سيرة نضالها تمكنت من الضغط على الحكومة مما اضطر رئيس الحكومة آنذاك ياسين الهاشمي إلى إصدار قانون العمل رقم 72 لسنة 1936، والذي جاء ثمرة لنضال الحركة العمالية، ونضال الحركة الوطنية العراقية ،ورغم السلبيات التي رافقته لكنه احتوى على الكثير من الجوانب الايجابية والحقوق العادلة فقد ساوى بين المرأة والرجل في جميع بنوده.
وكان للطبقة العاملة العراقية دو مهم في نضال الشعب العراقي الذي مهد لقيام ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958
لكن الثورة تعرضت كما تعرض الشعب العراقي، وقواه الوطنية بعد الانقلاب الدموي عام 1963 إلى الإبادة الدموية، وتعرض الكثير من قادتها النقابيين إلى السجن، والتصفية الجسدية من خلال أحكام الإعدام الجائرة أو الموت تحت التعذيب. ولم تكتف القوى الرجعية بذلك، وبقيت تناصبها العداء حتى أصدرت قرارها سيئ الصيت ذا الرقم 150 في عام 1987 والذي نص على اعتبار جميع العمال في دوائر الدولة موظفين. وكان وراء إصداره أهداف سياسية يراد منها تحجيم دور النقابات العمالية، وعزل العمال عن التنظيم النقابي رغم إن قيادات هذه النقابات كان يتم تعيينها من قبل الحزب الحاكم .
ويتضامن الحزب الشيوعي العراقي مع العمال العراقيين من أجل :
إلغاء القرار المرقم 150 لسنة 1987، وقانون التنظيم النقابي للعمل رقم 52 لسنة 1987 والتطبيق الفعلي لقانون العمل الجديد رقم 37 لسنة ٢٠١٥، واصدار تشريعات خاصة بالتنظيم النقابي والمهني لحماية حقوق العمال ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، وللحيلولة دون تعرضهم الى الفصل الكيفي، ورفع مستوى معيشتهم، وضمان حياة لائقة للمتقاعدين منهم وكبار السن .