المنبرالحر

الطائفية تُشيع جنازة الحياة / ئاشتي

ينفض المستحيل أوراق اشجاره على ظلال روحي، وكأن الخريف الذي كنت أنتظره في آخر ايام العمر، جاء محمولا على جناح رياح الطائفية التي تمسح وجه الوطن بكل ما تحمل من مساحيقها المسمومة، لكي تتشوه تلك الصورة التي رسمناها في عيوننا وعلى همسات حبنا، لوطن ما غادر ذاكرتنا في أشد لحظات الابتعاد قساوة، أو هكذا يبدو التحول في تاريخ هذا الوطن الذي هو في حقيقته تاريخ حياتنا جميعا، حيث بدأ التحول من دكتاتورية زرعت الموت بصمت بين البيوت عبر حروب خارجية وداخلية، إلى نزاع طائفي يرسم أشكال الطوائف على الجدران بأشكال جماجم ونثار أجساد تمزقت بفعل سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة أو كاتم صوت. والمضحك المبكي أن الجميع يدين هذا الطوطم الذي اسمه الطائفية، وفي حقيقة الأمر الكل يتهم البعض بإشعالها، والبعض يتهم الكل بإذكاء نارها، ولا شيء غير احتراق وطن يرافقه أنين أبنائه كل صباح وكل مساء، ما دامت الطائفية تُشيع جنازة الحياة. فعندما تموت الحياة في وطن، فأن الوطن يهرب من النافذة كي يسلم على جلده.
ينفض المستحيل أوراق أشجاره على روحي، وأنا في لوعة من الحزن على مدينة يبكي نهرها بدموع من نار عليها. أنها بغداد المدينة التي تشكل حروفها اسماء أبناء العراق من شماله إلى جنوبه، وتدخل في معاجم حياتهم كي تفسر معنى الحياة الجميلة، لأنها قلب هذا العراق النابض بكل تاريخه، فلا تاريخ لهذا الوطن دون بغداد، ولا مستقبل له دون حاضرها ومستقبلها. ولكن شفرة الطائفية تسللت الى عنق بغداد لتمزق شرايينه، حتى أضحت بغداد تعد كل صباح عدد القتلى من أبنائها وكأن حياتها اليوم هي موتها غدا، ولا نسمع من حكامنا غير الوعود بتجفيف منابع الارهارب. حيث يتناسب طرديا عدد أنفجار السيارات المفخخه مع عدد التصريحات، مثلما يتناسب طرديا عدد الضحايا مع عدد الاتهامات التي يوجهها بعضهم لبعض، حتى صارت نشرات الاخبار الصباحية تترك حيزا لخبرها الأول عن عدد السيارات التي تم تفجيرها في ذلك الصباح. ومثلها تفعل الصحافة الورقية والمواقع ألاليكترونية وليس هناك منْ يستطيع أن يتنبأ بما سوف يكون مستقبل وطن ينزف أبناؤه بين سيارات مفخخة واحزمة ناسفة وعبوات لاصقة وكاتم صوت.
ينفض المستحيل أوراقه وكأن مساء سركون بولص المخبأ في قارة مسروقة يعود ممزقا بطعنات غير متوقعة حيث يقول :
( حتى اليوم كان العالم واضحا
« من هنا ارتياباتي الطويلة» مصقولاً
كهذا المساء،
بانتظار الثقوب، طعنات
غير متوقعة ، بكاء يتردد في أروقة،
«ربما هذا هو التاريخ»
ليدمى أخيرا، في كمينه الخاص، من الجنب،)