المنبرالحر

وداعا فخامة مام جلال طالباني / زيرك كمال

في أوائل عام 1993كتب السيد مام جلال طالباني مقالا بعنوان (إتحاد اليساريين) ونشره في جريدة (كوردستان نوێ). صرح في مقاله قائلا: "ان اليساريين لو يريدون ان يكون لهم دورا أكثر نشاطا وتفعيلا فعليهم ان يدخلوا جميعا الى حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني)" وبعد ذلك فتحت جريدة (كوردستانى نوى) ملفا حول هذا الموضوع، ودعت كُتاب الكورد وجميع المختصين في هذا المجال الى المشاركة في الملف وان يعبروا عن آرائهم بحرية كاملة. وقد كتبت مقالة على هذا المحور، وأرسلت لـجريدة(كورستان نوى) والتي كانت مقرها حين ذاك مقابل بلدية اريبل.
لااريد ان اخفي عليكم، لم أفكر في نشرها، لسببين، أولا: انتقدت ما كتبه مام جلال صراحة. ثانيا: استخدمت بعض الجمل لم تكن لائقة في هذا الزمن والسياق. مع انني انتقدته علنا، لكنني كنت أحلم في جميع مراحل شبابي ان التقط صورة معه. آن ذاك كنت تفاحا غير ناضج، و كرزا حامضا. وهو(مام جلال) رمز سياسي وسياح كادح من جبل الى جبل، و من بلد الى بلد.

بعد يومين من ارسال مقالتي، رايت كاك فرياد هيرانى في السوق، قال لي: " مبروك عليك نُشرت مقالتك في صحيفة كورستان نوى" ذهبت مباشرة الى مكتبة لبيع الصحف، واشتريت جريدة (كورستان نوى). فعلا رأیتُ مقالتي في صفحة اربعة بلا تقطيع اي كلمة ولا تصريف اي جملة. فرحت كثيرا، أصابتني رجفة سرت من رأسي حتى أخمص قدمي. وكأنني رجل عطشان عثرت على قربة ماء في قلعة دمدم المحاصرة، طار قلبي ورقص في السماء. الستُ محقا؟ انني في عمر 26سنة أنتقد رجلا سياسيا ورمزا عظيما فوق عمر 60سنة. انا الذي في بداية الكتابة بتجربة بسيطة جدا في وسط روضة الصحافة وعالم هيبة النقد، فقد انتقدت شخصا عاش في السجن والغربة والهجرة بقدرعمري.
ان لم أكن مخطئا في عام 1999، في وقت لم ينقطع شم حرب إقتتال الإخوة في شوارع كوردستان ولم تنقطع اصوات قتالهم في أذننا صداها. ذهبتُ مع وفد من الأدباء والمثقفين من اربيل الى السليمانية للمشاركة في مهرجان ادبي. في يوم التالي قام مام جلال بمأدبة عشاء لنا، سأل عن أسمائنا واحدا تلو الآخر، حين قلت انا (زيرك كمال) امسك بيدي، وأجلسني بالقرب منه، وقال لي انني سمعت انك ابن آغا و وشيوعي معا، هل هذا صحيح؟ قلت نعم. وقال وان كنتُ لم أكن مع بعض ماكتبته على مقالتي، لأنك كتبت بمعاير السوفييت، ولكنه رغم ذلك مقالة جميلة وقرأتها بدقة.
كلام (مام) وهبني القوة والقدرة في عالم تفكيري وكتابتي. وقد تفهمت أن (مام جلال) الذي صوَرته لي سياسة عدم تقبل الآخرين مختلف تاما مع مام جلال الذي كتب مقدمة لرواية (نباح) محمد موكرى، وهو الآن يقول لشباب مثلي: " تسلم يداك، أحسنت في مقالك". وداعا يا فخامة مام جلال، انت الآن يفارقنا في هذا الموسم مثل فراشة الخريف، أقول لك صراحة: أحبك كثيرا، لن انساك ابدا.