المنبرالحر

النظام التوافقي في العملية الأنتخابية (2) / د. صلاح الدين علي

في البداية يُفرحني أيها القارىء الكريم أهتمامكَ بهذا الموضوع وقرائتكَ للمقال الثاني لهُ (من أصل ثلاث مقالات) وأتمنى أن أوفق ليكون هذا المقال محفزاً جديدا لمتابعتكَ للمقال الأخير لهذه الدراسة.
المطلعون على المقال الأول مُنشَدون لمعرفة الطريقة التي يَعمَل بها النظام التوافقي في العملية الأنتخابية أو الأختيارية. وقبل أن نأتي لذلك نأخذ هذهِ الأمثله البسيطة:
أربعة أصدقاء يودون القيام برحلة جماعية خارج البلد، ولكلِ شخص منهم مقترح ما متمسك به. أو هناك عمارة مكونة من أربعة طوابق وفي كل طابق شقة ومالك لها، يراد أطلاء هذهِ العمارة من الخارج وبلون واحد، وهنا المشكلة حيث لكل مالك لونهُ المفضل ولا يتقبل الألوان الأخرى المختارة مِن الأخرين. على الصعيد الأجتماعي هناك المئات من هذه الأمثلة يوميا يُراد حلاُ لها يرضي الجميع. أما اذا أنتقلنا الى ساحة المجال الأنتاجي فنلاحظ هناك أمثلة أخرى لا تقل تعقيداُ من الأمثلة السابقة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ثلاث أشخاص مَسؤولون عن تصميم لُعبَ للأطفال، أمامهم تصميم للعبة ولكن الأختلاف في أعمار الأطفال الذين سَتُقترح اللعبة لهم. أو الأختلاف بين مسؤولي الدعاية في شركةٍ لصناعة السيارات في أختيار لونٍ ما لسيارة مصممة جديدا ويراد عرضها لأول مرة. في مجال العمل في منظمات المجتمع المدني أو الكيانات السياسية فهناك أمثلة كثيرة على هذا النطاق، الأختلاف فيها قد يَصل في الكثير من الأحيان الى الخلاف والفرقة وفي نهاية المطاف الى شق الصفوف.
والأن لنأتي لحلول النظام التوافقي لهذه الأختلافات وعلى جميع الأصعدة. في البداية يستطيع النظام التوافقي حالهُ حال مبدأ "الأكثرية والأقلية" حسم الخلافات عن طريق التصويت ولكن بطريقة تختلف عن المعمول بها لحد الأن. يأخذ في عملية التصويت بطريقة النظام التوافقي عدد الأصوات المعارضة لهذا المقترح أو ذلك. وهناك مقياس للمعارضة هذهِ يبدأ من الصفر وينتهي بعشرةِ نقاط. الصفر يَدُل على عدم وجود أي معارضة والعشرة تشير الى عدم قبول هذا المقترح، وما بين هذيين الرقمين مقياس لقوةِ المعارضة للمقترح. كلما زاد الرقم، قَويت معهُ المعارضة. وللمصوت أن يختار رقم يمثل قوة معارضتهِ للقرار. الأختلاف الجذري ما بين الطريقتين في الأختيار هي مجموع النقاط المعارضة في النظام التوافقي، ومجموع الأصوات المؤيده للمقترح في مبدأ "الأكثرية والأقلية". وفي الحالتين يأخذ بمجموع النقاط أو الأصوات المستخدمة في عملية الأختيار أو الأنتخاب. والجديد في النظام التوافقي هو مجموع النقاط المعارضة وكلما قَلت كان هناك توافق كبيربين أصحاب المقترح، أما مع مبدأ "الأكثرية والأقلية" فلا يوجد فيه أي أعتبار لقوة المعارضة للقرار وهذا يؤدي في أغلب الأحيان الى التناحر والأفتراق. ومن أجل ملاحظة فوائد هذا النظام يتوجب العمل على تطبيقه مرتين أو أكثر لأستيعابه من جهة والوقوف على نتائجه الأيجابية مقارنة بمدأ "الأكثرية والأقلية" من جهة أخرى. وقبل أن نطبق النظام التوافقي هنا بودي أن أجيب على أهم وأكثر الأسئلة التي تطرح في هذا المجال:
أولا: لماذا نعمل بالنقاط المعارضة والتي تعطي انطباعا سلبيا على العملية الأنتخابية، وليس بالنقاط التي مع الأقتراح، وبها نعطي أنطباعا أيجابيا حول المقترح؟
الأصوات التي مع المقترح مبنية على أساس أناني وتعلمنا على حب السيطرة، الحصول على الصوت وبكل الطرق، عدم الأهتمام بأصوات المعارضة والمتحفظة على القرار وأخيرا وليس أخرا فأن نتائجه غير مرضية للجميع.
ثانيا: هل يمكن لنا أن نضع النظام التوافقي بمستوى واحد مع طريقة الأختيار أو الأنتخاب بأقل الأصوات المعارضة؟
طبعا لا. عندما تواجه مؤسسة أومنظمة مشكلة ما في عملها، يحاول الجميع طرح المقترحات والحلول وتطويرها ومن دون تمييز من أجل الوصول الى الحلول التي تخدمهم جميعا، وليس من أجل التساوم التي تعمل بها الطريقة الأقل معارضة. النظام التوافقي هو نظام يبحث عن المقترح الذي يوافق الجميع ويتم الأتفاق عليه بأقل أصوات معارضة.
ثالثا: هل يحتاج النظام التوافقي وقتا أكثر من أجل الوصول الى النتائج المرجوه؟
الجواب واضح وصريح لهذا السؤال هو لا، ناهيك في عدم وجود خاسر، تناحر أو أفتراق في هذا النظام.
بعد هذه المقدمة لندخل الى أعماق النظام التوافقي بهذا المثال:
مؤسسة صغيرة أو لجنة لمنظمة مجتمع مدني تتكون من عشرة أفراد تَود عقد اجتماع لها كل أسبوعين مرة واحدة لمناقشة مُنجزاتها ومهامها اللاحقة. تُطرح الفكرة وتُناقش ويَتم الأتفاق على أن يكون اليوم المختار هو أحد أيام العمل الأعتيادية (الأثنين الى يوم الجمعة). بدأ المجتمعون بالبحث عن هذا اليوم وطال الوقت من دون أن تتبلور فكرة واضحة يتفق الجميع عليها. أخيراً طرحت المسألة للتصويت وبمبدأ "الأكثرية والأقلية" والنتائج هي:
ثلاثة أصوات ليوم الأربعاء، صوتين لكل من أيام الأثنين، الثلاثاء، الخميس، وصوت واحد ليوم الجمعة. والفائز هنا هم المصوتون ليوم الأربعاء (30% من مجموع الأصوات) وهي النسبة الأعلى، والخاسر هم الأخرون (70% من مجموع الأصوات). هذه الأرقام تعطي دليل واضح بأن الأغلبية لم تكن فاعلة في أتخاذ هذا القرار، ناهيك عما سيحدث بعد أقراره والعمل به. لذالك يحتاج مجتمعنا تطوير مبدأ "الأكثرية والأقلية" في عملية أتخاذ القرار لترضي الجميع وتتماشى مع العصر الذي نعيش فيه الأن، طريقة الأقل أصوات معارضة وكما يطرحها النظام التوافقي. هذا النظام الذي سيجعل المصوت التفكير في الأحتمالات الأخرى وأيهما يمكن له أن يعمل بها أن لم يُأخذ بما صوت به. وهذا هو أساس العمل بالنظام التوافقي. وأذا عُدنا لمثالنا أعلاه فأن الذي أختار يوم الأثنين ما عليه الا أن يضع الصفر لهُ وللأيام الأخرى أرقام من الصفر الى العشرة تدلُ على قوة معارضته لها وهكذا مع المصوتين الأخرين. اليوم الذي يحصل على أقل نقاط معارضة هو اليوم الذي توافق الجميع عليه من دون فائز أو خاسر. ومن خلال الجدول نلاحظ ان يوم الأربعاء هواليوم المثالي والأقل أصوات معارضة ويمكن للجميع العمل به.

المجموع

العاشر

التاسع

الثامن

السابع

السادس

الخامس

الرابع

الثالث

الثاني

الأول

 

48

10

5

1

8

10

9

0

3

2

0

الأثنين

46

10

6

3

0

8

7

8

2

0

2

الثلاثاء

22

10

0

2

4

0

2

2

0

1

1

الأربعاء

55

10

7

0

5

4

6

4

7

5

7

الخميس

73

10

9

8

9

7

0

6

8

10

6

الجمعة

أما أذا أخذنا نسبة المعارضة ليوم الأربعاء في هذا النظام ( 9%) مقارنة بنسبته في مبدأ "الأكثرية والأقلية الديمقراطي!"( 70%). هذا يؤكد بأن هذا الأسلوب في الأختيار أو الأنتخاب هو الأسلوب الأكثر ديمقراطيةً والأقل معارضةً والذي يتوافق عليه الجميع، من الأسلوب المعمول به لحد الأن.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه حول هذا النظام، الأشخاص اللذين يمتلكون السلطة والمسيطرون عليها والذين من الصعب أن يتنازلُ عنها، يحاولون بكل الجهد أفشال التوافق. هولاء لا يهمهم من يقدم المقترحات التي لا تمثل مصالحهم ومن الذي معها، فهم يضعون في كل الأحوال عشرة نقاط (كنقاط معارضة) للمقترح الذي لا يمثل مصالحهم! والجواب على ذلك هو أن هولاء يظنون في ذلك تخريب مفعول التوافق ولكنهم بفعلهم هذا لا يضرون ألا أنفسهم ويتركون الأختيار للأخرين، والتجربه في الجدول أعلاه تظهر هذه الحقيقة. التوافق هو أختيار حر ومِن دون كفاح مِن هذا أو ذاك.