المنبرالحر

الحل.. أفكار للنقاش / عبدالمنعم الاعسم

دائما، وفي كل مناسبة تخوّض فيها البلاد في بركة دم كارثية، أو تقف على حافة المواجهة والانفجار، يطرح السؤال "ما الحل؟" على طاولة الحوارات وعلى الشاشات والمنتديات، وعلى عيون المواطن. ودائما، نجد هذا الحل بسيطا ومتاحا في الجملة العمومية التي يقذفنا بها اصحاب الازمة: "الحل بان نجلس جميعا ونتفق!!" فمن (وما) الذي يمنعهم من اللقاء والجلوس، وثم الاتفاق؟ وهنا، فكل "آخر" يلقي بالمسؤولية عن استحالة اللقاء والحل على "الآخر" الثاني، فيتدثر سيناريو الحل بالجلوس المستحيل، ليصبح نفسه مستحيلا.
وفي التفاصيل نسمع منهم ان الحل يلزم نقطة واحدة، لاغير، ان يتخلى "الآخرون الخصوم" عن عنادهم، ويتراجعوا عن منهجهم وانانيتهم و"ارتباطاتهم الخارجية" فيسقط هذا الحل من عالٍ في نفس البالوعة السابقة: "انا على حق، والاخر المذنب" فيما يتبارى فرسان الطرفين في لعبة موازية تتضمن تحشيد الخطايا التي يرتكبها "الاخرون" وتبشيع صورهم وتخوين نياتهم، وانه لا نفع في الانتظار، وآن الوقت لاستئصالهم والالقاء بهم الى المزبلة.. كيف؟ الجواب لا نقرأه ولا نسمعه في طي الكلمات والتصريحات، لكننا نترصده في السلوك الفئوي اليومي والتأليب ا?طائفي، ومن قراءة النوايا وزلات اللسان والايحاءات والتسريبات، كل "آخر" من موقعه.
من هذه الجدلية، شديدة التعقيد والتداخل، سنكتشف، ونحن نقف على هاوية سحيقة من الاحتمالات المخيفة، اننا لا ينبغي ان ننتظر الحل من فرقاء الازمة، حيث عودونا على ان تكون حلولهم بمثابة حُقن للتهدئة، مرة، وللتجيش على بعضهم مرات، كما انهم (انتباه) لا يرغبون بنسف بيت العملية السياسية على الرؤوس، فهم الآن يقطفون من شجرتها الوارفة المناصب والشرعية السياسية معا، وان سحب بساط هذه العملية سيدفع القارب الى الغرق، وستكون الخسارة (وهنا يتمتعون جميعا بحسن التقدير) مكلفة وشاملة، وسيغرق "الاخرون" من الطرفين جميعا من غير استثن?ء، وربما خارطة البلاد معهم، ايضا.
علينا ان نضيف لجملة التعقيدات هذه تعقيدا آخر لا يقل شأنا عنها ويتمثل في الصراعات العميقة الموازية داخل الكتل نفسها، فالحل المطروح لا ينبغي ان يسحق او يقلص او يقضم من نفوذ الجماعات والزعامات التي تشكل قوام الكتل.
وبالنتيجة، فانه لا آفاق لحل الازمة السياسية في البلاد على يد اصحابها الذين، إذ يختلفون على كل شيء، فانهم يتفقون، حتى الآن، على امر واحد هو الحيلولة دون تفليش البيت (بيت الثراء والسلطة والوجاهة)على ساكنيه، وان البديهيات السياسية تطلق سؤالها المشروع "ما هو الحل البديل؟" الذي يتردد خارج حلبة الصراع بموصوفها، الفئوي والطائفي، ويناقش في محافل ومنتديات واقنية، على نطاق واسع، ويمكن اجماله بمستويين:
• المستوى الاول، هو الحل الذي يقدم كمقترحات الى اصحاب الازمة لكي يأخذوا به، مثل المؤتمر الوطني، او اعادة النظر بالعملية السياسية بالتخلي عن المحاصصة، او الانتخابات المبكرة، او إقامة حكومة تكنوقراط محايدة، او اجراء التنازلات المتقابلة. وطبعا لم يأخذوا باي واحد منها، وينتهي هذا الحل الى شعارات سياسية معلقة على جاهزية الرأي العام لكي يفرضها عليهم، من غير كلفة ولا تكليف.
• المستوى الثاني، الذي يناقش بحذر شديد، ويتضمن حل التغيير السلمي في المعادلة السياسية وتركيبة نظام المحاصصة عن طريق حركة احتجاج توحد المجتمع، ريفا ومدينة وعسكرا، وتنخرط فيها قوى من العملية السياسية لكي يلقي باصحاب الازمة خارج المعادلة، وهو الحل الاكثر استجابة لمصالح الشعب ومطلب اقامة دولة العدالة والديمقراطية. وقد جُرب هذا الحل بمجموعة تمارين احتجاجية محدودة، واجهتها السلطات بالقمع والتضييق وتعاملت معها الكتل المتنفذة بالاهمال والتشكيك والتأليب. وانضم هذا الحل، في نهاية المطاف، الى سابقاته بموصوف الشعار، ا? الحلم.
مشكلة الحل البديل تتمحور، لا في مبرراته وضروراته، بل في ادواته. فلا يصح ان تقترح معبرا للازمة لا تملك عدة كافية للعبور، وهنا يكمن الوجه الآخر لجدلية ومأزق الحل، أخذا بالاعتبار حقيقة ان ليس كل حل للازمة مأمون الجانب. فالبعض يتحدث، مثلا، عن الانقلاب العسكري، كمعبر، وهذا بعيد عن نقاشنا، وقريب من الخيال المستحيل.. الآن في الاقل.
*********
"علامة العقل المتعلم هو قدرته على تداول الفكرة دون أن يتقبلها".
ارسطو