المنبرالحر

النظام التوافقي في العملية الأنتخابية 3-3 / د. صلاح الدين علي

في البداية أقدم شكري لك أيها القارىء الكريم ولأهتمامكَ بهذا الموضوع وقرائتكَ للمقال الثالث والأخير لهُ (من أصل ثلاث مقالات) وأتمنى أن أوفق هنا لتكون هذه الدراسة الأولية محفزاً لمتابعتكَ أخبار النظام التوافقي ودخولكَ في نقاشاتٍ حوله معي ومع الأخرين وفي نفس الوقت أرجو أن أكون قد أيقضت لديكَ موضوعا يهمنا ويهم البشرية ككل.
لتطبيق النظام التوافقي يتطلب تغيير منظم في السلوك المستخدم حاليا في عملية أتخاذ القرار. من صراع في وجهات النظر غير المثمرة الى التعاضد من أجل الوصول الى أجماع شبه كامل على القرار. وفي نفس الوقت تدل كلمة توافق على هدف هذا النظام الذي هو البحث عن الحل الذي يتوافق عليه الجميع ومن دون ضغط من هذا أو ذاك. وبشكل مختصر فأن النظام التوافقي يأتي بالخصائص الجديدة التالية:

أولا: البحث عن القرار بطريقة بسيطة وسريعة ومقبولة من الجميع،
ثانيا: طريقة ناجحه وفعالة لحل المشاكل وعلى جميع الأصعده تقريبا،
ثالثا: عمل جماعي متعاضد شبه كامل من الجميع في سبيل انجاح تطبيق القرار.

أن النظام التوافقي يمكن تطبيقه وبنجاح في جميع مجالات الحياة، ولكن لم يأخذ طريقه للتطبيق بشكل واسع لأسبابٍ ذُكرت في المقالين السابقين من جهة ولأنه فكره جديدة لا يتجاوز عمرالتبشير بها والدعاية لها أكثر من سنتين ومعروفه على نطاق ضيق جدا (في البلدان المتحدثه باللغة الألمانية فقط) في الوقت الحاضر ولها في هذه البلدان تطبيقات محدودة على النطاق الأنتاجي والتربوي.
ولكن ما الذي يجب علينا عمله من أجل أن يهتم ويستفيد السياسيون في كل مكان من النظام التوافقي؟ وما هي التغيرات التي سنضطر الى أتخاذها من أجل تطبيقه في الحياة السياسية؟ وماذا سيحل بهذا العالم في حالة الأستغناء عن مبدأ "الأكثرية والأقلية" والأعتماد على هذا النظام في حَلِ مشاكلهِ وفي جميع مجالات الحياة؟
هذه الأسئلة وغيرها كثيرة ممكن طرحها هنا ولكن الشيء الوحيد الذي يمكن قوله الأن بأن هناك جهد مهدور ومن جميع البشر في هذا العالم، وسَيذخَر هذا الجهد أذا تم التخلي عن المبدأ الثنائي الحالي "الأكثرية والأقلية" وبوشر بالعمل تدريجيا بالنظام التوافقي المطروح هنا. ولا يمكننا الأن تَحميل اللوم على هذا أو ذاك من الناس مادام النظام في طوره الأول وبداياته الأولى. ومع هذا كله وبعد الأطلاع ولو بشكل مقتضب ومختصر على النظام التوافقي وطرائق تطبيقه نمتلك الأن الأمكانيات من جعل عالمنا هذا عالما خالي من الصراعات والتناحر والحروب عالماً يَسودهُ السلام والحب بين الجميع ويأخذ التطور فيه حدودٍ خيالية وواسعة.
أن التفاعل الحاصل مِن وعلى العاملين بمبدأ "الأكثرية والأقلية" في أسباب الخلاف وتأثيرها هو تفاعل طبيعي وأنساني، ولكن الصراع من أجل المصالح هي صفة غير لائقة وغير طبيعية للأنسان، والمبدأ الثنائي المعمول به حاليا يعمل على تعميق هذه الخصائص لا بل ترسخيها فينا، بالأضافة الى ان هذا المبدأ يخلق صورة مشوهة للواقع الذي نعيشهُ ولا يعطي غير الأسود والأبيض حلا في كل أختلاف وصراع ولا مجال لدخول الألوان الأخرى أبدا لتلطيف الأجواء. لذلك يتوجب علينا التخلص منه وبطرائق مرضية للجميع.
وكما كتبت سابقا فأن النظام التوافقي هو نظام لا يلغي المبدأ القديم ولا هو محاولة لأنتقاد الديمقراطية المعمول بها حاليا وانما هو فرصة كبيرة وواسعة وذات أبعاد كبيرة لتطويرها، وتطبيق هذا النظام في المجال السياسي وفي الكيانات ومنظمات المجتمع المدني على سبيل المثال سيعطي زخما كبيراً لتطوير الديمقراطية الى الأمام والى الأفضل.
أكثر من 90% من المطلعين على النظام التوافقي متحمسون لتطبيقه على جميع المستويات ويتطلعون الى تطبيقه في العملية السياسية ويقرون بأنها مسألة وقت فقط الى حين يتم الأعتماد على هذا النظام وتطبيقه. وما علينا الى الدعاية له ونشره على حدود واسعة وأنتضار الشرارة الأولى والتأثير الأول في تطبيق هذا النظام على الساحة السياسية. وعلينا يقع الجهد الكبير في التعريف بالنظام التوافقي والسعي على تطبيقه في المنظمات المهنية والكيانات السياسية التي نعمل فيها. وهناك الكثير من العاملين في المجال السياسي مؤمنون بهذا النظام ولكنهم يتحججون بفقدان القاعدة القانونية في الوقت الحاضر التي تَحول الى عدم أو عرقلة تطبيقه.
مع النظام التوافقي ستُبسط جميع الأجتماعات وبمختلف أنواعها وتُسرع، وسيقل الصراع أو ينعدم ولا مكان لتقويض العمل فيه، ولا ضياع للوقت الثمين في عملية التساوم أو التنازل مع هذا أو ذاك قبل أتخاذ القرار، والنجاح لكل مقترح سيعتمد على نوعيته.
أما من ناحية الناخب فستُسجل الديمقراطية ولأول مرة في تاريخها الأمكانية الواضحه أمام الناخب في أختيار الكيان الذي يناسبهُ وما يَطمح اليه من خلال البرامج والمشاريع المطروحة والواضحة من كل كيان والمتوافق عليها مسبقا داخل هذه الكيانات ومن دون صراعات داخلية وكما هو الحال عليه الأن. المنظمة التي ستعتمد هذا النظام في عملها الداخلي ستكون لها الأفضليات مقارنة بغيرها والذي سينعكس على توفير الجهد والوقت المبذول في الصراعات الى تطوير وتركيز برامجها ومشاريعها لخدمة الجميع.
نعلم جميعا ومن خلال التجارب السابقة بأن كل جديد صعب التطبيق وبحاجه الى وقت أكثر لكي يكون طبيعيا في العمل اليومي، وخاصة ان كان له معارضون أشداء (أصحاب القرار والمسيطرون عليه) ليلعب الدور المطلوب ويعطي الثمار المرجوه منه وهذا شيء طبيعي، وفي نفس الوقت نعلم كذلك بأن المشاكل والمعوقات التي تواجه هذا أو ذاك تعطي زخما للبحث عن حلول لها وخاصة الحلول التي وضعت ثمارها هنا وهناك، وأنا على ثقه عالية بأن النجاحات التي توصل لها النظام التوافقي في المجال الأنتاجي ستكون لها صدى على المجالات الأخرى وخاصة السياسي منها والأكثر من ذلك أملي الكبير في الأجيال القادمة الباحثة عن التغير المثمر لسعادتها وسعادة البشرية جمعاء.
ولكن من أين لنا أن نبدأ وبأي طريقٍ نسير من أجل تثبيت هذا النظام التوافقي في حياتنا اليومية وجعله مثالاً لتطوير المباديء التي تنتظر وتطمح هي الأُخرى الى مثل هكذا تغيير!
الطريقة الأفضل لنا جميعا في أدخال النظام التوافقي في العمل الأختياري أو الأنتخابي أن نبدأ مع الأطفال ومن ثم ننتقل الى الشباب وبهذه الطريقة ستحقق الشعوب منعطف جديد بالمجتمع وتصل به الى مجتمع خالي من التضاد والصراع مع الأخر، مجتمع يعمل الكل فيه مع بعض والى جانب البعض، مجتمع التعاضد والمساندة، مجتمع أنساني بكل ما تعنيه هذه الكلمة.