المنبرالحر

غيمكم لم يأت بمطر..... يا حكامنا / ئاشتي

أذر جراحي بالملح كي أسهر الليل، لعل السهر يوصلني لمبتغاي، فما عاد للروح غير السهر في زمن عز فيه الفرح وتنقل فيه الحزن على أطراف الأصابع، وما عاد للرأس من شغل غير أن ينفلت في الصباح كي يبحث في صفحات الانترنيت عن أخبار الوطن المبتلى بكل ليالي السهر المُر. فما اكثر اخبار الوطن وما احزنها من أخبار، تتوالى عليك حروفها مثل رذاذ المطر الناعم، ولا ترى نفسك إلا وقد ابتليت روحك حتى العظم بماء أحزانها، واشتعلت في رأسك حرارة بؤسها. فلا ينفع معك عقار التفاؤل الذي تحمله بخلاياك منذ زمن بعيد، ولا تستجيب روحك للأماني التي رافقتك منذ أن تعلمت فك اول حرف في ابجدية الوطن. كل شيء يوحي لك بسواد اللوحة، رغم ايمانك أن الحال لا بد أن يتبدل، وربما تساعد الآخرين على فهم حقيقة أن طريق السعادة بحاجة إلى هذا الظلام حتى نتذوق طعمها بشهية أكبر. ولكن الاسئلة تثور في روحك وينفد صبرك كل صباح ما دام هذا الكائن الافتراضي ينقل اليك كل الصفحات السوداء التي تنطبع عليه. يأخذك من تلابيب صدرك ويرمي بك في اتون التشاؤم، فلا تنفع معك استعاذتك بشيطان الانترنيت العاقل كي ينقذك من هذا الغول... وأنت تعرف أنك بحاجة إلى مطر أخضر كي يغسل كل هذه الأدران. ولكن من أين يجيء هذا المطر والسماء قد نسيت شكل الغيم الماطر، مثلما نسيت الرعد والبرق قبل ذلك؟
أذر جراحي بالملح حتى تزداد مقاومتي للنعاس ويكبر في الروح بحر الصبر، لعلني أمتلك ناصية صبر شعبنا على معاناته اليومية. فمعاناته تبدأ مع أول خيط للشمس يلامس أفانين الأشجار، ويكبر مع ارتفاع حرارتها حتى يتفجر دما في الشوارع والساحات، وحكامنا مشغولون عن كل ذلك، مشغولون في كيفية تقاسم الأصوات. فالكل يريد أن يبتلع الكل، والكل يختلف مع الكل، ولا ندري متى يتفرغون إلى صيانة دماء أبناء شعبهم التي صبغت كل ذرة تراب في هذا الوطن بلونها الأحمر. كل يوم تخيم في سماء وطننا غيوم حكامنا، وكل يوم يأخذ منا التمني مساحة للصبر، ولكن غيم حكامنا لم يأت بمطر.
أذر جراحي بالملح بانتظار المطر القادم .. ليس مطر حكامنا لأن غيمهم لم يأت به، بل مطر السياب في قصيدته الخالدة:
«أكادُ اسمع العراق يذخر الرعود،
ويخزن البروق في السهول والجبال،
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال،
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من أثر».