المنبرالحر

"اتركوا العلم لأهله" / ابراهيم الخياط

أكثم بن صيفي التميمي، ويكنى (أبو حيدرة)، هو حكيم العرب قبل الاسلام. وقد عمّر حتى أدرك النبي، وكان يوصي قومه بإتباعه ويحضهم عليه. وهو أحد الاعلام الذين أوفدهم النعمان بن المنذر على كسرى ليبيّن بهم عنده مقدار العرب. فتعجب منه كسرى حتى قال: «ويحك يا أكثم! ما أحكمك وأوثق كلامك ولو لم يكن للعرب غيرك لكفى..».
وذكر ابن عباس أن الآية القرآنية: «ومن يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله» نزلت في أكثم. وللرجل حكم كثيرة مشهورة في الوعظ والحرب والنساء والملوك، ومن حقيق قوله: «إن شر البلاد بلاد لا أمير بها، وشر الملوك من خافه البريء».
وما أحالني لشيخنا أكثم ووصفه هو العميد د. هاشم حسن ورسالته العاجلة الى رئيس الوزراء.
فقد وجه د.هاشم دعوة مخلصة الى رئيس الوزراء أن يراجع بل يلغي قراره بحجز مقاعد في الدراسات العليا لـ (بعض) موظفي اجهزة الحكومة بدون منافسة، ومن دون توفر مؤهلات الحد الادنى والشروط العامة وخطط القبول.
ويشير د. هاشم الى أنه كتب أيام النظام السابق مقالا بعنوان (امنحوا المكرمين كل شيء الا العلم فاتركوه لأهله)، ويؤسفه أن ظاهرة التحرش السلطوي بالعلم والمعرفة ما زالت قائمة، ويؤكد خطورة هذه الظاهرة داعيا لمنع تكرارها، رأفة بالالقاب العلمية التي لم تعد لها قيمة لسهولة وبلادة وغباء عدد غير قليل من الذين يحصلون عليها بأساليب الاستحواذ. ويوضح أن الآليات معروفة وليس من بينها الاستثناءات أو بدعة (حجز المقاعد) لفلان أو علان من هذا الحزب أو من تلك الجهة، وبخاصة أولئك الذين لا تتوفر فيهم مؤهلات الحد الادنى. ويذكر أن أحدهم حصل على درجة (الصفر) في الامتحان التنافسي، ولا يمتلك أية خبرة في المهارات العملية، لكنه يفكر ان يصبح دكتورا بـ (الكوترة) وكأن الدراسات العليا رحلة على الخطوط الجوية العراقية.
د.هاشم حسن شخصية علمية مهنية معروفة في الوسطين الاعلامي والاكاديمي، وقد شعرت بالفخر مرتين لما قال. مرة لأنه أستاذي، وأخرى لأنه كفء وجريء ومخلص ومنسجم مع ذاته في عالم شاعت فيه الطأطأة. ولكن الرعب مسّني من قوله: «أعرفُ مسبقا أنّ قول الحقيقة سيكلفني كثيرا»، و»قلت كلمة الحق مخلصا للبلاد ولحرمة وقدسية العلم، ويشرفني ان اتلقى في سبيل ذلك كل الاضرار).
فهل يصدر مثل هذا التوقع (المخيف) من أستاذ جامعي حريص على الشهادة والعلم والعراق، لو كان يشعر أنه يعيش في دولة الدستور والقوانين والمؤسسات؟، بالتأكيد سنجيب بالنفي، وأيضا ما كان د.هاشم أو أحد منا سيعترض لو كان الاستثناء من الشروط لحجز مقعد في الدراسات العليا ـ حصرا ـ في تخصص ينفع الناس والوطن.