المنبرالحر

شرعنة السرقة -1-/ د. علي الخالدي

السرقة هي أخذ المنقول وغير المنقول بالخفاء أو باﻹحتيال ، ثم تحولت لتشمل كل مقومات الحياة البشرية ، متخذة الطابع السري والعلني ( هناك مثل شعبي مجري يقول كل شيء يُحرك قابل للسرقة).

حاربت الديانات السرقة ، وحرمتها ، لعدة أسباب منها ، المحافظة على اﻷموال العامة والخاصة التي هي ثمرة جهد آخرين ، ولكون ضم الشيء لمصحة فرد أو مجموعة ، بالخداع أو بالحيلة، أو بالتهديد بالسلاح، يتنافى والقيم الدينية واﻷعراف اﻹجتماعية . إعتبر اليهودالسرقة من الجرائم التي يعاقب عليها مرتكبيها عقابا صارما ، وقد أشار اﻷصحاح الثاني من سفر الخروج ، الى أحكام الشريعة بالنسبة للأنواع المختلفة من السرقة والعقوبات اللأزمة في كل حالة ، وكان التعويض محتم . . كان باراباس الذي طلب الشعب اليهودي إطلاق سراحة بدلا عن سيدنا المسيح ، قد سجن ﻷجل فتنة، وقتل ، كما كان لصا . و يوصف المذنبان اللذان صلبا مع يسوع عن يمينة وعن يساره بأنهملا كانا لصين ، وإن جريمتهما كانت جريمة كبرى حتى حكم عليهما بالموت وقد أعترف أحدهنما ، قائلا ﻷننا ننال إستحقاق ما فعلنا . كانت تعاليم سيدنا المسيح واضحة للعالم بتطبيق العدالة عبر تعاليمة الربانية التي يدعو الناس الى تطبيقها بالمحبة.

وضع اﻷسلام قواعد لمحاربة السرقة في مقولة من غشنا ليس منا ، و من حمل السلاح علينا ، ليس منا ، ولا زال يطبق في بعض البلدان اﻹسلامية عقوبة بتر اليد وحد السيف ، لمن يسرق المال العام والخاص ، لكن هذه العقوبات تطبق بإنتقائية في بعض الدول اﻷسلامية ، وخاصة عند تعلق اﻷمر بذوي اﻷمر ممن يتخذ التدين كديكور لمآرب سياسية ، متشدقين بمقولة ، الضرورات تبيح المحظورات ، في التجارة والحرب وعلى الزوجة . وإضاف سياسيو اﻹسلام السياسي في الشرق اﻷوسط سرقة أصوات الناخبين ، ونكث الوعود التي يقطعوها على نفسهم في حملاتهم اﻹنتخابية
و في دول إقتصاد السوق ، يجري على قدم وساق سرقة الجهد العضلي للعمال ، من قبل أرباب العمل ، مقابل إجر لا يتماهى والجهد المبذول ، بقوانين توضع لصالح تراكم رأسمال رب العمل ، فيبقى العامل تحت رحمة هيمنته ومشدودا بما يقدم له من أجر خوفا من البطالة ، وهذا ما أدى الى إنقسام المجتمع الى طبقة ميسورة مستغلة (بالكسر ) وطبقة فقيرة مستغلة ( بفتخ الغين ) هم شغيلة اليد والفكر، فاﻷولى تستغل الثانية ، بينما الثانية تدعو الى العدالة اﻷجتماعية وتوزيع الثروة الوطنية على مكونات المجتمع بشكل ترتضيه كافة اﻷديان ، و شرائح المجتمع ، وقد يلجاء المٌسْتَغَلون الى فعاليات إحتجاجية تحددها ظروفهم الذاتية والموضوعية ، وما ظاهرة التظاهرات واﻹضراب عن العمل التي تجري هنا وهناك .من أجل تحقيق مطاليب عادلة ، ورفع أجر يتماهى مع مايبذل من جهد عضلي وذهني ، إلا صورة حية لمقاومة إستغلال اﻷنسان ﻷخية اﻷنسان.
في عالم السياسة تطورت أساليب السرقة مع التطور التكنولوجي ، فاخترعت وسائل ، يلجاء اليها السياسيون ، بعد أن يملؤوا جيوبهم من المال العام بطرق غير شرعية ، ليغدقوه في تمويل حملاتهم اﻷنتخابية ، وشراء الذمم . وهذا ما يلاحظ في الواقع السياسي ﻷغلب الدول النامية ، ومنها العراق ، فبعض سياسيينا حذقوا في إبتداع ما هو جديد في عالم سرقة المال العام ، منذ إغتيال ثورة تموز المجيدة . ومن المضحك المبكي ، أن أغلب من يقوم بسرقة المال العام حاليا يتحصن بعباءة التدين ، و لا أحد يضع حداً له ، أو يعاقب بفتوى دينية ، تُحْرمه من إشغال أي منصب حزبي أو إداري . لا التستر عليه ، و لمواصلة أساليبهم الملتوية في السرقة لجأؤوا مؤخرا الى اﻹلتفاف على طريقة سانت ليغو في إحتساب اصوات الناخبين ، بعد أن أكتشفوا تطبيقها في إنتخاب مجالس المحافظات ، قد أضر بنتائج اﻹنتخابات التي رسموها ﻷحزابهم وكتلهم ، ومكنت من وصول أهل الحق ، الى مجالس المحافظات ، ويخشون حاليا من إعتماد صيغتها السابقة ، خشية وصول نواب نزيهين وكفوئين من خارج متبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية الى قبة البرلمان ، الذين بالتأكيد سيُعرقلون أقتسام السلطة بين أطراف نهج المحاصصة ، ويُقفون ضد إستمرار سياسة نهب المال العام ، لتوفير إمكانيات مادية جديدة ، لتستغل في التحشيد وتقوية مواقعهم في المجتمع إقتصاديا ، القوية أصلا ، بعد فشل التجييش الطائفي ، بالضرب على وتر المظلومية الذي مارسوه في الدورة اﻷنتخابية الماضية.

إن التعديلات التي أدخلوها على طريقة سانت ليغو في إحتساب اﻷصوات ، تضمن مواصلتهم سرقة أصوات الناخبين بشكل مشرعن ، كمسعى ﻹبقاء اﻷصطفافات الحزبية والكتلية الحاكمة كما هي ، بغية المحافظة على نهج المحاصصة في إدارة الدولة ، هذا النهج ،الذي يتماهى مع أجندات أعداء شعبنا في الدول القريبة والبعيدة ، ويضمن إستحقاقا إنتخابيا تتواصل في ظله سياسة التوافقات واﻷتفاقات بين الكتل واﻷحزاب ، التي تفتح شهية التسلط ، وتحقيق أحلام تراود البعض في بناء دكتاتورية من نوع جديد تلتحف عباءة التطرف المذهبي وتنعش التجييش الطائفي ، على حساب تنمية الروح الوطنية و الشعور باﻹنتماء للوطن الواحد، بالتالي ضياع حلم الجماهير بدولة مدنية تعتمد الكفاءة والمساوات في الحقوق والواجبات ، وتضع حدا للسرقة المشرعنة.