المنبرالحر

سلبية المثاقفة مع الآخر/ د. علي حسين يوسف

إن المثاقفة بين العرب والعالم الغربي بمفهومها المعاصر كانت فيما يبدو منذ أول أمرها أحادية الجانب فلطالما ارتد المؤرخون في تأصيل فكر الحداثة إلى الحراك الثقافي الاوربي الخالص في القرن الخامس عشر الميلادي وبالتحديد الى سنة 1453م عام فتح الأتراك للقسطنطينة وانهيار الإمبراطورية البيزنطينية ، وما تبعها من هجرة العلماء إلى ايطاليا ([1])
لتصب بعد مسيرة مئات السنين في المذاهب الحداثوية وأولها البنيوية ([2]) ومن ثم تحولت وجهة البحث الفلسفي من الانهماك في مركزية العقل وبناء الصروح الفلسفية الى صياغة المفاهيم بحسب تعبير جيل ديلوز(ت 1995م) وفيلكس غاتاري (1992م) ([3]) .
ويبدو للمتأمل الخصوصية الأوربية للحداثة مما يؤشر غياب الفاعلية العربية في فكر للحداثة مما ترتب عليه ان تكون المثاقفة عملية تصدير ثقافي غير متكافئ يقوم بها الغرب , الامر الذي يدفع الى القول ان المثاقفة العربية مع الغرب كانت منذ اول امرها تتسم بالطابع السلبي.
وما تقدم يدفعنا الى تقييم العلاقة بين طرفي المثاقفة : (الذات ، الانا ، النحن / والاخر ، الهو ، الهم) ففي الثقافة المعاصرة تمثل جدلية (الانا / الاخر) لاسيما علاقة العرب بالغرب إشكالية كبيرة , فلطالما نظر الغرب الى الشرق على انه نقيض الغرب سواء بالمعنى السلبي وهو الغالب او الايجابي كما في تصور الشرق ((جنة أرضية))([4]) , فالشرق يمثل بالنسبة للغرب شبه اختراع أوروبي ([5]) , والأمر ذاته ينعكس على الشرق الذي طالما نظر للغرب على انه يمثل العدو ، والهيمنة ، والتسلط ، وانه ـ أي الغرب ـ لابد من معرفته ودراسته لكي ((يضيع الخطر الماثل من اعتبار الحضارة الأوربية مصدر كل علم وما سواها من حضارة تعيش عليها وتنتظر منها المذاهب والنظريات))([6]) .
أمام هذه النظرات المريبة من طرفي المثاقفة العربية مع الآخر (الغرب) قد يبدو من الصعوبة أن تتحقق الصورة الايجابية لعملية التثاقف ، لاسيما وان الواقع يعزز هذا الأمر ، فالثقافة العربية الآن يمكن أن توصف بأنها ثقافة الأخذ من الآخر ، وفي أحسن أحوالها يمكن ان توصف على انها ثقافة لا يمكن ان تعطي الآخر شيئا يذكر ويرى الباحث ان سلبية الثقافة العربية المعاصرة بالنسبة لأوربا يمكن ان تعزى لسببين : يتمثل السبب الأول في استسلام الثقافة العربية المعاصرة أمام النظرة الغربية التي تناست الفضائل التي جاءت بها الحضارة الإسلامية من العلم والرقي الرفيع وأحلت محلها نزعات أصولية واقتتالية حتى أصبحت صورة العرب ساخرة لا تتجاوز الجمل والصحراء ونساء الحريم ! وبذلك فقد تحققت المقولة ((لقد اختار الغرب ان ينسى وتقبل ذلك العرب المعاصرون)) ([7]) .

________________________________________
(([1] ينظر ، تاريخ الفلسفة الحديثة , يوسف كرم , دار القلم , بيروت : 5 ، وتاريخ الفلسفة من سقراط إلى ما بعد الحداثة , ابراهيم الزيني , دار كنوز , القاهرة , ط1 : 257 .
([2]) ينظر ، مبادئ الفلسفة واشكالياتها , عبد الوهاب جعفر , الاسكندرية , مصر , 2002: 245 والفلسفة في مسارها , جورج زيناتي ,الاحوال والازمنة للطباعة, ط1, 2002 : 295 .
([3]) ينظر ، ما هي الفلسفة , ديلوز وغاتاري , ترجمة مطاع صفدي , مركز الانماء القومي , بيروت , ط1 , 1997 : 5 .
([4]) دليل الناقد الادبي , البازعي والرويلي , : 37 .
([5]) ينظر ، الاستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق , ادوارد سعيد , ترجمة محمد عناني : 42 .
([6]) مقدمة في علم الاستغراب , حسن حنفي , مؤسسة الجامعية , بيروت , ط2 , 2000: 25 .
([7]) العلاقة مع الغرب من منظور الدراسات الانسانية : 338 .