المنبرالحر

مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري عامل فرقة وانقسام * / مبجل بابان

ان محاولة وزير العدل بتقديمه لهذين المشروعين هي لتبديد المكاسب التي جاء بها قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وسيكون عامل فرقة وانقسام بين المسلمين وسببا في تصدع العوائل ، بخاصة وان التصاهر بين السنة والشيعة من المألوفات الاجتماعية والمرأة ستكون اولى الضحايا .

كما انه مخالف لاحكام الدستور اذ تنص المادة (2) الفقرة (ب) بعدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .

ونصت المادة (2) الفقرة (ج) على مايلي :
لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في الدستور .
ونصت المادة (14) العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي .

وتتعارض هذه المادة مع نص المادة (41) التي تقول : العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون .
ويجدر الاشارة الى ان هناك نصا دستوريا يقضي باجراء تعديلات على الدستور بعد ستة أشهر من صدوره ، وقد تشكلت لجنة في مجلس النواب لهذا الغرض الا ان ذلك لم يحصل وبقيت المواد المختلف عليها كما هي .

وكانت المادة (41) هي المادة التي استند عليها وزير العدل في اعداده لهذين المشروعين .
ولدى الاطلاع على مسودة هذه المشاريع نجد بانه لم يتطرق الى سن الزواج كما لم يتطرق الى الاحكام المتعلقة بالزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث وقضايا تعدد الزوجات .

لا يخفى ان رابطة المراة العراقية كانت المبادرة الى دراسة مسودة قانون الاحوال الشخصية بعد الاستعانة بالمختصين في القانون ورجال الدين الذي قدم الى حكومة ثورة 14 تموز عبر رئيسة الرابطة الراحلة الدكتورة نزيهة الدليمي وكانت حينذاك وزيرة في الحكومة وقد تم دراسته من قبل فريق من المختصين عينتهم الحكومة وصدر القانون رقم 188 في كانون الاول 1959 وكانت الغاية من اصداره تحقيق الاستقرار في الحياة العائلية وانهاء الارتباك والتناقض في احكام القضاء الشرعي وقد استند الى احكام الشريعة الاسلامية مستمزجا فقه المذاهب الاسلامية دون تحيز . وحوى القانون على جوانب ايجابية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر : تحديد سن الزواج واشتراطه البلوغ والصحة العقلية وتنظيم حضانة الطفل عند افتراق الابوين .

وحظى القانون في مجال الارث خطوة كبرى اذ ساوى بين الذكر والانثى وبذلك وحد احكام الميراث وجعلها منسجمة مع احكام الانتقال في الاراضي الاميرية التي شرعت منذ الحكم العثماني ولا زالت سارية .

لقد أقر القانون مبدأ وحدانية الزواج بشكل عام بمعنى انه لم ينظر الى مسالة تعدد الزوجات على انها حق للرجال كما هو في بعض القوانين العربية والاسلامية فاعتبر الزواج باكثر من زوجة واحدة جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس او بالغرامة اذا لم يحصل الزوج على موافقة القاضي الذي يشترط لاصدار الاذن ان تكون هناك مصلحة مشروعة في الزواج باخرى .

ان وضع شروط للتعدد لم يكن خطوة فريدة من المشرّع العراقي فالقانون المغربي قيدّه ايضا ومنعه التشريع التونسي مطلقا كذلك افتى الامام محمد عبده مفتي الديار المصرية في العشرينيات بان حكم الاسلام في التعدد هو أقرب الى التحريم منه الى الاباحة .

وبعد الاستيلاء على السلطة من قبل البعثيين في انقلاب 8 شباط الأسود كان قانون الاحوال الشخصية أول قانون تلغيه السلطة الفاشية واصدروا القانون رقم 11 عوضا عنه ، الا انهم اضطروا للعودة الى العمل به بعد الغاء المواد المتعلقة بالميراث ارضاءا للقوى الدينية .

وتجدر الاشارة الى تعديلات جيدة على القانون صدرت في السبعينيات تتعلق بمنع تعدد الزوجات الا في حالات محددة كموافقة الزوجة الاولى وفي حالة عقم الزوجة او اصابتها بخلل عقلي على ان يتم ذلك بموافقة القاضي .

ومنذ بدء الحرب العراقية الايرانية عام 1980 صدر العديد من القرارات المجحفة التي تمس حقوق الانسان مثل النص على " حق الزوجة في طلب الانفصال عن زوجها اذا هرب من الخدمة العسكرية او القرارات التي منعت الزوجة من نقل ممتلكاتها الى زوجها الاجنبي ومنع سفر المرأة دون سن ال 45 الا برفقة ذكر من درجة القرابة الاولى .

لقد تعرض القانون الى هجوم جديد في كانون الاول عام 2003 بشكل قرار يحمل رقم 137 أصدره مجلس الحكم والذي قضى بالغائه واعتماد احكام الشريعة الاسلامية وفق المذاهب ، واثر الاحتجاجات الواسعة للمنظمات النسائية وبسبب معارضة الاحزاب السياسية غير الدينية تم الغاء القرار .

لم تكن هذه هي النهاية فقد عاد مؤيدوا القرار 137 الى التنظير لفكرة القضاء المذهبي ولكن من خلال الدستور الجديد ، لقد نصّت المادة 41 من الدستور على ان العراقيين احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم . لقد اثارت هذه المادة الكثير من الالتباس والغموض والتناقض مع مبادئ الحقوق الواردة فيه فانها تصطدم في الوقت نفسه بمنطوق المادة 14 التي تتعلق بمبدأ المساواةامام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الدين او المذهب او المعتقد .... الخ اذا اخذنا بعين الاعتبار بوجود اختلاف الاحكام وتفسيرها حتى في ضمن المذهب الواحد .
ولابد من الذكر ان العديد من المنظمات المدنية والتجمعات النسائية قد طالبت بالغاء او تعديل المادة 41 واصفين اياها بمشروع العودة الى عصر الحريم .

باختصار ان هذا القانون سيسبب بلبلة والدعوة الى ارتباط القضاء الجعفري بالمرجع الديني الاعلى في العراق هو منافي للقانون المدني العراقي وكأن العراق دولة دينية وليست دولة مدنية لديها سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية .

اننا في الوقت الذي نتطلع الى تطوير قانون الاحوال الشخصية الى الاحسن فان هذين المشروعين هي خطوات الى الوراء وتشكل نكوصا يوجب التصدي لهما .

واهيب باعضاء مجلس النواب وكذلك الوزراء عدم الموافقة على هذين المشروعين وكذلك ادعو المنظمات النسائية العراقية على التصدي لهما كما ادعو المثقفين رجالا ونساءا الى رفض مثل هذه المشاريع .

ولا يسعني الا ان اشكر لجنة التيار الديمقراطي في بريطانيا ورابطة المراة العراقية في بريطانيا على تنظيمها هذه الندوة المهمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المداخلة التي قدمتها السيدة مبجل بابان في الندوة التي اقامها التيار الديمقراطي في بريطانيا ورابطة المرأة العراقية في بريطانيا حول "نص مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري وإشكالات إقراره " يوم الأحد المصادف 17 تشرين الثاني/ نوفمبر2013.