المنبرالحر

سوريا، ايران.. والعراق / عبد المنعم الاعسم

ثمة الكثير من الترابط بين احوال كل من العراق وسوريا وايران. ولهذا الترابط تجليات في السياسة والحدود والتحالفات غير المعلنة. وشاءت الحرب الداخلية السورية طوال عامين ان تعزز وتعمق هذا الترابط، فيما حاولت اطراف دولية واقليمية ان تلعب على بعض عناصر الاختلاف في الخصوصيات السياسية والتاريخية للدول الثلاث. وانتهى الامر، في هذه الايام، الى نقطة حرجة فرضها تطوران مهمان، الاول هو التوجه نحو عقد اتفاق جنيف2 لتسوية الصراع السوري، والتوجه الى تكوين نظام سياسي وسطي بين حكم البعث والمعارضة. والثاني هو الاتفاق المعلن بين ?لدول الغربية وايران لإنهاء ازمة البرنامج النووي، وتبعاته ذات الصلة بالعقوبات الاقتصادية.
هنا، ينبغي ملاحظة ان الكتلة الخليجية تنظر بعين الريبة الى هذا التطور. فهي وضعت ثقلها المالي والدبلوماسي من اجل اطاحة نظام الاسد وفرض نظام موال لها، وضمنا عارضت عقد مفاوضات جنيف2 للحلول الوسطية. كما سعت بكل جهودها الى استدراج الولايات المتحدة واسرائيل الى توجيه ضربة عسكرية الى ايران تمهد الى تغيير النظام القائم او، في الاقل، الى تحجيمه. ومن الطبيعي ان يكون النفوذ الخليجي في معادلة امن المنطقة مؤثرا، وقد ينجح هذا النفوذ في تخريب عملية التحول الى التهدئة والمفاوضات، وسياسة التنازلات التي ابداها كل من الرئيس ?لايراني روحاني والرئيس الامريكي باراك اوباما، ورحبت بها بغداد على لسان رئيس الوزراء نوري المالكي. فيما تتحدث التسريبات الخليجية عن صفقة بين طهران وواشنطن يضحّي فيها كل جانب بأصدقاء او حلفاء له.
وعلى الرغم من الاعلان الرسمي عن حيادية بغداد حيال الازمة السورية والملف النووي الايراني، فان الاستقطاب الذي تشهده المنطقة وتداخل المصالح والسياسات والاعتبارات المذهبية. وضع العراق في المحور السوري الايراني، او، على وجه الدقة، وضعه في حسابات النظام الامني الاقليمي كطرف بمواجهة النفوذ السعودي القطري التركي الاكثر تاثيرا على الاحداث السورية، أخذا بالاعتبار انه ليس بمقدور العراق، في المفترق الذي يقف فيه، والحرب المعلنة عليه من قبل جماعات الارهاب والسلفية التكفيرية، وحساسية علاقاته مع الولايات المتحدة، ان يكون ?ي موقف آخر. لكنه قادر على ان يلعب دورا "مستقلا" وعلى مسافة من أجندات اللاعبين من الجانبين، في تبني خيارات التهدئة وعقد صفقة تاريخية تنزع فتيل المواجهات العسكرية في المنطقة .
اولا، لأن للعراق مصلحة في منع تحول سوريا الى افغانستان اخرى، فسيكون الضحية الاولى للارهاب، وثانيا، لان العراق لا يملك من الثقل العسكري والامني والاهلية الداخلية (الحكم والمكونات والصراعات..) ما يسمح لكي يكون طرفا في فرض معادلات على الارض، وثالثا، ان القوى المتصارعة في المنطقة تريد العراق ساحة لتصفيات الحساب او ورقة للمساومة، وانه يمكن ان ينـْفذ من هذا المصير في حال انحسرت اجواء التهديات العسكرية في المنطقة، وضُيقت الفرص على نشاط الجماعات المسلحة الاجرامية على حدوده الغربية.
مشكلة العراق هي في جبهته الداخلية، حيث يعاني من فساد وانانية وتناحرات طبقته السياسية، ومن ولاءات وتابعية جهات سياسية متنفذة لقوى اقليمية متصارعة. فثمة من يرتهن نفسه لهذا الطرف، أو ذاك .. اما الكوارث التي جناها ويجنيها العراق من هذه الولاءات فحدّث ولا حرج.