المنبرالحر

حكاية الدفء المفقود في العلاقات الايرانية الغربية / د. جاسم الصفار

لأول مرة بعدما يقرب من عشر سنوات من المفاوضات المضنية، توصل ممثلو ايران والدول الست الكبرى (روسيا وامريكا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا) الى اتفاق مرحلي يمتد زمنيا الى ستة اشهر، لايمنع، ولكن يحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. ففي مقدور طهران من الآن فصاعدا تخصيب اليورانيوم فقط إلى نسبة 5 في المئة. اما مخزون ايران من اليورانيوم المخصب إلى 20 في المئة والذي تبلغ كميته 200 كيلو غرام، فستلتزم طهران بتخفيض نسبة تخصيبه صناعياً.عدا ذلك فسيكون بمقدور مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفقد مواقع استخراج وخزن اليورانيوم محطات التخصي? الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، التزمت إيران بعدم زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بعمليات التخصيب.
وقد سارع الرئيس الأمريكي باراك اوباما الى اعلان أن الاتفاق الحالي هو الخطوة الأولى نحو التوصل إلى اتفاق شامل يحول دون امتلاك ايران للسلاح النووي. كما اعرب عن ارتياحه للاتفاق وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، الذي اعلن بعد توقيع اتفاقية جنيف بان مبادئها الاساسية تتوافق مع التوجهات التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بهذا الشأن. واضاف لافروف "ان الاتفاقية كللت مباحثات متعثرة لسنوات طوال اعطى لنجاحها زخما كبيرا انتخاب الرئيس الايراني الجديد".
كما اعترف احد كبار المسؤولين في البيت الابيض للصحافة الامريكية بأن امريكا كانت قد اجرت مباحثات سرية مع ايران تزامنت مع المباحثات التي اجرتها ايران مع ممثلي الاطراف الدولية الاخرى الموقعة على اتفاقية جنيف. واشار المسؤول الامريكي الى ان الولايات المتحدة الامريكية لم تحط اسرائيل علما بمباحثاتها السرية مع ايران.
ومن جهته، صرح وزير خارجية ايران جواد ظريف، بان بلاده تتطلع الى افاق جديدة من العلاقة مع الغرب قائمة على الثقة المتبادلة مع احترام حق ايران في امتلاك التقنية اللازمة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.
لم يسمع العالم تصريحات رسمية مناهضة لاتفاقية جنيف الا من الشرق الاوسط، وتحديدا من اسرائيل. فقد وصف وزير خارجية اسرائيل افيكدور ليبرمان الاتفاقية بانها "انتصار للدبلوماسية الايرانية" وانها تضع اسرائيل "أمام خيارات صعبة". وفي كلمته امام مجلس وزراء اسرائيل وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاقية جنيف بأنها "خطأ تاريخي" مضيفا في كلمته بان العالم يتملكه الخوف من ان " أشد الانظمة خطراً اصبحت قادرة على امتلاك اشد الاسلحة فتكاً". ولم تهدئ من روع اسرائيل تصريحات حلفائها الغربيين وامريكا بانهم لن يسمحوا ?إيران بامتلاك السلاح النووي.
اما بالنسبة للدول العربية، فقد ايدت سوريا والعراق الاتفاقية دون تحفظ، كما ايدتها الدول العربية الاخرى بما فيها قطر ودول الخليج بدرجات متفاوتة من البرود والحماس. بينما ابدت المملكة العربية السعودية حذراً ملحوظاً في صيغة موافقتها على الاتفاقية مشككة بنوايا ايران ومصداقيتها. وشنت الصحافة السعودية حملة، ليست بدون دعم او موافقة رسمية، على الاتفاقية معبرة عن مشاعر الاحباط من الانسياق الامريكي والغربي وراء السياسة الروسية والايرانية دون مراعاة لمصالح "أصدقائهم" في المنطقة.
كانت البداية في تدفئة العلاقة بين امريكا وايران تحتاج الى اختراق امريكي في هذا الاتجاه. فالعناد والكبرياء الايراني لم يكن ليسمح لأي من قادته السياسيين ان يظهر جمهورية ايران الاسلامية بمظهر المنكسر والراضخ للضغوط. لذا فقد كان من المقرر ان يغادر الرئيس الايراني حسن روحاني الولايات المتحدة الامريكية في ختام زيارته الاخيرة لنيويورك اثر حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون ان يلتقي او يتصل بالرئيس الامريكي باراك اوباما. وبحسب شهود رافقوا الرئيس الايراني الى المطار، طلب اوباما التحدث هاتفيا مع روحاني م?جلا بذلك سبقاً لم يكن قد حدث منذ 34 عاما على العلاقة المتوترة بين امريكا وايران. ودامت المكالمة التلفونية اكثر من عشر دقائق بين الرئيسين الامريكي والايراني بلهجة ودية ودافئة للغاية بالإنكليزية ودون وسطاء.
اعرب الرئيس الايراني حسن روحاني خلال المكالمة الهاتفية عن استعداد ايران التام للتفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب وإلى بذلك لجهد ممكن للتوصل الى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وذكر روحاني ايضا بانه يأمل في ان لا تستغرق المفاوضات اكثر من ثلاثة إلى ستة أشهر للوصول الى اتفاق حول هذا الموضوع.
واكد الرئيس الايراني بأن الزعيم الروحي الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، قد اعطاه صلاحيات كاملة للتفاوض بشأن هذه المسألة . بدوره، قال أوباما انه يعتقد بإمكانية الوصول الى "حل شامل" للقضية النووية الإيرانية، على الرغم من عدم توفر ضمانات كافية للنجاح في انجاز هذه المهمة.
وقد اشاد الرئيس الامريكي باراك اوباما في مؤتمر صحفي بنتائج محادثاته مع الرئيس الايراني حسن روحاني معتبراً ان "حقيقةأن تكون هذه هي المحادثات الاولى بين الرئيس الامريكي ونظيره الايراني منذ عام 1979، تشير الى عدم الثقة العميقة بين البلدين. ولكنها تشير كذلك إلى إمكانية التغلب على تبعات هذا التاريخ المعقد للعلاقة بينهما. وهي بالتالي، يمكن أن تكون بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام على الطريق لإقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية ايران الاسلامية"
ومع ان الكثير من المتابعين للشأن الدولي قد اعتبروا تلك المكالمة اختراقا شجاعا لجدار الصمت الذي شيدته خصومة دامت 34 عاما، الا انه لا يجوز تخطي حقيقة اخرى وهي ان الوضع قد تغير بشكل جذري يبعد الانتخابات الرئاسية في ايران هذا الصيف، والتي افضت الى انتخاب حسن روحاني رئيساً جديدا ًللجمهورية الإسلامية الايرانية خلفاً للرئيس السابق محمود احمدي نجاد، واعلان الرئيس الايراني الجديد اثر انتخابه مباشرةً، عن تبنيه لسياسة تحسين علاقات بلاده مع الغرب، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة الامريكية.
ويبقى السؤال الاهم هو مدى توافق سياسة روحاني مع مشاعر الشارع الايراني الذي لا ينسى بان الولايات المتحدة الامريكية (الشيطان الاكبر) تتعامل مع بلاده بسياسة الكيل بمكيالين. فأمريكا لا تسمح لإيران بامتلاك التقنية النووية المتقدمة بحجة منع انتشار الاسلحة النووية في حين انها تغض الطرف عن واقع امتلاك حليفتها في المنطقة، اسرائيل للسلاح النووي. كما ان الشعب الايراني لا ينسى بان الغرب وامريكا كانوا قد افسحوا المجال لدول اخرى في المنطقة باستخدام اسلحة ممنوعة دوليا بينما قامت بتحريك اساطيلها وقرعت طبول الحرب لمجرد ال?ك بان دولاً غير صديقة لها قد استعملت اسلحة من هذا القبيل.
وبالتالي فان الغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خاصةً، ستبقى في نظر الشعب الايراني صديقاً بغيضاً ان لم تكن عدوا لدوداً، ما لم تكن امينة للمبادئ التي تطالب الاخرين بالالتزام بها، بما فيها مبدأ منع انتشار اسلحة الدمار الشامل. وعليه فليس غريباً ان يبقى جزء كبير من الشارع الايراني غير راض عن سياسة الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة الامريكية التي ينتهجها الرئيس الجديد لإيران حسن روحاني، رغم ادراكه بان سياسة الانفتاح ستجنب ايران ضائقة الحصار الاقتصادي التي باتت مظاهر المعاناة منها واضحة على فئات واسعة من الشعب الايراني.