المنبرالحر

الجوع ليس نوعاً واحداً / مرتضى عبد الحميد

يخطئ من يظن أن الجوع نوع واحد، هو الجوع الغذائي، أي عدم قدرة الإنسان على إطعام نفسه وعائلته. وما أكثر الجياع في بلادي، التي تطفو على بحار من النفط والكنوز. وهذه كارثة بحد ذاتها، بل هي أكبر الكوارث التي تحيق بشعب من الشعوب، فكيف إذا كان هذا الشعب يمتلك ثروات طبيعية يحسدنا عليها الآخرون؟ لكن المصيبة التي تأخذ بخناق العراقيين، هي حكامنا الأشاوس، الذين لا يسمعون إلا أنفسهم، ولا يرون الا صورهم في مرآة تكسرت إلى شظايا متناثرة منذ أيامهم الأولى، فجاءت الصور مشوهة، كما هي حال أصحابها في الواقع العملي.
هناك أنواع أخرى من الجوع، اشد خطراً، وأكثر فتكاً من جوع الطعام، منها الجوع إلى الجاه والمال. وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بسيطة بين الجوعين فسنرى أن الأول (أي جوع الطعام) تمكن معالجته والقضاء عليه، لو التفت إليه المتنفذون، وتحركت ضمائرهم قليلاً. لكن هذه الـ (لو) مع الأسف الشديد لا تغني ولا تسمن من جوع، وقديماً قيل (لو كانت الأماني خيولاً لركبها الشحاذون).
والمعروف أن هذه الحالة من الجوع (الجوع إلى الطعام) تنتهي عندما تملأ المعدة، لكن النوع الثاني من الجوع هو المصيبة بعينها، انه جوع المال والجاه، الذي لا يتوقف عند حد معين، حتى لو امتلأت الجيوب والحقائب والبنوك. فأصحابه كنار جهنم، يقولون «هل من مزيد»؟ ولكن لنكن منصفين فربما كان لهؤلاء السراق بعض الحق لسببين؛ الأول أنهم كانوا محرومين سابقاً، ولم يصدقوا أنهم أصبحوا في مواقع تتيح لهم الحصول على الجاه، ولو كان كذباً ورياءً، والحصول على المال الوفير، حتى لو كان على حساب اليتامى والأرامل والمعوقين، دع عنك الناس ا?أصحاء من أبناء شعبنا العراقي. السبب الثاني، هناك مقولة أخلاقية قانونية يعرفها القاصي والداني هي (من أمن العقاب أساء الأدب). وهؤلاء لم يكونوا لـ «يسيئوا الأدب» لو كانت لدينا مؤسسات دستورية ديمقراطية حقاً، تحاسب وتراقب أعمالهم وتحركاتهم، وأساليبهم الملتوية في عدم تسجيل المقاولات أو المشاريع بأسمائهم الصريحة، وإنما يسجلونها بأسماء الأقارب والأصدقاء الثقاة، تجاوزاً والتفافاً على القرارات والقوانين، التي تمنع ذوي الدرجات الخاصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية من العمل في هذا المجال، وأي مجال آخر خارج نطاق عمله? ووظيفتهم المكلفين بها.
وصدق من قال: إن الفساد المالي والإداري دع عنك الأخلاقي أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، وامتدت جذورها عميقا في شتى مناحي حياة المجتمع العراقي. وهؤلاء الفاسدون والمفسدون، يحمي بعضهم بعضاً، متجاهلين قوله تعال (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) رغم أنهم أو اغلبهم يتلفعون برداء الدين والمذهب وهما منهم براء، ورغم أن جباههم تغيرت ألوانها إلى الأسود، كناية عن كثرة السجود! وفي محاولة مبتكرة لزيادة الإيهام والتضليل عند عامة الناس.
إنها مشكلة عويصة فعلاً، تستدعي من المفكرين والمثقفين وكل أبناء شعبنا الانتباه إليها، وعدم إهمالها، وتحشيد كل الطاقات والإمكانيات المتوفرة لمكافحتها، أسوة بالنضال للقضاء على الجوع والبطالة ومن اجل الأمن، والخدمات...الخ وصولاً إلى تمتع العراقيين جميعاً بخيرات بلدهم، وبناء العراق الديمقراطي المزدهر.