المنبرالحر

موعد آخر للتعرفة الكمركية / محمد شريف أبو ميسم

يقال ان قانون التعرفة الكمركية رقم 22 لسنة 2010 سيدخل حيز التطبيق ( فيما يتعلق بالمواد الكمالية فقط اعتباراً من اليوم الثاني من العام المقبل 2014 ). ومن المعروف ان قانون التعريفة الكمركية أقر في العام 2010 بعد مطالبات امتدت لسنوات على اثر انفلات السوق الذي جاء به الحاكم الامريكي بول بريمر عملا بما يسمى الاستيراد المفتوح الذي أطاح بعموم الحرف والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بجوار تردي واقع الطاقة الكهربائية. وكانت المطالبات تدعو مجلس النواب للاسراع باقرار القانون بعد أن دخل صالة الاعداد والمراجعة مع لجان المجلس الثلاث سنوات تقريبا ، وحين اقر لم ينشر في جريدة الوقائع العراقية ( لكي يصبح نافذا ) الا بعد عشرة أشهر من تاريخ صدوره ، ورغم ذلك استبشر المحبون لهذا البلد خيرا بتطبيق القانون وكانت أبرز مبررات إصداره وضع تعريفة تتماشى مع إصلاح الاقتصاد العراقي كما جاء في نص القانون.. الا انه لم يدخل حيز التنفيذ بعد أن تراجعت الحكومة عن أول موعد لتطبيقه، وعن المواعيد الأخرى التي حددتها على اثر الضجة المتعلقة بارتفاع الأسعار التي ساهمت بها وسائل اعلام مدفوعة من قوى تجارية منتفعة من انفلات السوق، فاجري التعديل الأول على القانون ولم يدخل حيز التطبيق ، وطرح مقترح اجراء التعديل الثاني والذي تم التصويت عليه في تموز الماضي، الا ان القانون بقي حبرا على ورق وظل المستهلك العراقي والسوق العراقية والمنتوج العراقي عرضة للاغراق السلعي «والاستهتار المفتوح» ( الذي جمع نفايات السلع في السوق العراقية ، واستنزف جيوب العراقيين ، وأطاح ببقايا قدراتهم التصنيعية والحرفية..) ولم تجد محاولات جهاز التقييس والسيطرة النوعية في التعاقد مع شركات عالمية لفحص السلع في دول المنشأ .. ولم تجد محاولات المعابر التجارية الحدودية في الحد من دخول السلع الرديئة النوعية والرخيصة الثمن ، ولم تجد قوانين وتعليمات الحكومات المحلية نفعا بشأن استباحة اسواق المحافظات وافشال أية محاولة لبناء صناعة وطنية حتى في الحلقات التي عرفت بها الصناعات والحرف العراقية، اذ راح الطارئون على التجارة العراقية يستوردون ( الدشداشة الرجالية من الصين ، والعباءة النسائية من ايران ، وحلويات الأطفال من تركيا ووصل الأمر الى حد لايمكن الاشارة اليه في هذا المقال ليتعدى الى استيراد (المهفات التي تستخدم لتحرك الهواء يدويا عند انقطاع التيار الكهربائي في الصيف) والتي عرف العراقيون بصناعتها من سعف النخيل من زمن السومريين، وتفشت في الأسواق سلع «الحاجة بربع» التي أضافت لنفايات المدن مزيدا من الأوزان حتى وصلت الى أكثر من ثمانية آلاف طن من النفايات يوميا تقوم بمعالجتها أمانة بغداد من شوارع العاصمة فقط .
واذا كان ثمة أمل في معالجة هذه التداعيات ، فان تطبيق قانون التعريفة الكمركية بكامل فقراته هو الذي سيساهم في وضع حد لهذه الانعكاسات السلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وان كانت تداعيات التنفيذ في بادئ الأمر ستكون واضحة في حركة الأسعار .. وقد فات من اتخذ مثل هذا القرار في التطبيق الجزئي لبعض فقرات القانون بهدف التقليل من أثر الانحسار في حجم المعروض السلعي ، ان عملية ارتفاع الأسعار في كل مرة يقترب فيها موعد تطبيق القانون ناجمة عن تهويل إعلامي وليست من آلية السوق ( التي تفترض انحسار العرض وارتفاع السعر ) لأن القانون في كل مرة لا يدخل حيز التنفيذ حتى تكون له هذه التداعيات، وبالتالي فاننا نتوقع ارتفاع الأسعار عبر الضجيج الاعلامي، الذي سيصنعه المنتفعون من التجار وستشاركهم هذه المرة قوى سياسية ، لأن موعد التطبيق (وهو في الثاني من كانون الثاني المقبل) سيتزامن مع اقتراب موعد الحملات الانتخابية .. فهل سنشهد تريثا جديدا بتنفيذ القانون هذه المرة أيضا؟