المنبرالحر

وداعا فنان الشعب / حميد فرحان المسعودي

رحل الكبير فؤاد سالم مودعا محراب معاناته دمشق وكل أهله ورفاقه ومحبيه بعد رحلة طويلة مع النضال والمرض والغربة وجفاء الحكام الجدد راسما بعينه المسمرة حدقاتها صوب بغداده وعشار بصرته التي حلم أن يراها في عراق أفضل مما هو عليه.
وحين تكحلت عيناه بمرود حلم طال انتظاره "حلم التغيير" هرع عائدا كالمجنون بحب الوطن الى بلمه العشاري لينشد من جديد ويملأ الدنيا أملا وينثر الفرح في كل مكان رغم آلام قلبه المتعب من غربته الطويلة فأضاف له وجع آخر انه وجع الغربة داخل الوطن.
رحل القلب الذي طالما نبض حبا وتجاوز فيضا وفي عينيه نظرة عتب كبيرة رغم علمه أن العتب لا يليق ولا ينسجم وطبع الحكام وليذهبوا للجحيم طالما هو يستقر في سويداء قلوب لن يغادرها أبدا ليبقى ارثه أنشودة وطن حاضره وصوت شعب.
رحل الصوت الذي طالما أنعش آمالنا دوما بعد كل حال إحباط تحاصرنا رغم انه ظل عشقا بعيد المنال عن عشه المسكون بحب الوطن.
كنا على قمة جبل حديد قرب بنجوين تحاصرنا أوامر العسكر وقسوة الطبيعة ومدافع الجيش الإيراني وكانت سلوتنا الاستماع لاغاني الفنان فؤاد سالم قرب شجرة تحاذي نهرا منساباً كسولاً حتى شاع خبر استماعنا لاغاني فؤاد سالم وأحيانا رياض احمد، وبدأت الحلقة تتسع يوما بعد آخر رغم معرفة الجميع أن الاستماع إلى هذه الأغاني تعني لدى جلاوزة الوحدة ميلا سياسيا فانتشرت الفوضى في وحدتنا وكثرت الغيابات وتعددت حالات عدم الالتزام بالضبط العسكري وعدم أداء التحية وشرب الخمرة ما جعل آمر الوحدة يجمعنا في ساحة كبيرة ليلقي خطبة عن أهمية الالتزام والضبط العسكري وتجاوز كل هذه الحالات فما كان من ضابط التوجيه السياسي إلا أن يقاطع الآمر مستأذنا ومشيرا إلى النقطة الأهم في الموضوع وهي الابتعاد عن الاستماع إلى أغاني فؤاد سالم.