المنبرالحر

منتصرون ومهزومون.. في الانبار/ عبدالمنعم الاعسم

يقع الكثير ممن يتحدثون عن الانتصار والهزيمة في ازمة الانبار في الخلط بين ما يتمناه وما هو في الواقع، وهذه إشكالية بنيوية في العقل السياسي العراقي السائد، إذ نتهرب من رصد الحقائق التي لا نريدها، فيما القاعدة العلمية تؤكد انه لايمكن بناء السياسات والمواقف السليمة إلا بالنظر الى الواقع كما هو، والى النتائج في صورتها الحقيقية، ثم بالاعتراف باحكامها، والعمل على تفكيكها وتغييرها.
القول بان الطرفين (الحكومة وخصومها) كسبا معركة الانبار والخاسر هو الشعب، كما ورد في إجابات كثيرة، هو الأقرب الى القبول (الحذر) بمعناه الآني، اي في ضوء النتائج المتحققة على الارض في الاسبوع الاول والثاني من "غزوة" داعش الى الانبار والفلوجة، لكن ثمة حاجة للنظر الى الموضوع بالمعنى التاريخي، اي الى التوثق مما اذا ستصمد النتائج عند معطياتها الحالية، والى الاحتمالات (تناسب القوى. التدخلات الخارجية. الاصطفافات أو الانشقاقات السياسية الجديدة) التي يمكن ان تقلب المعادلة الى ضدها فينتهي الامر بخذلان الطرفين و"انتصار" الشعب على إرادة الحرب والتجييش. اقول، الاحتمالات، ولا ارجم هنا بالغيب، فان السنوات العشر الماضيات من الصراع اكدت على ان ثمة محركات (أصابع. قوى. مصالح) تبدو خافية في طور ابتدائي من الاحداث ثم سرعان ما تتحرك لتغيير مسارات تلك الاحداث.
ينبغي الاستدراك للقول، حتى الآن لم تلعب الارادة الشعبية، إلا جزئيا، كفاعل في لجم الاتجاهات المناهضة للسلام الاهلي والحياة المدنية أو في ترشيد السياسات، وغياب هذا العامل تسببَ في إغواء اسياد الازمة للمضي قدما في تدمير فرص التغيير الديمقراطي للنظام السياسي، وقد دخل الارهاب والفساد وتدخل دول الجوار من هذه الفجوة ايضا.
اما القول بان احداث الانبار مفتعلة، وقد خُطط لها بغرض تعبئة القوى الطائفية التصويتية، فهو يتسم بالتبسيط الى حدما، وربما بصبح صحيحا اذا ما اعدنا تركيبه على الوجه التالي: حاولت جميع اطراف الازمة توظيف الاحداث (الناجمة عن سلسلة عوامل واسباب كثيرة) في السباق الانتخابي الذي بدأ مبكرا، وثمة عدد كبير من المشاركين حاول التوصل الى هذه النتيجة الصحيحة، وإن بعبارات مختلفة وموجزة.
نحتاج، هنا، الى التذكير بـ (النسبية) الكامنة في ثنائيات الربح والخسارة. الإنتصاروالهزيمة. الفوز والخذلان. الصعود والنزول، إذْ لم يحتفظ الرابحون والمنتصرون والفائزون والصاعدون، دائما، بمواقعهم ونياشينهم وجدارياتهم.. وبعضهم (للتذكير والاتعاظ) تزحلق الى مزبلة التاريخ.
*********
" أن يصل المرء في الوقت المناسب خير من توجيه الدعوة إليه".
غابرييل غارسيا ماركيز