المنبرالحر

الموازنة والضمير الوطني / محمد شريف أبو ميسم

ما من مراقب متفائل بشأن امكانية اقرار الموازنة العامة قبل نيسان المقبل، ومرد هذا التشاؤم يعود للتصعيد الذي تشهده اشكالية ادارة ملف النفط في اقليم كردستان بجانب ما أفرزته ضربات الجيش العراقي للارهاب على ساحة التصارع السياسي(اذ يواصل عدد من النواب مقاطعتهم لجلسات المجلس ).. ففي كل عام وفي ظروف قد تبدو أفضل من الظروف الحالية ، كان التصارع السياسي يؤخر اقرار الموازنة الى أبعد من شباط أو آذار بعد أن تصل مسودة القانون في موعد أقصاه تشرين الثاني ، فيما يتباكى المتصارعون في تصريحاتهم على المواطن "الذي يدفع ضريبة ا?تأخير سنويا" بجانب الأضرار الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد الكلي ، فما بالك في هذا العام الذي خرجت فيه الموازنة متأخرة من مجلس الوزراء وهي تحمل في طياتها مشروعاً خلافياً بشأن ربط تخصيصات حصة الأقليم البالغة 17 بالمئة بما يصدره من النفط والذي حددته الموازنة بنحو 400 ألف برميل يوميا بدعوى ان الأقليم استلم كامل تخصيصاته المالية للعام 2013 دون أن يضع برميلاً واحداً من حصته المقررة للتصدير في انبوب النفط الناقل الى ميناء جيهان التركي والذي حددها قانون الموازنة للعام 2013 بنحو 250 ألف برميل يوميا "بحسب نائب رئيس الو?راء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني".
والسؤال هنا "لماذا يتم تصعيد القضايا الخلافية عند الوصول الى حافة الوقت الضائع؟".. اذ ان الوزراء الكرد انسحبوا من جلسة مجلس الوزراء على اثر تصويت بقية أعضاء مجلس الوزراء على مسودة القانون ، فيما نفى المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء أمر انسحاب الوزراء الذين عقدوا مؤتمرا صحفيا تبين من خلاله ان المشكلة قد لا تحل في وقت قريب وهذا ما أكدته جلسة مجلس النواب ليوم الخميس الماضي التي لم تعقد جراء عدم اكتمال النصاب بعد غياب النواب الكرد ، الذين زادوا من عدد المقاطعين لجلسات المجلس.
ومن اللافت ان عموم التصريحات التي كانت تنطلق من مجلس الوزراء بشأن الموازنة منذ وصولها للمجلس في تشرين الثاني الماضي كانت تتحدث عن تأخير في دراسة الحسابات الختامية ،وتعديلات في بعض أبواب الموازنة ، وكانت هنالك ثمة تلميحات لوجود بعض النقاط الخلافية مع الأقليم ، ولكنها لم ترتق الى مستوى الاشارة لوجود مشكلة كبيرة بهذا الحجم بعد الاعلان عن الاتفاق بشأن تصدير نفط الاقليم تحت اشراف شركة سومو.. ما يرجح ما ذهبنا اليه في مقال سابق ، "اذ ان ثمة رأياً يرى في تأخير اقرار الموازنة في مجلس الوزراء لهذا العام أكثر من دالة? ونحن نقترب من موعد الحملات الانتخابية ، فهذا التأخير لن يضر بالحكومة الحالية كما كان في السنوات الماضية ( بوصفها قائمة على المصلحة العامة) لأنها ستكون بمثابة حكومة تصريف أعمال بعد نيسان المقبل ، ناهيك عن ان المشكلة ستكون في ملعب الحكومة الجديدة (التي ستكون في موضع حسد القوى الأخرى) والتي ستعلق أسباب تداعيات التأخير على رقبة البرلمان الذي ستنتهي دورته في نفس الموعد، ومن المتوقع أن تزيد الحكومة الجديدة من وعودها في تحقيق الانجازات اعتمادا على أموال النفط" .
ويبدو اننا سنشهد حالة عدم اكتمال النصاب في مجلس النواب في الجلسات المقبلة ، فمن المتوقع أن تستمر القوى الكردستانية في عدم حضور جلسات البرلمان كلما قدم قانون الموازنة بجانب غياب بعض المقاطعين على اثر ما يحصل في الأنبار.. وعلى هذا فان البلاد ستتعرض لخسارة تقدر بـ "اكثر من (5) مليارات دولار شهريا " علاوة على كبر حجم الضرر جراء تعطيل عجلة التنمية التي يراد لها أن تدور بمعدلات تساهم في اخراج البلاد من كبوتها، ولكن هل ثمة من يضع مصلحة البلاد فوق المصالح الفئوية؟.
ان المثير للسخرية حقا هو ما يتعلق بالفلسفة الاقتصادية الجديدة التي بشر بها بعض السياسيين حيث تضمن قانون الموازنة الجديد نصا يتم بموجبه اقالة الوزير الذي لا تسجل وزارته نسبة انجاز في صرف التخصيصات المالية بنحو (75بالمئة) ، الا ان تأخير اقرار الموازنة سيجعل من هذا النص ليس بذي جدوى ، اذ لا يمكن اقالة أي وزير او محاسبته بسبب عدم صرف الأموال وخزائن وزارته خاوية من الأموال لأربعة أشهر ". ناهيك عن أن هذا النص سينطبق على وزراء الحكومة الجديدة التي لا يعرف متى تباشر أعمالها في أجواء التصارعات المتواصلة!