مجتمع مدني

وثبة كانون في ذاكرة امرأة / سهاد ناجي

لم يكن يوما عاديا ولا يشبه باقي ايام العام، هو يوم تاريخي لانتصار أرادة الشعب الثائر على القوى الظالمة، في يوم تصدت جماهير الشعب المتسلحة بحب الوطن والناس لسلاح النظام، وقلبت موازين القوى لصالحها وألغت المعاهدة الاستعمارية وأسقطت الحكومة، مطالبة بتوفير الخبز والحرية والكرامة للمواطنين.
هو يوم وثبة 27 كانون الثاني عام 1948.
وتشير الأخبار المؤرخة لوثبة كانون الخالدة، بانها كانت نتيجة حتمية للضائقة الاقتصادية والمعيشية وازمة الخبز التي يعيشها الشعب، كذلك بسبب المضايقات والمطاردات التي مورست من قبل الحكومة ضد الصحافة والاحزاب والحركة الوطنية والحريات العامة تمهيدا لابرام معاهدة بديلة لمعاهدة 1930 وهي معاهدة بورتسموث.
فثار بركان الغضب الشعبي في كافة مدن البلد، وأعلن العمال والطلبة والنساء تضامنهم مع الشعب ضد الحكومة، لتعم التظاهرات السلمية بقيادة الاحزاب الوطنية التي نشرت البيانات منددة بالحكومة والمعاهدة، لكن حشود المتظاهرين جوبهت باطلاق رصاص الشرطة عليهم، ليسمو على أثرها العشرات بين شهيد وجريح فوق جسر الشهداء، وتسقط الحكومة والمعاهدة الاستعمارية بعدها.
ونجد لزاما علينا كنساء عراقيات ان نستذكر الوثبة - مع الأحزاب الوطنية والتقدمية والديمقراطية في كل عام ان نستذكر فتاة الديوانية «بهيجة- فتاة الجسر» التي طرزت رصاصات الشرطة الغادرة قبل 66 عاما جسدها لتزفها كأول شهيدة في بغداد.
لزاما علينا ان نفتخر بالمرأة «عدوية الفلكي» التي تقدمت المسيرة القادمة باتجاه جسر الشهداء حاملة العلم العراقي، وبالنسوة المشاركات في الوثبة اللواتي آزرن اخاهن الرجل، وتضامن مع المتظاهرين غير آبهات برصاص الاحتلال ولا الشرطة، فتجلت صور رائعة للتضحيات والبطولة والتحدي لكل أشكال العنف والإرهاب في العهد الملكي انذاك. فكانت النساء متميزات بالوعي السياسي والحس الوطني رغم التضييق على الحريات والكبت المجتمعي بأعرافه وتقاليده البالية التي تستهدف المرأة بشكل خاص.
قد لا نبالغ ان وقفنا أجلالا واحتراما للمرأة في عهد الأربعينيات من القرن الماضي فهي الأشجع والأقوى والأشد بأسا لو قدرنا بعد السنين عن اليوم، ومدى تطور القوانين العالمية التي تنصف المرأة وتناهض العنف ضدها في يومنا هذا، ولا نبالغ أن اقتدينا بأمهاتنا وجداتنا من المناضلات الوطنيات في الحقبة الماضية، ولا نبالغ ان طالبنا بنصب تذكارية لهن يمجد ذاكراهن في الوثبة او أنشاء مركز ثقافي باسمهن، فهن يستحقن ذلك بل واكثر منه بكثير.