مجتمع مدني

77 عاما على اول قانون عمل في العراق / عاصي دالي

نشأت الطبقة العاملة العراقية في مطلع القرن العشرين وفي ظرف احتدام المعارك الطبقية على النطاق العالمي. كان أمامها تاريخ حافل بالنضالات الطبقية ضد الاستغلال الرأسمالي امتد ما يقارب القرنين، تطور خلالها وعي الطبقة العاملة وأساليب كفاحها ووسائل تنظيمها، فظهر التنظيم النقابي وتطور وبدأت أول مطالبه بتحديد يوم العمل بثمان ساعات عام 1834 في انكلترا وعلى أساس نضالها المجيد ظهرت نظرية الطبقة العاملة وحزبها السياسي وأخذت هذه الأحزاب في مختلف بلدان العالم تعلن عن التضامن والوحدة التامة لمصالح وأهداف العمال في العالم ا?مع وتجتمع في مؤتمرات مشتركة وتتقدم بمطالب مشتركة وأسست عيدا لعموم العمال
ونشأت ايضا في ظرف استطاعت الطبقة العاملة العالمية ان تملي شروطها في تحسين ظروف العمل بقوانين دوليه تلزم جميع الدول المنضمة الى عصبة الأمم سميت في وقتها (ميثاق العمل الدولي) والذي صاغه مكتب العمل الدولي بعد تأسيسه في عام 1919 وكان نشوء الطبقة العاملة العراقية في بداية الأمر في ورش الحرفيين اذ لم يكن في العراق قبل الحرب العالمية الأولى 1914ـــ 1918 من المشاريع الصناعية الكبيرة في بدء ارتباطه بالسوق الرأسمالي العالمي ولكن نشوءها في المشاريع الاستعمارية الكبيرة مثل السكك الحديدية التي توسعت بسرعة خلال سنوات ال?رب وكان هذا المشروع يستخدم خمسة وعشرين ألف عامل وموظف لم يكن عدد العراقيين فيه أكثر من الربع وبعد ثورة العشرين وتأسيس الحكم الوطني وتخفيض جيوش الاحتلال بدأ إحلال العمال العراقيين في مشروع السكك محل العسكريين الأجانب من انكليز وهنود وغيرهم بالتدريج وكذلك في مشروع الميناء وملحقاته ولم يبدأ استغلال أهم مشروع اقتصادي وهو مشروع استثمار النفط إلا في عام 1927 حيث بدا التنقيب في أنحاء متعددة من العراق وحفرت الآبار ومدت خطوط الأنابيب وضخ النفط.
في أواخر العشرينيات بدا تأسيس بعض المعامل ألوطنية ألصغيرة والمتوسطة وتأسيس بعض شركات النقل إذ كان نمو البرجوازية الوطنية بطيئا بسبب ضعف تراكم رأس المال الوطني والمنافسة الشديدة للبضائع الاجنبية وعدم وجود حماية للمنتوج الوطني. وفي الوقت الذي كانت تغتني الاحتكارات وأجهزت الدولة البيروقراطية كان وضع العمال يزداد سوءاً والى جانب القصور الفخمة التي كان يبنيها الأغنياء وأصحاب الشركات الاحتكارية يتكدس العمال في الغرف الرطبة والمزدحمة وتفتك بهم الأمراض الناتجة عن سوء التغذية ومع تزايد عدد النازحين من الريف هربا من?جحيم الإقطاع أخذ يزداد عدد العاطلين والذي يسهل للرأسماليين من استغلال العمال وحرمانهم من ابسط الحقوق وتنخفض الأجور وتطول ساعات العمل ليبدأ من شروق الشمس الى غروبها. ودفع هذا الاستغلال البشع الطبقة العاملة العراقية الى النضال العفوي ضد مستغليها وارتباط هذا النضال منذ البداية بالنضال الوطني ضد المستعمرين الذين كانوا المستغلين المباشرين للطبقة العاملة وبنفس الوقت كانت أقدامهم تدنس تربة الوطن وينهبون خيراته بدون رحمه ولا حدود.
كان للطبقة العاملة دور مهم في جميع التظاهرات التي قادها أبناء شعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي وكان من ابرز قادة إضراب عمال الميناء عام 1924 الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفيقه حسن العياش وكذلك كان إضراب عمال السكك عام 1927 بقيادة المناضل محمد صالح القزاز وهو أول إضراب يتسم بعمق التنظيم وتطور مطالبه فلأول مرة طالب فيها العمال بتشريع قانون للعمل وإطلاق حرية التنظيم النقابي وكان لنجاح هذه التجربة الفريدة والرائدة تأثير كبير على تطور الطبقة العاملة العراقية فبعد سنتين من نضالها الدؤوب والمستمر أسفر عن تأسيس أو? نقابةعمالية عام 1929 وهي (نقابة عمال السكك) وأصبحت مركز جذب لجميع العمال أعقبتها تشكيل (جمعية أصحاب الصنائع) في العام نفسه وفتحت مقرا لها في بغداد وكان مركزا لبث الوعي النقابي والوطني بين العمال.
ساعد تنظيمها الى ولادة حزبها السياسي (الحزب الشيوعي العراقي) في آذار 1934 وإصدار أول جريده له عام 1935 هي (كفاح الشعب) والتي تبنت منذ بدايتها الدفاع عن المصالح الوطنية ومصالح الطبقة العمالية وكانت تحمل على صفحتها الأولى شعار (يا عمال العالم اتحدوا….. يا عمال العراق اتحدوا) وقد أحست الطبقة العاملة العراقية بان إيجاد القيادة السياسية الجديدة التي لا تعتمد على إجازة السلطة وتعمل بدون مساومـة أو مهادنة أو موسمية وهي مسلحة بالنظرية العلمية وخلال سيرة نضالها تمكنت من الضغط على الحكومة مما اضطر رئيس الحكومة آنذك?ياسين الهاشمي من إصدار قانون العمل رقم 72 لسنة 1936 وجاء نتيجة لثمرة نضال الحركة العمالية وسائر نضال الحركة الوطنية العراقية ورغم السلبيات التي رافقته لكنه احتوى على الكثير من الجوانب الايجابية والحقوق العادلة فقد ساوى بين المرأة والرجل في جميع بنوده.
وكان للطبقة العاملة العراقية دورا مهما في نضال الشعب العراقي للقيام بثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 ولكنها تعرضت كما تعرضت القوى الوطنية بعد الانقلاب الدموي في عام 1963 وتعرض قادتها النقابيون الى السجون وتعرض الكثير منهم الى التصفية الجسدية من خلال أحكام الإعدام الجائرة او الموت تحت التعذيب ولم تكتف القوى الرجعية من ذلك وبقيت تناصب لها العداء حتى أصدرت قرارها سيء الصيت ذا الرقم 150 في عام 1987 والذي نص على اعتبار جميع العمال في دوائر الدولة موظفين وكان وراء إصداره أهداف سياسية يراد منها تحجيم دور?النقابات العمالية وعزل العمال عن التنظيم النقابي رغم ان قيادات هذه النقابات كان يتم تعيينها من قبل الحزب الحاكم لكن نظرتهم كانت بعيدة المدى والدليل: ان حال العمال بقي على ما هو عليه فقد بقيت ساعات العمل ثمان ساعات وظروف العمل كما كانت.
فقط الشيء الوحيد الذي تم تغيره هو كما أسلفنا حرمان العمال من العمل النقابي والسؤال الذي يطرح في هذا الوقت لماذا هذا الإصرار من جميع الحكومات المتعاقبة بعد التغيير في 2003على البقاء على هذا القانون الجائر بحق الاف العمال وحرمانهم من حقهم في التنظيم النقابي..؟!