مجتمع مدني

اغتيال روح امرأة في غياب القانون / سهاد ناجي

لأول مرة ينتابني الخوف حين سرت لوحدي في الطريق المؤدي لمنزلي، فرحت التفت ذات اليمين وذات الشمال خوفا من وجود منتسب للقوات الأمنية او عسكري في الشارع يؤدي واجبه، في حين المفترض ان وجود رجل الامن او الشرطي في الشارع هو من ادوات تطمين المواطن ووسيلة فاعلة لضبط الامن وحفظ النظام في المدينة، لا مصدر قلق وخوف للمواطن.
نعم الخوف تملكني حين علمت بنبأ قتل الأستاذ الجامعي والاعلامي محمد بديوي الشمري على يد احد منتسبي قوات الفوج الرئاسي. هذا الأمر أثار موجه استياء كبيرة بين صفوف الأسرة الصحفية والشارع العراقي من عموم الناس حيث سمعت الكثير من الأحاديث المتناقلة فيما بينهم بعد غلق شارع الكرادة بسبب بقاء جثته في الطريق ساعات طويلة. وقد طالب البعض منهم بالاقتصاص من الجاني وفق القانون كي ينال جزاءه العادل، وهذا المطلب عين الصواب وهو ان يأخذ القانون مجراه الصحيح. فيما تنادت أصوات بأبعد من ذلك "الدم بالدم" وقتل كل من يقف الى جانب الجاني وجعل الامر وكأنه احتراب قومي بين كرد وعرب. وقد يتطور الامر الى ما لا تحمد عقباه ويصل الى قتال ونزيف دم لا يتوقف بين ابناء البلد، وما يترتب جراء ذلك من مآس كبيرة تدفع ثمنها بالدرجة الاولى المرأة، كأم وزوجة وأخت وابنة وزميلة وحبيبة. ربما لا يشعر اي فرد بما تعانيه المرأة عند فقدان احد أحبتها، خاصة المرأة العراقية لارتباطها بشكل كبير بولدها او زوجها او أخيها او أبيها.
من واجبنا كمواطنين إدانة واستنكار كل تصرف غير قانوني ولا يراعي مبدأ المواطنة واحترام حرية الإنسان، لكن لابد من الاحتكام لصوت العقل بدءا، والقانون أولا وأخيرا. فبلد لا تؤطره القوانين المدنية كحقوق الانسان وحرية المرأة والتعبير عن الرأي والصحافة, بلد اقل ما يقال عنه غابة ومن بلدان القرون الوسطى. كما ان واجب الحكومة ترسيخ مبادئ المواطنة واحترام حريات الفرد في بلده.
شعرت بالخوف وانا جادة في قولي كوني امرأة وعاملة ومبررات قتلي لا تعد، في بلد اباح ذبح مكتسبات المرأة التي نالتها عبر نضال مرير ولسنوات طوال. ما اخصه هنا هو ذبح "قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1958" بسكين اعمى طائفي (يسمى قانون احوال) ويزيد ويعمق الشرخ الطائفي، يشتت ولا يوحد الصف واللحمة الوطنية لابناء البلد.
كبر خوفي من بلد يعتدي فيه رجل الأمن على المواطن بدل ان يحميه، بلد لا يطور القوانين المدنية بما ينسجم مع المواثيق والعهود الدولية بل يرجعها القهقري، بلد يحصر الحريات المدنية وحرية التعبير عن الرأي في زاوية خانقة. بلد لا خطوط حمراء فيه امام تصرفات المسؤول وامتيازاته الكبيرة، فيما الخطوط الحمراء والبيضاء ومن كل الألوان تفرض على المواطن. بلد يحاسب المجني عليه ويفلت الجاني من العقاب، والفاسد فوق القانون واحكامه. ومن يبيح كل ذلك يجيز اهدار ارواح المواطنين.
بالتأكيد حادثة الأستاذ الشمري لم تكن الاولى ولن تكون الأخيرة ما لم تحترم الدولة المواطن وتحترم المرأة اولا وثانيا وأخيرا.
غاندي: "لا يمكن لهم سلب احترامنا للذات، إذا لم نعطهم إياها".