مجتمع مدني

31 آذار.. يوم عيدي / سهاد ناجي

يوم 31 آذار في عام 1934 قبل ثمانية عقود، التأم عقد النجوم بتوحد التنظيم، معلنة انبثاق شمس الحب والحرية والعشق للحياة وللإنسان والعامل والفلاح والمرأة، شمس العراق الجديد، لتضيء عتمة الليل المدلهم بميلاد الحزب الشيوعي العراقي.
ثمانون من الأعوام اصطفت كحبات اللؤلؤ في جبين العراق، اعوام من النضال بحلوها ومرها، بظلمها وعسفها وبفسحة الحرية الصغيرة احياناً قليلة التي أباحتها للشيوعيين، الذين لم يكلوا او يملوا من المطالبة بحق العامل والفلاح وشغيلة الفكر واليد، لم يهنوا او يضعفوا, لم ينكسروا رغم قوافل الشهداء الممتدة على طول الدرب، كانوا كالنجوم ان سقط شهاب او هوى، سمت عوضا منه شهب وشهب.
ثمانون عاما مضت ولم تمض من الهمة الا سويعات، مازال الرفيق الخالد فهد ومنذ أطلاق أول شرارة لتنظيم الحلقات الماركسية في عام 1927 وليومنا هذا، نكاد نراه فينا وبيننا او قد توارب بين صفوف المحتفين بعيد التأسيس، مازال صوت الرفيق سلام عادل يرن في آذاننا ويعلو فوق صوت الهاتفين. فنردد "اللي يمشي بدربنا شيشوف، يا بو علي؟ لو موت لو سعادة" ما زالت الثمانون عاما من النضال تشد أزرنا وتقوي عزمنا لنبعث من جديد.
يوم العيد له مذاق خاص, بل هو أحلى من الفرحة نفسها، انه القناعة بالسعادة المطلقة التي يتمناها الفرد، لصواب الفكر والعقيدة والمبدأ والطريق طريق التحرر.
في يوم العيد استيقظ أبي المسن الذي تجاوز العقد السابع من عمره، منتشيا فرحا. على غير طبعه لم يتناول الإفطار، بل خرج مسرعا ليعلق لافتة تهنئة الحزب بالعيد في احد الشوارع. لم ألحظه فرحا هكذا ويكاد يطير كحمامة سلام، بدا أنيقا حين لبس الزي الرسمي الذي اشتراه قبل اشهر مضت واحتفظ به لهذه المناسبة. كذلك امي فاجأت الجميع بملبسها الجديد، ورددت مرات "لست أقل منه، أني شيوعية" فيما ابنتي لبست فستانا ابيض لتبدو كالأميرة.
"الله يا هل الحزب شمسوي بينا الله" أسمعت او شاهدت او نقلت لك الأحاديث عن حزب تحتفي به المرأة قبل الرجل, ان يكون مصدر سعادتها وقناعتها، ان تتبارى المرأة لتسبق أخيها وتحتفي بيوم العيد؟
أهو حلم؟ ام يقظة؟ ام صحوة بعد نوم؟، النسوة, وعلى طول الطريق الممتد من مقر الحزب ولغاية حديقة الاحتفال, يتسابقن للوصول الى ساحة الاحتفال ليحجزن لهن مكانا بين صفوف المحتفلين.
فرحة عيد التأسيس كانت واقعا وحقيقة تجسدت بالاحتفالية التي جاورت ضفاف دجلة فكان فرحا نابعا من قلوب عشاق الحياة، سعادة تملكت المرأة بصورة الام والاخت والابنة والصديقة والرفيقة، لحزب الشغيلة والكادحين. سعادة ألبستها ثوب الزهو والعنفوان فتجسدت بأبهى الصور وأحلاها, أطرتها نشوة الامل بولادة نهار مشمس لا غيوم فيه ولا رعود, ولا عسف ولا ظلم بحقها. قلدتها سلاح النور ضد اي ظلام يلف حياتها، فالثقة والتحدي والشموخ والقناعة, كانت ادواتها, لان القادم من الايام لها، لأنها صانعة الحياة والمستقبل السعيد.
وقد قيل "الهدف ليس العيش للابد. الهدف هو صنع شيء يبقى للابد".