مجتمع مدني

دور التعليم في تحقيق التنمية البشرية / نعمت الأغا

إن التطور التقني الذي حصل في اقتصاديات الدول المتقدمة، ما هو الا نتاج العملية التعليمية، والتدريب الذي يحسن القدرات البشرية، ويساهم في النمو الاقتصادي، الذي ينعكس على التنمية البشرية .
فالارتفاع المستمر في المستويات التعليمية، وفي مهارة القوى العاملة أصبحت بسبب التقدم التكنولوجي الواسع الذي تعيشه دول العالم المتقدمة من المستلزمات الضرورية لزيادة الإنتاجية ومواصلة النمو، فالتقدم التكنولوجي يحتاج إلى توفير مستوى متقدم لنوعية العمل البشري، وهذا يتطلب اتفاقا على تدريب القوى العاملة، بمقدار يزيد على ما يخصص لوسائل إنتاج أخرى . وهنا يصبح التعليم فرعا من فروع الاقتصاد من حيث دلالاته وطرق تطوره . من المعروف وجود علاقة متبادلة، بين التطور التكنولوجي، وعملية تكوين المهارات وتنميتها عند الدارسين .
فالتطور التكنولوجي يساهم في تكوين المهارات وتنميتها وبالمقابل فان تكوين المهارات وتنميتها يساهم في التطور التكنولوجي من خلال عمليات الابتكار والتجديد التي تقوم بها القوى العاملة الفنية صاحبة المهارة والاختصاص .
وتأتي مسالة هامة، وهي إن عائد الاستثمار البشري، في إعداد الفنيين ورجال العلم والبحوث والمختصين في المسائل الفنية لا يخضع لقانون تناقص الغلة،إنما ينتقل في مسالة الإنتاج إلى مستوى أفضل، ويصبح العائد منه غير محدود، من دون الالتزام بزيادة رأس المال .
إن التفاوت في التكنولوجيا وأنظمة المعلومات اتسعت لدى الدول المتقدمة وازداد الإنفاق على البحوث والتطوير . ففي الوقت الذي لم تزد مصاريف الدول النامية في السبعينات على أكثر من 3بالمائة من جملة المصروفات التي تنفق على البحث والتطوير، بينما تستثمر الدول المتقدمة 1،5بالمائة إلى 2بالمائة من دخلها في إعداد الباحثين والفنيين . وقد انفقت بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على البحث والتطوير أكثر من خمسمائة مليار دولارا .
من الأمور المعروفة، ان للبحوث العلمية والتكنولوجية أهمية كبيرة في زيادة الإنتاجية، وجودة المنتج، وخفض الكلفة، وقد أدركت الدول المتقدمة هذا الأمر، بحيث ظهر إن 94بالمائة من مجموع حقوق الاقتراع التي سجلت عام 1975 تعود للدول المتقدمة . بينما لا يتجاوز نصيب بقية دول العالم 6بالمائة فقط .
وتعتمد الدول النامية على الأساليب الجاهزة في تخطيط المشاريع وتنفيذها من قبل مقاولين أجانب، أو استيرادها جاهزة، من دون بذل جهود فعلية كافية لنقل التكنولوجيا المناسبة واكتسابها وتطويرها، وهذا الأمر يعكس تكريس التبعية التكنولوجية للدول الصناعية المتقدمة، إضافة إلى الحاجة الدائمة إلى استخدام الخبرات الأجنبية، إلى إن يتوفر خبراء محليون . وهذا يكلف الدول النامية أموالا ضخمة، إذ يصل مجموع ما تنفقه على الخبراء حوالي 15 مليار دولار سنويا . تنفق 95بالمائة على الخبراء الأجانب و 5بالمائة على المحليين . وهذا المسالة تبين ضرورة دعم القدرات الوطنية العلمية، والابتعاد عن طلب المساعدات التقنية الأجنبية .
ان عدم توفر المناخات المناسبة للعلماء والباحثين في الدول النامية يدفعهم إلى الهجرة للعمل في الدول الرأسمالية المتقدمة، وهذا يسبب خسارة ضخمة للدول النامية وبنفس الوقت يعود بالمكاسب الكبيرة على الدول المتقدمة .
ويعتمد نظام التعليم في أمريكا على المهاجرين الذين قدرت خسارة الدول النامية حوالي 464 مليون دولار نتيجة هجرة العقول والقوى العاملة الى أمريكا حسب تقديرات مكتب خدمات وأبحاث الكونكرس الأمريكية .
لقد أحاطت الدول الرأسمالية المتقدمة التكنولوجيا بحماية خاصة لأنها ميزة حاسمة في المنافسة العالمية . ووضعت الدول المتقدمة اتفاقية خاصة لحرمان الدول النامية من قطاعات المعرفة المتحركة، حيث ستمكن الدول من مراقبة السوق العالمي عن طريق الشركات متعددة الجنسيات . ولتحقيق التقدم التكنولوجي المنشود من الضروري تهيئة البيئة المناسبة والاستقرار السياسي والاقتصادي .
وتؤثر التكنولوجيا في التنمية البشرية بطريقتين أولاهما تؤدي إلى تعزيز القدرات البشرية مباشرة، كتوسيع المعارف، وتحسين الصحة الوقائية من الإمراض وثانيهما : تؤدي إلى مزيد من النمو الاقتصادي .
وأخيرا فللتعليم اهميتة في تحقيق التنمية البشرية من خلال :-
1- الاهتمام بالتعليم النظامي لجميع مراحله وتنوعاته.
2- الاهتمام بالتعليم غير النظامي و سواء كان من خلال خفض معدلات محو الأمية أو التدريب، لما في ذلك من اثر ايجابي في تحسين القدرات البشرية ورفع إنتاجيتها، ومساهمتها في تحقيق زيادة في معدلات النمو الاقتصادي. وبنفس الوقت تحقيق التنمية البشرية المنشودة .