مجتمع مدني

العنف الأسري.. جرائم خفية داخل البيوت / أسعد عبد الله عبد علي

"شهد"، صبية يافعة جميلة، ابنة 10 أعوام، تعيش مع أبيها وزوجته. أمها مطلقة منذ عدة أعوام، بالكاد يراها الجيران في النهار، اما أثناء التنظيف أو عند شراء قنينة غاز من البائع داخل الزقاق. عدا هذا لا يعرف شيء عنها، ولا عن البيت الذي تسكنه، فغالبا ما يكون الباب موصدا، كما أن الأب يعيش في عزلة، لا يخالط أحدا، ولا يشارك في المناسبات الاجتماعية، ونادرا ما يراه الجيران بملامح وجهه المتجهمة، وهو يذهب الى مكان عمله أو يعود منه.
ولكن لاحظ الجيران أمرا غريبا يحدث داخل ذلك البيت. ففي كل ليلة تقريبا تتناهى الى سمعهم صرخات ابنته شهد، بكاء وعويل واستغاثات، لكنهم اعتادوا عليها، ولم يعرفوا سرها أو يبادروا لمعالجتها بسبب صرامة جارهم والعزلة التي يتمسك بها. اضافة الى أن الأمر بدا لا يعنيهم كثيرا، فللبيوت أسرارها، وما يسمعونه يعد في خانة الأمور الخاصة العائلية، رغم أن النحيب والاستغاثات والتوسلات تقض مضاجعهم وقبل هذا تحطم قلوبهم. لكن الجيران ألفوا كل هذا من ذلك البيت، ولاذوا بالتعوذ والحوقلة ولم يتحرك أحد منهم.
مرة، تجرأ رجل مسن جار لذلك البيت الغريب وسأل الرجل المتجهم عن سر ذلك البكاء والعويل، فانزعج وقطب حاجبيه مبديا امتعاضه من ذلك الفضول، واكتفى بنصيحة العجوز بعدم التدخل في ما لا يعنيه، معللا الأمر بالعائلي والشخصي. وحين اندفع العجوز وقال محتجا: أعرف ذلك ولكن النواح والتوسلات والاستغاثات تتكرر يوميا، وهي "تكسر الما ابقلبه رحم" فكيف تطالبني بعدم التدخل؟.
أجابه الجار غاضبا: لولا أنك رجل عجوز لأسمعتك ما لا يرضيك. انصرف واتركنا في حالنا.
ولكن حصل ما لا تحمد عقباه، وحلت الليلة الفاصلة، وجاء مسك الختام لذلك اللغز الليلي المكرر. فقد انطلقت صرخات عالية جدا، مصحوبة بعويل واستغاثات نابعة من القلب، ورافق ذلك غضب هستيري وكلمات نابية وصخب من داخل ذلك البيت. ولم يجد الجيران بد من التدخل والاستجابة مهما كلف الأمر، فتجمعوا بسرعة وتشاوروا في الأمر ثم طرقوا على الباب وطالبوا علنا بصيغة الأمر بفتح الباب.
لم يجد الجار وسيلة لمنعهم ففتح الباب، شاهد الجيران جارهم وهو يمسك بحزام جلدي غليظ وقد طغت على وجهه ملامح الغضب، وبادرهم بالسؤال:"شكو اشرايدين"؟
- ما هذا الصراخ والاستغاثات؟ نحن نعرف أن ابنتك شهد هي التي تصرخ وتستنجد بنا.
- ابنتي وأنا حر بها
- حر بها، ولكن ليس في استخدام هذا العنف، نحن بشر، وجيران.
- اتركوني أربي ابنتي وتفضلوا رجاء
- لن نتركك، ويجب أن نضع حد لهذه المهزلة.
وبينما كان الجار يحاججهم وتلين نبرته لاسترضائهم ومراوغتهم، اندفع بعض الشباب الى داخل البيت، وبحثوا عن شهد داخل غرف البيت، فعثروا عليها داخل المطبخ وهي تتلوى على الأرض، شبه مغمي عليها، ومضرجة بالدماء، فحدث لغط داخل البيت، وسارع البعض الى اسعافها ولكنهم فوجئوا بكسر في يدها اثر ضربها بقضيب حديدي، اضافة الى كدمات ورضوض وجروح متفاوتة الشدة في وجهها وجسدها ويديها وأقدامها. فقرروا نقلها الى المستشفى على وجه السرعة، بينما هاج بعض الشباب واعتدوا على الأب وحدثت مشادة كلامية وتهديد.

عنف.. عنف

يعرف العنف الأسري بعدد من الأشكال منها الاعتداء الجسدي، كالضرب، والركل, والعض, والصفع. والرمي بالأشياء وغيرها. أو التهديد النفسي كالسيطرة أو الاستبداد أو التخويف, أو الملاحقة والمطاردة. أو الاعتداء السلبي الخفي كالإهمال, أو الحرمان الاقتصادي, وقد تصاحب العنف الأسري حالات مرضية كإدمان الكحول والأمراض العقلية.
والتوعية تعتبر من الأمور المساعدة في علاج العنف الأسري والحد منه. وتختلف معايير تعريف العنف الأسري اختلافاَ واسعاَ من بلد لبلد ومن عصر لآخر. اذ لا يقتصر العنف الأسري على الإساءات الجسدية الظاهرة بل يتعداها ليشمل أموراَ أخرى كالتعريض للخطر والإكراه على الإجرام أو الاختطاف أو الحبس غير القانوني أو التسلل أو الملاحقة والمضايقة.
هناك آراء مختلفة عديدة في أسباب العنف المنزلي, هناك النظريات النفسيّة التي تدرس السّمات الشخصيّة والخصائص العقليّة لمرتكب الجريمة, وكذلك النظريات الاجتماعية التي تنظر في بيئة مرتكب الجريمة؛ مثل كيان الأسرة, الضغط, والتعلّم الاجتماعي. وكما في كل الظواهر المتعلقة بالتجربة البشرية؛ لا يوجد منهج كامل بإمكانه تغطية كل الحالات. بينما هناك الكثير من الآراء والنظريات حول الأسباب التي تدفع أي فرد للتصرف بعنف تجاه شريكه العاطفي أو أفراد عائلته. هناك أيضاً اهتمام متزايد بالدورات الظاهرة بين الأجيال في العنف المنزلي. في أستراليا مثلاً تم تحديد أن ما نسبته 75 بالمئة من ضحايا العنف الأسري هم من الأطفال, وبدأت خدمات لضحايا العنف المنزلي مثل "أطفال مشرقون" تركز عنايتها على الأطفال الذين تعرضوا للعنف المنزلي. وترجح الاستجابات التي ركزت على الأطفال أن خبرات الفرد طوال حياته تؤثر على نزعته لممارسة العنف الأسري (سواء كان ضحيةً أو جانياً). وتقترح الدراسات المؤيدة لهذه النظرية أن من المفيد التفكير بثلاثة مصادر للعنف المنزلي: التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة, التجارب السابقة للعلاقات الثنائية في مرحلة المراهقة, ومستويات التوتر في حياة الفرد الحالية. والأشخاص الذين لاحظوا عنف والديهم تجاه بعضهما, أو كانوا هم أنفسهم تعرضوا للعنف، قد يمارسون العنف في سلوكهم ضمن علاقاتهم التي يؤسسونها كبالغين.

الأسباب النفسيّة

تركز النظريات النفسية على السمات الشخصيّة التي "تتضمن الانفجارات المفاجئة للغضب, وضعف السيطرة على الانفعالات, وضعف احترام الذات" والخصائص العقلية للجاني. وتشير نظريات متعددة إلى أن الاضطراب النفسي والاضطرابات الشخصية الأخرى هي عوامل, وهذا الأذى الذي يتعرض له الأشخاص في مرحلة الطفولة يقود بعضهم إلى أن يصبحوا أكثر عنفاً عندما يصبحون راشدين. وقد وجدت الدراسات أن هناك علاقة متبادلة بين جنوح الأحداث والعنف المنزلي في مرحلة البلوغ. وتبين أيضاً أن هناك ارتفاع في حالات الأمراض النفسيّة بين ممارسي ومرتكبي العنف. على سبيل المثال, تشير بعض الأبحاث إلى أن حوالي 80 بالمئة من الرجال في دراسات العنف المنزلي معرضون لأمراض عقلية, اضطرابات بالشخصيّة. و"تقدر نسبة الاضطرابات الشخصية بأكثر من 15-20 بالمئة من عامة السكان وكلما أصبح العنف خطيراً ومتكرراً في أية علاقة، زادت احتمالية الأمراض العقلية عند هؤلاء الرجال بما يقارب 100بالمئة". يشير (دوتون) إلى أن التشكيل النفسي للرجال الذين يسيئون معاملة زوجاتهم تظهر أن لديهم قلقاً طويل الأمد تطور مبكراً في حياتهم.
على كل حال, فإن هذه النظريات النفسية غير متفق عليها: ويرجح (جيليس) أن هذه النظريات النفسية محدودة, ويشير إلى أن الأبحاث الأخرى وجدت أنه فقط 10 بالمئة (أو أقل) ينطبق عليهم هذا التشكيل النفسي. ويذكر أن العوامل الاجتماعية مهمة, بينما السمات الشخصية, والأمراض العقلية أو النفسية أقل تأثيراً.
إن جميع أشكال العنف المنزلي لها هدف واحد هو تحقيق السيطرة على الضحية والحفاظ عليها. ويستخدم المعتدون أساليبًا كثيرةً لممارسة قوتهم على الزوج أو الشريك: كالسيطرة، والإذلال، والعزل، والتهديد، والتخويف، والحرمان، واللوم.

آثار العنف الجسدي:

كدمات, كسور العظام, إصابات الرأس, تمزقات, ونزيف داخلي. هذه بعض التأثيرات الحادة التي تحدث وتتطلب العناية الطبية. وتوجد بعض الحالات الصحية المزمنة التي تم ربطها مع ضحايا العنف المنزلي كالتهاب المفاصل, متلازمة القولون العصبي, الآلام المزمنة, آلام الحوض, القرحة, والصداع النصفي. ويزداد العنف المنزلي خطورة في حال إن كانت الضحية حاملا فيسبب الإجهاض, اوالوضع قبل الموعد, إصابة أو وفاة الجنين.
العنف اللفظي

الاهانة اللفظية هي نوع من أنواع العنف العاطفي وتشمل استخدام اللغة، ويمكن الإشارة لها أيضاً على انها فعل تهديد، فتهديد شخص ما، تقول له بشكل صريح وواضح انك قد تؤذيه بطريقة ما، وهذا يُعتبر عنفاً، وقد يشمل ذلك استخدام لغة الاساءة وهذا يحدث باستخدام أو عدم استخدام الشتائم. الاهانة اللفظية قد تشمل أفعالاً عدوانية كالشتم واللوم والسخرية والازدراء والانتقاد، ولكن هناك أيضاً اشكالاً اقل وضوحاً للإساءة اللفظية، التعبيرات اللفظية التي تبدو سليمة وخالية من الاساءة ظاهرياً قد تحمل في طياتها محاولات للاهانة أو للاتهام ظلماً أو للتلاعب بالآخرين للقيام بافعال غير مرغوبة أو لأشعارهم بأنهم غير مرغوب بهم أو انهم غير محبوبين أو لتهديد الآخرين مالياً أو لفصل الضحايا عن مصادر الدعم.
في سلوكيات (جيكل وهايد)، المعتدي قد يتقلب ما بين نوبات غضب مفاجأة وبين بشاشة كاذبة باتجاه الضحية أو قد يُظهر "وجهاً" آخر مختلفاً جداً إلى العالم الخارجي، في حين ان الاتصال اللفظي هو الأكثر شيوعاً من أنواع الاهانة اللفظية، الا انه يشمل أيضاً الاتصال التعسفي بشكل مكتوب.
العنف الأسري الموجه ضد الأطفال هو جريمة يومية تحصل في البيوت من دون أي ردع او أي جهد للاصلاح, والضحية هم الأطفال. والبعض يبرر العنف بأنه نوع من التربية لكي نخلق رجالاً أقوى وليسوا "مائعين"!، والبعض يعتبر ذلك من الخصوصيات ولا يحق لأحد التدخل في شؤون التربية البيتية، بينما يذهب البعض الى أن الأطفال ملك لذويهم!.
لكن الحقيقة الوحيدة التي نعرفها أن الأطفال تصادر حقوقهم ويتم الاعتداء عليهم تحت عنوان التربية, وتتم مصادرة حقوقهم في اللعب واللهو ومتطلبات النمو العقلي والنفسي.
التقينا ببعض الأطفال للتعرف على معاناتهم من أفواههم:

أبي أراد حرقي بالبنزين

يقول الطفل ابراهيم (10سنوات): أعيش في بيت خالتي منذ مدة، لان أبي هددني بالحرق, بل حاول حرقي، فقد جاء ذات مرة بالبنزين وسكبه على ملابسي ولولا تدخل جارنا لأحرقني، ووقتها هربت الى بيت خالتي.
وأضاف: كنت لا أنام في بيتنا لأن أبي يضرب أمي وتبقى للصباح تبكي فأبقى ابكي معها كلما سمعت صرخاتها, فقد كان يضربها بقطعة خشب يحتفظ بها تحت السرير.

زوجة ابي كسرت يدي

تقول الطفلة وسن (12 سنة): في العام الماضي كسرت زوجة ابي يدي بالمطرقة، فهي تكرهني وكانت تعذبني يوميا, لكن عندما كسرت يدي وعرف أخوالي بالموضوع, تشاجروا مع أبي وأخذوني معهم, وتخلصت من محنة زوجة الأب, ولكن أبي مسكين, لقد كانت حياتنا جميلة، لكنها انقلبت عندما توفيت امي وتزوج ابي, اليوم أخاف كثيرا من الظلمة لأنها كانت تحبسني في دولاب الملابس لساعات عديدة!

أنا أكره أبي لأنه كان يضربني

أما الطفل يوسف (7سنوات) فيقول: أنا أكره أبي, وأخاف منه!، فهو يضربني دائما بقطعة حديد, يحتفظ بها في خزانة الكتب, نعم أكره أبي لأنه يبصق علي ويشتمني, انه يكرهني ولا يهتم بي ولا يشتري لي شيئا , الآن أنا في الشارع بعد أن هربت.

أحرق أبي أصابعي بولاعة

اما الطفل سلام (8 سنة) فيقول: احرق أبي أصابعي بولاعة السكائر لأنه منزعج مني! فأصبحت لا أتكلم خوفا منه، وبت كل ليلة احلم بأبي وهو يحرق وجهي بالولاعة ذاتها، أخاف من ابي فهو لا يحبني!

ظاهرة غدت شائعة

يقول المواطن محمد حسين: العنف له أسباب، منها الحروب المتكررة التي أثرت كثيرا بالمجتمع العراقي , فالحرب انتجت آلاف الاطفال اليتامى، وهذا الأمر لم تتم معالجته، بل تفاقمت القضية نتيجة الإهمال المتعمد من جانب النظام المقبور, وكان الضحية هو الطفل, مما تسبب بضياع أجيال وتحولهم الى قنبلة موقوتة لشتى قوى الشر والرذيلة. وما يحصل من ارهاب اليوم ليس ببعيد عن مشكلة الثمانينيات والتسعينيات, خصوصا مع وجود جهات تستغل مشاكلنا لتنمي روح الكراهية عند الاطفال ثم لتدفعهم نحو تبني مآربها الدنيئة.
وأضاف: اليوم نحن بأمس الحاجة لإيجاد خطة وطنية ممنهجة لتصحيح المسار وإنقاذ الأطفال فالعنف الموجه ضدهم يخلق عقدة مستحكمة تنفجر في المستقبل على شكل سلوك غير سوي وعنيف.

العنف يعتبره البعض تربية!

المواطن موسى الشمري يقول: ضرب الأطفال من قبل الوالدين متفش، وأحيانا يصل للضرب بالآت حادة او خطرة كأنبوب حديدي او بلاستك او بالحرق أحيانا! وهذا يدعي بعرفهم تربية وخلق جيل مطيع للوالدين!، فأي أفكار غريبة تسيطر على عقول هؤلاء، وهي ترتضي هكذا سلوكيات خاطئة وترسمها بعنوان تربية للطفل!
وأضاف: نحتاج إلى تشريعات تضاهي ما معمول به في العالم المتحضر لحماية الطفل من العنف. الأمر متوقف على البرلمان ليشرع والحكومة لتنفذ, كي نحمي الأطفال من العنف.

الكحول سبب مهم للعنف

تقول المواطنة اسيل الفرطوسي: جارنا كان يتعاطى الخمر كثيرا, وكان يضرب ابنه الصغير محمود باي شي متاح, فيصرخ الطفل ويتألم ويشكي لنا, وكثيرا ما يزرقّ وجهه ويداه بفعل الضرب. اما أمه فكان ينالها قسط أكبر من العنف, وفي أحدى الليالي سكت محمود ولم نعد نسمع صرخه. قلنا عسى ان يكون ابو محمود قد غير سلوكه, لكن بعد يومين اكتشفنا ان ابو محمود وفي حالة سكر قتل ابنه بضربه على رأسه بأنبوب حديد! ولم ينتبه الا بعد ان أفاق من سكره! الطفل محمود كان ضحية للعنف.

صور العنف

العنف الجسدي هو عنف يتضمن احتكاكاً يهدف إلى التسبب في الشعور بالخوف، والألم، والجرح، أو التسبب في المعاناة الجسدية، أو الأذى الجسدي. يشمل العنف الجسدي الضرب، الصفع، اللكم، الخنق، الدفع، الحرق، وغيرها من أنواع الاحتكاك التي تؤدي إلى الإصابة الجسدية للضحية. ويمكن أن يشمل العنف الجسدي السلوكيات أيضاً مثل حرمان الضحية من الرعاية الطبية عند الحاجة، وحرمان الضحية من النوم أو وظائف أخرى ضرورية للعيش، أو إجبار الضحية على الانخراط في استخدام المخدرات والكحول ضد إرادتها. إذا كان الشخص يعاني من أي أذى جسدي فهذا يعني أنه يواجه عنفًا جسديًا. هذا العنف يمكن أن يواجهه في أية مرحلة. ويمكن أن يشمل أيضاً توجيه الأذى الجسدي على أهداف أخرى مثل الأطفال، أو الحيوانات الأليفة وذلك من أجل إلحاق الأذى النفسي بالضحية.
العنف العاطفي
يشمل الاعتداء على الضحية وإذلاله إما سراً أو علناً, التحكم بالممارسات التي يمكن أو لا يمكن للضحية القيام بها, إخفاء بعض الحقائق عن الضحية, تعمد إحراجه أو الانتقاص من قيمته, أيضًا عزل الضحية اجتماعيًا بإبعاده عن عائلته وأصدقائه، بالإضافة إلى ذلك يتم ابتزاز الضحية بإيذاء الأخرىن من حوله متى ما شعر بالسعادة والاستقلال الذاتي. من صور الاعتداء العاطفي أيضًا الحيلولة بين الضحية وكل ما قد يحتاجه من موارد أساسية في حياته كالمال مثلاً، هذا، وكل ما قد يتسبب بإهانة الإنسان يندرج تحت مسمى العنف العاطفي. العنف العاطفي يتضمن أية إساءة لفظية يمكن أن تحمل خلالها تهديدًا للضحية, أو إخافته, أو التقليل من قيمته أو ثقته بذاته أو تقييد حريته. من صور العنف العاطفي أيضًا أن يتم تهديد الضحية مع إيذائه جسديًا كمثال لذلك: يهدد الضحية بأنه سيقتل في حال فكر بأن يتخلى عن علاقته بالجاني. بالإضافة إلى ذلك يهدد الضحية بأنه سوف يفضح علنًا إذا ما أقبل على هكذا تصرف. من الصور الأخرى للعنف العاطفي الانتقاد المستمر بتوجيه الشتائم إلى الضحية وإطلاق بعض العبارات عليه ما من شأنه أن يقلل من ثقته بنفسه وهذا ما يسمى بالعنف اللغوي العاطفي.

حبوب الهلوسة هي السبب

أم محمد (موظفة حكومية) تقول: نسبة العنف ارتفعت بعد انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة, خصوصا انها تجعل المتعاطي لا يدرك ما يفعل ويتحول لحظة التعاطي لشخص عنيف جدا! فنسمع عن حالات كثيرة من قضايا العنف ضد الاطفال من قبل الآباء المتعاطين للمخدرات.
وأضافت: القضية تدخل في صميم مشاكل المجتمع التي يجب أن تعالج ويكون لها حل حقيقي, لا أن تترك هكذا من دون أية ردة فعل ,والضحية الأطفال, فتخيل معي اي جيل سيكونون؟ اننا نعرف أن هذه القضايا لها الأولوية في الدول المتطورة ولا تترك للفوضى بل يقومون بعلاجها عبر برامج مكثفة ومراقبة من قبل كل الجهات الحكومية والمدنية.
سبب العنف العقد النفسية

الطالبة الجامعية فريدة. س، قالت: الاسباب كثيرة للعنف ضد الاطفال, وانا اشخص الخلل في الحالة النفسية, فبسبب الارهاب والخوف والقلق والبطالة والفقر, كل هذه الاسباب تخلق انسانا مضطربا عصبيا بنسبة معينة مما يجعله يمارس العنف ضد ابنائه كتفريغ لما يعانيه من خوف وقلق وحاجة مستمرة, لذا فالحل يجب ان يسير بشقين الأول رفع عوامل الخوف والقلق عن المواطن عبر توفير الأمن والأمان, مع وضع سياسات لمحاربة البطالة والفقر. والشق الثاني يكون عبر وضع تشريعات تحمي الطفل من العنف الأسري.

الإجبار على ترك الدراسة عنف

السيد حسنين الحلفي، (تربوي)، يقول: العنف ضد الاطفال لا يأخذ شكل الضرب فقط , بل له أشكال قاسية جدا, فبعض الآباء يجبر ابنه على ترك المدرسة ويفرض عليه العمل او الانخراط في اعمال التسول ومطالبته بجلب مبلغ يومي وإلا طرده الى الشارع!، فأية قسوة أكبر من هذه!؟ نحن اليوم مطالبون بإحداث حراك شعبي للضغط على البرلمان لتشريع قوانين تحمي الطفل العراقي من عنف الأسرة.

ضربة مطرقة تنهي مستقبلاً منيراً

يقول محمد جاسم، (باحث): أتذكر ابن جارنا منير الطفل الصغير ذا الشعر الاشقر، كنا جميعا نحبه , لكن ما ان أصبح في الثامنة من العمر حتى اجبره والده على ترك الدراسة فتوسلنا به للعدول عن فكرته، لان الابن ذكي ويستحق ان يكمل دراسته, لكن الأب العنيد رفض توسلاتنا، وزجه للعمل في ورشة نجارة مع احد اقاربه , وبعد اشهر تعرض الطفل لضربة شديدة على رأسه بمطرقة الاسطة، لأنه انزعج من عمل منير! ومنذ تلك الفترة والطفل يعاني من أمراض عصبية ونفسية لم يحلها الطب, وتركه ابوه في البيت لانه لا يملك المال لعلاجه. هذا نوع من العنف الموجه من الاب الى الطفل بإجباره على التنازل عن حقه بالدراسة. إننا اليوم نطالب الحكومة بوضع آلية معينة تفرض على كل الأسر استمرار ابنائها بالدراسة والا تعرضوا لعقوبات مالية كبيرة, عندها سنرى التزاما كبيرا من قبل الأهالي.

العنف الجنسي تحت طي الكتمان

تقول سعاد اللامي (ناشطة اجتماعية): العنف المسلط على الأطفال في البيوت كبير جدا وأشده هو الاعتداءات الجنسية من قبل آباء متعاطين للخمر او المخدرات والتقارير تشير الى نسبة معينة يتهم بهتك عرض الطفل او الطفلة من قبل الآباء، وهذه الأمور في الأغلب تبقى طي الكتمان لا احد يعلم بها الا النادر يصل إلى الإعلام او الجهات المختصة. اننا نعاني من ضعف المنظومة الرقابية والعقابية لهكذا جرائم.

اشد أنواع العنف عدم احترام الطفل

اما سعد البياتي، (مدرس) فيقول: أكثر أنواع العنف بشاعة ضد الطفل هو عدم الاحترام. فهذا يهد شخصية الطفل, ويجعل منه ضعيفا مهزوزا لا يقوى على القيام بشي وهو ما يحصل يوميا عبر شتائم لا تنتهي ومسميات لقصد الاستهزاء تطلق على الطفل , وهي تحطم الطفل داخليا ولا يقوى على الدفاع عن نفسه.
وأضاف: نحتاج الى ثقافة ترقى بالتربية داخل الأسرة, فأساس التعامل مع الطفل لا يفهمه الكثيرون، ويعتقدون أن العنف يخلق رجالا أقوياء للمستقبل! مع انه رأي ضعيف لا يصمد أمام حقيقة خطيئة العنف الموجه للأطفال!

فكرة للحل

قلة الوعي سبب المشكلة

ويضيف ابو كميل الكناني: المشكلة لا يمكن السكوت عنها او تجاهلها فهي تدمر اجيال المستقبل بفعل قلة الوعي وعدم الدراية بمدى تأثير الكلمة البذيئة الموجهة للطفل او القسوة في بناء شخصيتة. نحتاج الى وضع خطة لانقاذ الوضع, خطة على مستوى الوطن تضمن التغيير, واقترح اضافة شعبة في كل عيادة شعبية تتضمن معالجا نفسيا ومرشدا عائليا مهمتهم متابعة العائلات وتقديم "بحوث" ترفع وعي المتزوجين الجدد, وتشترط المراجعة لهذه الشعبة, والا فرضت غرامات مالية على كل عائلة لا تراجع. بالإضافة لأهمية متابعة المدرسة والمتغيرات النفسية على الطلاب وتقديم تقرير بالحالة كي يرفع الضغط عن الطفل ويتم التصحيح. نتمنى من الجهات المختصة الاحساس بالمسوؤلية والانتباه الى ما يتعرض له اطفالنا من محن حقيقة.

هامش

في الختام : انها قضية ساخنة تؤثر ليس فقط على واقعنا الآن بل هي تشكل خطرا على مستقبل البلد عبر تأثيرها في التكوين الشخصي للأطفال فمن يتعرض للعنف تتولد لديه حالات نفسية مرضية قد تنفجر وتخلق لنا إنسانا عدائيا مجرما كانعكاس لما يعانيه. واليوم الكل مطالبون بالتصحيح وإنقاذ الوضع قبل الغرق. والافكار المطروحة تطرقت لامور ممكنة جدا:
اولا: تأسيس شبكة مرشدين تكون ملحقة بالعيادات الشعبية تلزم العائلات بمراجعتها وتهتم برفع وعي تربية الطفل.
ثانيا: تشريع قوانين تحمي الطفل من العنف الاسري وتحمي مستقبله.