مجتمع مدني

المسرح المدرسي.. الى أين؟ / علي عدنان

الكل يعلم، ان اغلب المسرحيين ونجوم السينما والتلفزيون هم نتاج منبثق من رحم ما يسمى بالمسرح المدرسي "وهو نشاط يقوم به طلبة المدرسة بتقديم عمل مسرحي له مناخه واسلوبه وكيانه الخاص وبإشراف معلم او مدرس مادة الفنية او اللغة العربية على الاكثر" فالستينيات والسبعينات شاهد تاريخي لهكذا فعاليات وانشطة غنية وثرية ولم تقتصر على مدارس العاصمة فحسب وانما وصل صداها الواسع في جميع محافظات العراق.
اختفى هذا الكنز التربوي والبادرة الثقافية الفنية الجمالية بظهور عتمة الحرب بالثمانينيات والحصار الاقتصادي في التسعينيات والى يومنا هذا !!رغم التحول العمراني والانفتاح السياسي وعهد دولة جديدة بسقوط طاغية اذاق العراقيين المر! لا زالت الانشطة المسرحية مختفية في مدارسنا العراقية واقتصرت على مهرجانات روتينية تقليدية كمهرجان مسرح التربيات والاوبريت والطفل وهي مهرجانات من انتاج مديرية التربية من حيث الشخوص والادوار، معينين ضمن ملاك النشاط المدرسي من دون الاعتماد على الهوايات والموهوبين من قبل طلبة المدارس.
وحتى العروض المسرحية بعيدة عن المقصودين بالمشاهدة فلا تجد طالبا واحدا حين العرض المسرحي .. فتقتصر المشاهدة على اصحاب النخب والاساتذة وكأنما هي ساحة او مكان للاختبار لا للنهوض التربوي والاخلاقي وتعزيز المواهب كما يدعي القائمون على هكذا مهرجانات غير نوعية وخارجة من منظور الهدف والمصداقية فمن المفروض والمنطق اختيار من يمثل المحافظة في كل مهرجان ضمن سلسلة من المسابقات المحلية لكل مدارس المحافظة ومنها تترشح المدرسة التي تمثل المحافظة في مهرجان ما ومنها يبدأ التنافس او يقوم المختصون باختيار عدد من الموهوبين ومن اصحاب المهارات والقابليات الجمالية والادائية من ضمن المدارس المشاركة في التصفيات ومن ثم زجهم بعمل مسرحي بإخراج وتأليف احد المبدعين في المحافظة .. كما ويجب على العاملين في النشاط المدرسي/ قسم المسرح ان يساهموا في تنشيط الاعمال المسرحية لكل المدارس والاشراف العملي الجاد من خلال استغلال الاعياد والمناسبات الوطنية والدينية لأنها ستكون درسا عمليا تطبيقيا توعويا لكل تلاميذ المدرسة لما في المسرح من هدف رسالي سام وكبير. فيمكننا ان نرسخ في اذهان طلبتنا كل القيم والمبادئ ونعالج كل السلبيات والمخاطر بعمل مسرحي .. فليس من الضرورة انتظار بناء خشبة مسرح في ظل انهيار ميداني لبنى تحتية لمختلف القطاعات بل استغلال قاعات المدارس او ساحاتها علما ان بعض المدارس فيها قاعة مسرحية في زمن ما، اقصد قبل التغيير ومع شديد الاسف انعدامها بعد التغيير.
المسرح في كل مدرسة ايها السادة الكرام هو نشاط مهم جدا لأنه يطور التلميذ اخلاقيا وعقلانيا وثقافيا كما تساهم في اضفاء صفة الشخصية والوجود والحضور لكل طالب بمختلف الجنسين.. كما هي نافذه لاستشعار المواهب والقابليات وتعزيز السلوك.. فالتركيز على المادة العلمية من (رياضيات وتاريخ وجغرافية وغيرها.. والاقتصار عليها فقط ) هذا هو الانحدار عن منهج تربوي تعليمي .. فالاستهانة بمادتي الفنية والموسيقى والنشيد وغيرها من المواد التي تنشط العقل وتغني الروح وتنعش الذائقة .. هو السبب الرئيسي في رجوع وتدهور المستوى الثقافي وحتى الاخلاقي والتربوي لطلبتنا الاعزاء .. فاصبح الطالب غير منتج وغير قابل للعطاء مما قد يصنع لنا جيلاً خطراً جداً ومتوحشاً ويصير طعما لسلوكيات شاذة قد تشكل خطرا مستقبليا لا سمح الله .. فعليكم محاربة كل الشكليات التي دمرت جوهر كل فعالية تدفع لها مبالغ كبيرة جدا ولكن اين هي الثمار؟ طبعا لا ثمار سوى جوائز وشهادات تقديرية ومكافآت وإيفادات وسفرات .. والسبب هو عدم رسم الية جادة وحقيقية للنهوض بالتلميذ العراقي مع سكوت وتواطؤ عدد من التربويين والمثقفين الذين يديرون هذه الفعاليات بدون توجيهها بالشكل المجدي والبارز والمثمر! فهل تبقى الروتينيات والشكليات هي الطافية على سطح مؤسساتنا بجميع قطاعاتها؟!