مجتمع مدني

قراءة في درس بالغ الأهمية لثورة تموز! / سلام القريني

السجل حافل بالمآثر والتضحيات , لذا وجب الكتابة عنها باعتبارها واحدة من الثورات التحريرية التي احدثت نقلة نوعية في مسار التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع التحام واقعي وصميمي بين الشعب والضباط الأحرار وبحكم التراكمات الكمية لمختلف اشكال النضال التي قادت الى تشكيل بنيوي جديد ساهمت فيه جميع القوى الوطنية المحبة للتحرر والانعتاق والعدالة الاجتماعية .
ومن محاسن الصدف ان ثورتنا المباركة قد تزامنت انطلاقتها مع مثيلات لها في دول العالم الاخرى. ولأنها كانت حبلى بالمواقف والأحداث الكبيرة قد وقف الى صفها العديد من المحللين والمفكرين المخلصين لقضايا شعوبهم العادلة واضعين اياها في مصاف ثورات حركات التحرر الوطنية منصفين قيادتها وقادتها, وبالمقابل هناك من عدها انقلاباً عسكريا عابرا كالذي يحدث في بلدان العالم الثالث اول انجازاتها صدور بيان رقم (1) وينتهي الامر!
السؤال // كيف يتسنى لنا ادراك المعاني السامية للثورة كي تكون لنا منارا ؟
كتبت الدكتورة سعاد خيري في كتابها (تاريخ الحركة الاشتراكية في العراق 1914-1958م) مايلي:
ان الحركة الوطنية مدعوة الى ادراك هذا الوضع بعمق وسعة افق , مدعوة الى احباط خطط الاستعمار ومناوراته الهادفة للحؤول بين المد الوطني وبين نضوج عوامل متكاملة عن طريق القمع والمعارك الجانبية وإشاعة اليأس والقنوط .
تأكيدا لهذا الحديث الموضوعي نشرت مجلة الثقافة الجديدة في عددها الرابع الصادر في عام 1969 مقالا ورد فيه :
(لقد علمتنا الاحداث ان الوطنية والديمقراطية مترابطتان اوثق ترابط وان النظام الديمقراطي الثوري هو القادر على تصفية مواقع الاستعمار والرجعية في بلادنا وإحباط مؤامراتها وتعبئة قوى الشعب لمواجهتهما.
نورد هذه الحقائق اليوم كي تكون لنا عبرة , اثبتت الايام ان السلطة كلما كانت قريبة من الشعب والأخير قريبا منها حامية لحقوقه ومصالحه معتمدة مبدأ المواطنة كلما كان مدافعا امينا متمسكا بقوة بها وببقائها لا طاردا لها .لاشك ان ذلك يمكن تحقيقه عبر مشروع وطني ديمقراطي لازال قائما ليومنا هذا ويحتفظ بحيويته على الرغم من مرور اكثر من نصف قرن على إعلانه مرشدا معبرا ومجسدا للطريق الامثل لحل كل الازمات والعقد التي تواجه البلاد خلال مسيرة عملها السياسي الحاضر في عراق متعدد الاعراق والأقوام والطوائف والملل . لازال الحزب الشيوعي العراقي يكرر دعوته ان الخلاص يمر عبر ( اقامة حكم وطني ديمقراطي ) .
اليس الامر كذلك والعراق منذ التغيير في نيسان 2003م حتى الساعة هذه يطحن نسيجه الاجتماعي وأرواح ابنائه مرض خبيث اسمه المفخخات جراء اعتماد نظام ممقوت يقوم على اساس المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية الذي بات يهدد يوما بعد اخر السلم الاهلي.
واحدة من المقتطفات الجميلة التي وردت في كتاب الدكتور عقيل الناصري (ثورة 14 تموز في بصائر الاخرين) عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم محذرا في خطبة له حول هذا الموضوع قوله :
(لا اقبل ان يقال هذا شيعي وذاك سني ... هذا عربي وهذا كردي .. ولا قومي ...ولا...!
..........انا اقول هذا وطني وابن هذا البلد )).
بهذه الجمل البسيطة لخص الشهيد الراحل الزاهد الذي غادر الدنيا ولم يكن يملك شروه نقير. كيف يمكن للعراق خط طريقه الى التقدم والأعمار اسوة بدول العالم المتحضرة التي تحترم الانسان وحقوقه في الحرية والعيش الكريم وشواهد الثورة حاضرة في اذهان العراقيين ماذا قدمت خلال اربع سنوات فقط من اعمال كبيرة يعتز بها العدو قبل الصديق .
لاشك ان القوى الرجعية التي ذبحت زعيمها بسكين عمياء من قبل عتاة السادية المجرمين لايمكن ان تلقي بسلاحها بسهولة ويسر بل تظل تقاوم مستخدمة ارخص الطرق خسة ودناءة للمحاولة الى استرجاع مواقعها فترتدي جلباب الوطنية في مرحلة ما تخفي مشاعرها الذاتية الضيقة ولا يخيفها من ان تدخل في تحالفات تريد من خلالها الوصول الى غاياتها السوداوية. هذا الحديث اصوغه الان كونه لازال للساعة هذه قائما ان اسقاط الديكتاتورية خلف ايتاماً وأذناباً لهم امكانيات وامتدادات وقوة تجعلهم قادرين على قلب الطاولة لصالحها وقد حذر الحزب الشيوعي من مغبة ذلك مرارا وتكرارا عبر لقائه بالرئاسات الثلاث ولقاء قيادته بهم جميعا ورسائله المستمرة لكل الشخصيات وعبر افتتاحيات جريدته المركزية حرصا منه على مسيرة الوطن وأبنائه .
على القوى السياسية ان تدرك تماما ان الانجازات التي تحققت ككتابة الدستور والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير لاشك انها تواجه حقدا مشتدا من الاوساط الرجعية المحلية والإقليمية ينعكس فورا في سلسلة من النشاطات التآمرية والتدميرية سواء للموارد البشرية او البنى التحتية .
الم تكن مهمة اسقاط النظام الدكتاتوري حصيلة الكفاح الوطني المسلح الذي ساهمت فيه القوى اليسارية والقومية والإسلامية طيلة عقود من الزمن ولازال شهداء تلك القوى في كردستان العراق شاهدا على مآثرهم وبطولاتهم , ايضا ولولا تحالف قوى الخير في جبهة الاتحاد الوطني 1957م وانخراطها في عمل جبهوي واحد انجز ثورة 14 تموز المجيدة .
ولكن انظروا مرة اخرى الذي حدث في 8 شباط الدموي الاسود 1963م الم يكن حصاد التفرقة والتشرذم هو الدرس البليغ الذي دفع فاتورته كل القوى الوطنية والديمقراطية .
ان الطريق نحو تحقيق اماني الناس في العيش الكريم يتطلب حشد طاقات كل قوى الخير لتقف بكل قوة ضد السياسة الهوجاء لنظام المحاصصة الطائفية التي جلبت الويلات لشعبنا بمختلف الوانه وأطيافه.