مجتمع مدني

الممرّضة العراقية مكبّلة بتقاليد اجتماعية مجحفة

"طريق الشعب"
على الرغم من البطالة المتفشية بين النّساء، إلا إن الكثير من الممرضات ّأكدن توقفهن عن العمل بسبب النظرة المجتمعية الضيّقة لهذه المهنة، وتحوّل بعضهن إلى قابلات يعملن في البيوت. حيث تعاني مستشفيات البلد عزوف البنات عن العمل، مما استدعى وزارة الصحة إلى جلبِ الممرّضات من الهند لسد النقص في مستشفياتها. وقد كشفت سجلاّت وزارة الصحّة العراقيّة، أنّ عدد العاملين في مهنة التّمريض لا يتجاوز حاليّاً الـــ(40) ألف ممرض وممرضة، وإنّ (75 بالمئة) منهم من الذكور.
وفي حوار مع الممرض حسن حاتم (25 سنة) من الحلّة - محافظة بابل الّذي قال: لم أستطع أن أتزوّج زميلتي في العمل، رغم أنّي بادلتها الحبّ، لكن أهلي رفضوا هذا الزواج. سعيت إلى إقناع والدي، إلاّ أنّه رفض في شكل قاطع أيّة فكرة للزواج من ممرّضة.
وعزا حاتم رفض والده إلى نظرة المجتمع الّذي لم ينصف الفتاة الّتي تعمل في مجال التّمريض ويعتبرها فتاة متمرّدة على القيم الأخلاقيّة والعادات الاجتماعيّة الّتي لا تسمح للفتاة بالمبيت خارج البيت، وملامسة الرّجال حتّى وإن كانوا من المرضى. فالنّظرة المجتمعيّة السائدة تعد مكان عمل المرأة هو البيت فقط، وتصنّف النساء على أنهنّ "عورة" يجب عزلهنّ في المنازل. وتعترف رحيمة حسين (55 سنة) وهي ممرضة منذ عام 1979 في بابل، في حديثها ، بأنّ أحد أسباب عنوستها عملها في مجال التّمريض.
من جهته قال الصحافيّ "قاسم موزان": إنهذه المهنة الإنسانية تواجه منذ بدء عمل الممرّضات، النّظرة القاصرة والمشكّكة بشرف الممرّضة، ولم يسلم ذووها من الانتقادات، وكانت توصف بأوصاف غير مقبولة".
وأضاف: "إنّ النّظرة الدونية للمرأة قديمة، وبخاصة على العاملات بمهنة التمريض، هذا الأمر دفع إلى عدم الانخراط بمهنة التمريض، ما أدّى إلى استقدام وزارة الصحّة ممرّضات من دول آسيويّة لسدّ النّقص الحاصل في الكادر الطبيّ".
أمّا أنعام الزيدي، وهي ممرّضة تعمل منذ خمس سنوات، في مستشفى بذي قار، فبدت متفائلة حول مستقبل المرأة الممرّضة.
وقالت، إنّ "النّظرة الدونيّة بدأت تنحسر بشكل تدريجيّ بين أفراد المجتمع، ويعود السبب في ذلك إلى الانفتاح الإجتماعيّ على العالم بسبب وسائل الاتصال الحديثة، وسفر العراقيّين إلى خارج بلدهم للعلاج".
أضافت: "لقد تشجّعت الأسر في مجال السّماح للفتيات بالعمل في هذا القطاع الصحيّ، بسبب الراتب المغري، فالممرضة تتقاضى عند بدء تعيينها نحو (500) ألف دينار عراقيّ، وهو يزداد مع ازدياد سنوات الخدمة. وقبل نحو عقدين من الزمن، كان من غير المألوف رؤية ممرّضات عراقيّات بهذه الكثافة داخل المستشفيات، أمّا السنوات الخمس الأخيرة فقد شهدت إقبالاً من النساء للعمل في هذا القطاع". ويتطابق رأي علاء كولي، مع الممرضة الزيدي اذ قال : بدأ الكثير من النّاس يتفهّمون دورها، وكيف أنّ عملها يحتّم عليها الكثير من الأمور الّتي تبدو غريبة?داخل المجتمع الشرقي، مثل لمس الرّجال والمبيت في المستشفيات".
وأكّد كولي، أنّ "الأمر لم يعد كما في السابق"، مشيراً إلى "أنّ هناك تحسّناً في علاقة المجتمع مع الممرّضة، بسبب الحاجة إلى فرص العمل وانتشار التّعليم والانفتاح على الثقافات الأخرى".
من جانبه، رأى الباحث في الشؤون الإجتماعية صباح كاظم، أنّ "هناك تناقضاً بين العزوف عن مهنة التّمريض وحاجة المجتمع إليها".
وقال "يستدعي الوضع الأمنيّ حيث قتلى الحرب والعمليّات الإرهابيّة، تهيئة كوادر طبيّة وسطيّة وتطوير قطاع التّمريض لتلبية الحاجة إلى العلاج.
وفي مدينة الديوانيّة، مركز محافظة القادسيّة قال المعاون الطبيّ علاء نجم "تعمل في المحافظة حوالي (25) ممرّضة هنديّة، وهذا الأمر ساهم في تحسين الخدمات الصحيّة داخل المستشفى والمراكز الصحيّة".
وفي هذا السّياق، أشارت الممرّضة العراقيّة لمياء صالح "إلى أنّ احتكاكها بـ"الممرّضات الهنديّات ساهم في رفع كفاءتها"، مؤكّدة أنّ "الممرّضات المستقدمات يتميّزن باحترافيّة وخبرة واضحة".
رغم حاجات العراق الماسة للمرضات، فمازالت التقاليد الاجتماعية لا تشجع الحكومة والبرلمان على إصدار قوانين تشجع عمل الممرضات وتنصفهن.