مجتمع مدني

تظاهرة عمالية "كبرى" غداً الاثنين / نوار احمد

تعيش بلادنا مرحلة مخاضات صعبة وهي تواجه أسئلتها المعلقة واستحقاقاتها المؤجلة، في ضوء تراكم الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية.
وشجعت هذه الحالة على ارتفاع وتيرة طبيعة الحراك الاجتماعي المطلبي، حيث نشهد الكثير من قوى المجتمع ـ المعبرة عن أطيافه وشرائحه المتنوعة ـ وقد انخرطت في عملية التعبير عن آلامها وتطلعاتها وأحلامها بحياة تكفل لها حقوقها في الحرية والعدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص.
وقد أخذت أشكال التعبير عن هذا الحراك خلال الأشهر المنصرمة أساليب مختلفة، تراوحت بين الحديث او الكتابة النقدية في الوسائل الإعلامية المتاحة كالصحف ومحطات التلفزة، وبشكل أكثر شجاعة في الانترنت، وبين شكل آخر اعتمد مفاعيل الصوت الجمعي عبر حشد التواقيع على البيانات والمطالب الإصلاحية الشاملة، فيما برزت مؤخرا حركة الشارع عبر التظاهرات المحدودة في بعض المحافظات العراقية ومنها بغداد العاصمة.
من المؤسف أن نشير إلى أن استجابة الحكومة حيال المطالب الإصلاحية مازالت بطيئة وغير عملية، وتشبه الإلتفاف على المطالب أكثر من التعاطي الموضوعي الجاد معها.
وحيث أن الوطن يمر بمرحلة صعبة، يواجه فيها خياراته القاسية، أبرزها الوقوف ضد الإرهاب ومقاومة اختطاف الوطن من قبل القوى المتطرفة، الا السياسة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة أتسمت بغياب الرؤى والاستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجال التنمية والمجال المالي وغيرهما، وبالإضعاف القسري لدور الدولة، خاصة في الميدان الاقتصادي.
فيما استمرت المغالاة في تأكيد مزايا السوق الحرة في اقتصاد البلاد، دون معاينة للواقع الملموس واستحقاقاته، الامر الذي يعيق عملية الإعمار وإعادة بناء القطاعات الإنتاجية: الصناعية والزراعية، وكذلك الخدمية، ويعرقل تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.
أن ما يعانيه القطاع الصناعي من تدهور وإهمال يجسد بوضوح الآثار الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة للخيارات والاتجاهات التي اعتمدتها السياسة الاقتصادية للدولة منذ التغيير.
فبنية القطاع الصناعي حتى أواسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي كانت موزعة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى القطاع المختلط والتعاوني. وكانت الصناعات كبيرة الحجم والثقيلة، ومنها الصناعات الهندسية والميكانيكية والإنشائية ذات الصلة بالتصنيع العسكري، إضافة إلى الصناعات النفطية، ضمن القطاع العام.
أما الأنشطة الصناعية الخاصة، فهي في الغالب منشآت ووحدات صناعية صغيرة الحجم ذات طابع فردي وعائلي. ومنذ اواسط الثمانينيات توقف الاستثمار الصناعي في القطاع العام، ما ادى إلى تقادمه تكنولوجياً وتراجع إنتاجه كما ونوعا. ولم تتخذ حكومات ما بعد التغيير إجراءات عملية وفعالة لاستنهاض القطاع، وإعادة المنشآت المتوقفة والمعطلة كليا أو جزئياً إلى العمل. على العكس، فقد سادت رؤى وتوجهات غابت عنها السياسة الصناعية التي يمليها الترابط الوثيق بين التنمية والتصنيع، كما غاب ادراك أهمية التوسع الصناعي في تحقيق أهداف التنمية، المتمثلة في خلق فرص عمل ومكافحة الفقر ورفع مستويات الدخل القومي، وتحقيق عدالة اجتماعية عبر توزيع أفضل للدخل.
حيث تبنت الدولة سياسة الانفتاح على الأسواق الخارجية، والغت جميع القيود والضوابط على الاستيراد، ووضعت الإنتاج المحلي الضعيف والمنهك امام منافسة غير متكافئة مع المنتج الاجنبي، ما ادى بالضرورة إلى انهيار معظم ما تبقى من الصناعة الوطنية. وقد تفاقمت مصاعب القطاع الصناعي والقطاعات الإنتاجية عموماً، بسبب الفشل في تحقيق منجز ذي شأن للارتقاء بواقع البنى التحتية.
ويأتي تواصل عمال ومنتسبي شركات وزارة الصناعة والمعادن في أنحاء البلاد في الاعتصامات والتظاهرات والفعاليات الاحتجاجية والمطلبية بأشكال وصيغ مختلفة. ولم يأت ذلك بمعزل عن اللوحة السياسية المعقدة في بلادنا، والأزمة البنيوية وحالة الاستعصاء القائمة، وعجز الكتل المتنفذة عن التوصل الى توافقات على حلول ومخارج لها. كما لا يمكن فصله عن المعاناة المتواصلة - المعيشية والخدمية والحياتية للمواطنين،
وستكون التظاهرة العمالية الكبرى التي تقام يوم غد الأثنين، إعلاناً واضحاً بعدم قناعة ورضا أصحاب المصلحة الحقيقية في إرساء قيم العدالة الاجتماعية والحقوق المشروعة.
ما يجري في بلادنا من إهمال وتقصير ليس فقط في موضوعة عدم صرف الرواتب والمستحقات وانما في التأكيد على دورهم في رسم سياسة البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن أجل حياة حرة كريمة.