مجتمع مدني

المناضلة والقائدة النسوية أجيه خان البرزنجي: في احتفالات الثامن من آذار هاجمتنا دبابات الحكام / يوسف أبو الفوز

حين التقيتها لاول مرة، في استوكهولم، عاصمة السويد التي وصلتها لاجئة عام 2000، بعد رحلة في عدة محطات مرورا بدمشق، كانت لدي فكرة أولية طيبة عن هذه المرأة التي تتوكأ على عكاز خاص وتحاول ان تكون منتصبة القامة. وصرت اتخيل صوتها هادرا في التظاهرات والمحتشدات النضالية في السنوات الغابرة. واتخيلها وهي تحث الخطى من شارع الى شارع، والريح تلاعب شعرها، توزع المنشورات وتعيد صلات المقطوعين عن التنظيم الحزبي، وتزور السجون وتعود عوائل السجناء، وتوزع الجكليت في المناسبات الوطنية وقد سهرت الليل تضع فيها اوراقا خاصة خطت فيها شعارات تنادي بالديمقراطية والحرية والمساواة.
انها المناضلة أجيه خان البرزنجي ( أجيه شيخ حسين شيخ محمد)، من مواليد السليمانية عام 1939، ولدت في عائلة ارتبطت بنضالات القوى الوطنية: حزب التحرر ثم الحزب الشيوعي العراقي، وقدمت هذه العائلة العديد من المناضلات والمناضلين والشهداء، وربما اشهرهم اخيها المناضل الشيوعي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الشهيد علي البرزنجي، الذي اعدم في قصر النهاية عام 1971 على يد جلاوزة حزب البعث العفلقي، والراحل المناضل شيخ سعيد الذي توفي عام 1993، وشيخ محمد، المناضل والشاعر المعروف باسم "ع. ح. ب" والذي رحل عام 2001. وابنها الشهيد اردلان حمه سعيد 1986 الذي اغتيل في مدينة تكريت خلال ادائه مهمة نضالية هناك .
قالت لنا :
ــ تعلمت حتى الثالث ابتدائي في المدرسة، لكن اجواء العائلة ساعدتني على تطوير معارفي وثقافتي، وسريعا ارتبطت بالحركة النسوية والسياسية، وكانت اولى صلاتي عام 1950 مع المناضلة والرابطية خانم زهدي، وانخرطنا ومعي اختي عائشة في معترك النضال النسوي والحزبي، فصرنا نوصل البريد الخاص والمنشورات ونهيئ الاماكن للاجتماعات. وقد عرّضنا مجمل نشاطنا للكثير من المضايقات من جانب السلطات الحاكمة، خصوصا بعد اعتقال الشهيد علي البرزنجي، واخي محمد. كذلك تم اعتقال اختي عائشة وسجنها بينما استطعنا انا واخي شيخ سعيد الافلات من مداهمات قوى الامن، واختفيت لفترة في بيوت الاصدقاء .
لنتحدث عن ايام ربيع الحركة الثورية بعد ثورة 14 من تموز 1958. سمعت الكثير الممتع عن نشاطاتك ومساهماتك ودورك القيادي في رابطة المرأة العراقية؟.
ــ بعد ثورة الرابع عشر من تموز، انفتح الافق واسعا امام المرأة العراقية للعمل في المنظمات الديمقراطية في كل مدن العراق ومنها مناطق كردستان، وكانت رابطة المرأة العراقية واحدة من انشط هذه المنظمات، حيث استوزرت حكومة 14 تموز، المناضلة نزيهة الدليمي رئيسة الرابطة، وتم برعاية الزعيم عبد الكريم قاسم انعقاد مؤتمر الرابطة في بغداد عام 1959، وكان لي شرف المشاركة في التحضيرات له وحضوره . خلال هذه الفترة كنت سكرتيرة لرابطة المرأة في مدينة حلبجة، حيث انتقلت لها بعد زواجي، وكان لفرع الرابطة في حلبجة فروع في غالبية القرى والقصبات المحيطة، وكنا ننظم النشاطات المتنوعة الثقافية والاجتماعية، ثم توقف كل هذا مع انقلاب الردة البعثي في 8 شباط 1963.
هل التقيت بالزعيم عبد الكريم قاسم؟
ـ توفرت لي الفرصة للقاء الزعيم عبد الكريم قاسم والمهداوي
و ماجد محمد امين والعديد من قادة ورجال الثورة ايامها. لم يكونوا يعزلون انفسهم عن الجماهير والناس، خصوصا في سنوات الثورة الاولى. وهذه اللقاءات كانت تتم ضمن سياق نشاطات رابطة المرأة.
وما قصة مهاجمة الدبابات لتجمع نسوي بمناسبة 8 اذار؟
حصل هذا عام 1964، كنا قد رتبنا لاحتفال بمناسبة الثامن من اذار، واخترنا منطقة نبع داروغا التي كانت في حينها من ضواحي مدينة السليمانية والآن احد احياء المدينة بعد ان توسعت. ورتبنا سفرة للعوائل (بالكردية نقول سيران) لكن تفاجأنا بعدد المشتركين، اذ صارت كل عائلة تجلب معها عوائل اخرى، فصرنا نوزع عليهم الحلويات وبداخلها الشعارات، هذا التجمع اغاظ السلطات ايامها فارسلت عددا من المدرعات والدبابات لتفريق الحشد واخافة الناس الذين عرف من لم يعرف يومها اهمية توحيد الجهود التي يمكن ان تخيف اعتى دكتاتورية وعرفوا بسالة النساء العراقيات.
وكيف تنظرين الى وضع ونشاطات المرأة الآن؟
الظروف المحيطة بنشاط المرأة حاليا صعبة جدا. والرابطيات يبذلن جهودا مضاعفة لتجاوز المعوقات التي يزرعها الاسلام السياسي في حياة النساء وعموم المجتمع. أتألم كثيرا لارتفاع نسبة العنف ضد المراة في الاقليم وعموم مناطق العراق، خصوصا الجرائم التي تتم بحجة الشرف. اعتقد ان من اهم مهمات منظمات المرأة حاليا هو العمل لتوعية النساء ليستطعن النهوض بأنفسهن بمهمات تغيير واقعهن المتردي.
رأيت لك صورا وانت تلقين قصائد شعرية.. الم تفكري بديوان مطبوع لجمع قصائدك؟
لا اقدم نفسي كشاعرة، ولكن تأتيني مشاعر عن معاناة المرأة ومعاناة الشعب واوضاعه الصعبة، وفقدان الشهداء، فلا استطيع كتمانها، فأكتبها، واقرأها لاصدقائي ورفاقي، فصاروا يطالبونني في بعض المناسبات الشخصية والوطنية بتقديم بعض منها، بل استضافتني قناة تلفزيونية وطلبوا مني قراءة بعض من هذه القصائد، ونشرت بعض الصحف بعضا منها. بالنسبة لي لا افكر بطبع كتاب ولا احاول تقديم نفسي كشاعرة، لكنني لا استطيع اخفاء مشاعري التي تأتيني على شكل قصائد.
ما هي امنياتك للمرأة في يومها العالمي؟
امنياتي ان تنهض المرأة بنفسها لانتزاع حقوقها وحرياتها. ان يندحر الارهاب ويعم السلام في بلادنا، وان تتحرر النساء الأسيرات عند القوى الارهابية. وان ينعم اطفالنا بحياة افضل من حياتنا التي عشنا فيها المصاعب والويلات مع دكتاتوريات شوفينية وفاشية لا تحترم حقوق الانسان وتهمش وتغيب دور المرأة والمواطن.