مجتمع مدني

النظم الانتخابية المعتمدة منذ سقوط النظام الدكتاتوري / زهير ضياء الدين

تجسد النظم الإنتخابية التي تعتمد قوانين الإنتخابات بمختلف مستوياتها، الإيمان بالديمقراطية من خلال الإلتزام بالمعايير الدولية للإنتخابات، وضمان المساواة بين القوائم الإنتخابية والمواطنين وعدم التمييز بينهم، من خلال ضمان إيصال أصوات الناخبين الى ممثليهم الحقيقيين الذين صوتوا لهم، وعدم السماح بهيمنة الكتل السياسية الكبيرة على المجالس المنتخبة، خاصة في دولة ما زالت الديمقراطية فيها ناشئة وليست راسخة .
- والمتتبع لقوانين الإنتخابات التي شرعت وإعتـُمدت بعد 2003 يلاحظ بوضوح أن هناك تراجعا ملموسا في العديد في مضامين هذه القوانين، بإتجاه العمل على إحتكار السيطرة على المجالس المنتخبة للكتل الكبيرة وإبعاد الكتل الصغيرة، وفي صراع محتدم لتحقيق هذهِ السيطرة .
- وكان أول قانون للإنتخابات صدر بموجب أمر سلطة الإئتلاف رقم (96) لسنة 2004 ونشر بجريدة الوقائع العراقية بالعدد 3984 في حزيران 2004 ، وتم بموجبه إنتخاب أعضاء الجمعية الوطنية .
- وكان صدور قانون إدارة المرحلة الإنتقالية ونشره في الجريدة الرسمية في آذار 2004 (العدد 3981) والذي كان يمثل الدستور المؤقت للعراق، وصدور ملحق للقانون عن مجلس الحكم بتأريخ 1/6/2004 ، جاء ضمن القسم الثالث منه تشكيل المجلس الوطني المؤقت الذي ضم في عضويته أعضاء مجلس الحكم ممن لا يتولون مناصب حكومية آخرى ومن ممثلي الأقاليم والمحافظات والشخصيات العراقية المعروفة بنزاهتها وكفاءتها، ويتكون من مائة عضو تمت تسميتهم بالتوافق. وصدر ملحق القانون لتشكيل هذا المجلس الذي يعتبر أول مجلس وبمثابة السلطة التشريعية، تتضمن مهامه تقديم المشورة لرئاستي الجمهورية والوزراء ومراقبة تنفيذ القوانين وإستجواب الوزراء ونقض قرارات السلطة التنفيذية وتصديق الموازنة العامة إلا أنه لم يخول تشريع القوانين. وكان قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية قد ضمن في المادة (20) منه مبادىء عامة عن المشاركة والتصويت في الإنتخابات بإعطاء الحق لكل عراقي بالترشيح والتصويت بحرية في إنتخابات حرة مفتوحة عادلة وحرم التمييز ضد أي عراقي لأغراض التصويت .
وبالرجوع الى نص الفقرتين (3، 4) من القسم الثالث في أمر سلطة الإئتلاف رقم 96 لسنة 2004 الذي جاء تحت عنوان نظام التمثيل، نجد النص الآتي -
3- سيكون العراق دائرة إنتخابية واحدة وسيتم توزيع جميع المقاعد في المجلس الوطني على الكيانات السياسية من خلال التمثيل النسبي .
4- تعتمد الصيغة المستخدمة لتوزيع المقاعد في المجلس الوطني على أعضائه على حساب أولي يستخدم الحصص البسيطة (هيركوتا) وعلى حسابات آخرى تالية تستخدم أكبر المتبقي .... إلخ .
وبالإطلاع على النصوص نجد أنها تضمنت أكثر المبادىء رقياً تنسجم مع المرحلة التي يمر بها العراق وتمثل تجسيداً حقيقياً للديمقراطية من خلال إعتمادها على المبادىء التالية (العراق كمنطقة إنتخابية واحدة أولاً، وإعتماد مبدأ التمثيل النسبي لتوزيع المقاعد على الكيانات السياسية ثانياً وإعتماد مبدأ أكبر المتبقي ثالثاً) .
وتعكس الإنتخابات التي جرت بموجب هذا القانون الثقل الحقيقي للقوائم الإنتخابية التي شاركت بالإنتخابات، حيث تمكنت القوائم الإنتخابية التي تمتلك عدداً معقولاً من الأصوات الى الوصول إلى التمثيل في المجلس الوطني .
في عام 2005 تم تشريع قانون الإنتخابات رقم (16) لسنة 2005 الذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بعددها 4010 في 23/11/2005 وجرت بموجبه إنتخابات مجلس النواب في 15/كانون الأول/2005 وكان أبرز تراجع في هذا القانون يتمثل بجعل المحافظات منطقة إنتخابية بدلاً من إعتبار العراق كمنطقة إنتخابية واحدة بما يضمن عدم تشتت أصوات الناخبين على المحافظات وذلك ضمن المادة (15/ ثانياً) من القانون ذلك رغم أن القانون وضمن المادة (17/3) إعتمد مبدأ توزيع المقاعد التعويضية على الكيانات التي لم تحصل على تمثيل في الدوائر الإنتخابية بشرط حصولها على (المعدل الوطني) (وهو ناتج قسمة الأصوات الصحيحة في العراق مقسوماً على عدد المقاعد في مجلس النواب )0
وكانت المادة (16) من القانون قد بينت توزيع المقاعد المخصصة للدوائر الإنتخابية من خلال نظام التمثيل النسبي وفقاً للإجراءات الآتية :-
1- يقسم مجموع الأصوات الصحيحة في الدائرة على عدد المقاعد المخصصة لها للحصول على (القاسم الإنتخابي) .
2- يقسم مجموع الأصوات التي حصل عليها كل كيان على القاسم الإنتخابي لتحديد عدد المقاعد التي تخصص له .
3- توزع المقاعد المتبقية بإعتماد طريقة الباقي الأقوى .
وكانت الكارثة بتشريع القانون رقم (26) لسنة 2009 المعدل لقانون الإنتخابات المرقم (16) لسنة 2005 والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بعددها 4140 في 28/12/2009 وتمت بموجبه إنتخابات مجلس النواب في 7/3/2010 حيث جسد هذا التعديل السيطرة المطلقة للكتل الكبيرة على مجلس النواب من خلال النصوص الواردة فيه والتي جرى استناداً اليها إستبعاد الكتل الصغيرة من خلال النصوص الآتية :
- نص المادة (15/رابعاً) تخصص نسبة 5 بالمائة من المقاعد كمقاعد تعويضية توزع على القوائم بنسبة المقاعد التي حصلت عليها .
- نص المادة (16/رابعاً) تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب نسبة ما حصلت عليه من الأصوات .
وبذلك أتاح هذا التعديل الهيمنة المطلقة للكتل الكبيرة على مقاعد مجلس النواب من خلال سيطرته على الأصوات التي حصلت عليها الكيانات السياسية التي لم تصل الى القاسم الإنتخابي وإستبعاد هذهِ الكيانات من التمثيل في مجلس النواب مما يشكل إبتعاداً كبيراً عن المعايير الدولية للإنتخابات التي توجب إحترام إرادة الناخب بإيصال صوته لمن ينتخبه، إضافة إلى إنتهاكها للعديد من النصوص الواردة في دستور جمهورية العراق. وأمام إصرار الكتل السياسية الكبيرة إضطرت القوى الديمقراطية إلى اللجوء للقضاء ومن خلال المحكمة الإتحادية العليا، حيث تم الطعن بعدم دستورية المادة (3/رابعاً) من القانون رقم 26 لسنة 2009 (قانون تعديل قانون الإنتخابات رقم 16 لسنة 2005) ، وبالفعل أصدرت المحكمة الإتحادية قرارها في الدعوى (12/إتحادية/2010) بتأريخ 14/6/2010 قضت بموجبه بعدم دستورية الفقرة (رابعاً) من المادة (3) من القانون رقم 26 لسنة 2009 مسببة قرارها بعدم دستورية النص بأن توزيع المقاعد الشاغرة يتم بترحيل صوت الناخب من المرشح الذي إنتخبه الى مرشح آخر لم ينتخبه أصلاً وخلافاً لإرادته وهذا يخالف منطوق المادة (20) من الدستور الذي نص على منح المواطنين رجالاً ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والإنتخاب والترشيح كما كفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل في المادة (38/أولاً) من الدستور. وأن عملية تحويل صوت الناخب بدون إرادته من المرشح الذي انتخبه الى مرشح من قائمة آخرى، لم تتجه إرادته إلى إنتخاب مرشح منها، يشكل إعتداء على حقه بالتصويت والإنتخاب وتجاوزاً على حرية التعبير عن الرأي وبالتالي يشكل مخالفة لنص المادة (20) والمادة (38/أولاً) من الدستور وبالرغم من إنصاف المحكمة لحقوق وحريات المواطنين في الإنتخابات. إلا أنها قيدت نفاذ هذا القرار بعدم نفاذ القرار بما تم في عملية توزيع المقاعد الشاغرة في إنتخابات مجلس النواب لسنة 2010 وشكل هذا القرار إنتصاراً للقوى الديمقراطية على طريق نضالها لبناء دولة ديمقراطية ، إلا أنه ومما يؤسف له عدم تشريع قانون جديد للإنتخابات لحد الآن يأخذ بنظر الإعتبار قرار المحكمة الإتحادية رغم ورود أكثر من سنتين ونصف على صدوره .من خلال إطلاعنا على قوانين الإنتخابات لمجلس النواب والتعديلات التي صدرت عليها يمكننا أن ندرك وبوضوح سعي الكتل السياسية الكبيرة للهيمنة المطلقة على مجلس النواب بضمنها القوى التي ترفع شعار الديمقراطية ضمن برامجها، إلا أن واقع الحال أثبت انحيازها الى القوى التي تعمل على الهيمنة إنطلاقاً من المصالح الذاتية. ويبرز ذلك جلياً عند مناقشة مشروع قانون تعديل قانون الإنتخابات رقم 26 لسنة 2009 حيث صوتت الى جانب التعديل الجائر بالرغم من الحملة التي شنتها القوى الديمقراطية والتي تكللت جهودها بالنجاح بصدور قرار المحكمة الإتحادية العليا الذي أشرنا إليه آنفاً .
ويبدو أن هذا التراجع الذي شاب قوانين الإنتخابات يسري على جميع مشاريع القوانين التي تجسد الديمقراطية كقانون حرية التعبير وقانون حقوق الصحفيين وقانون جرائم المعلوماتية مما يلقي عبئاً ثقيلاً على القوى الديمقراطية للنضال من أجل ترسيخ المبادىء التي نص عليها الدستور في مجال الحقوق والحريات .