مجتمع مدني

الشعبية أداة فاعلة في الصحافة الشيوعية / كاظم غيلان

أولى الحزب الشيوعي العراقي ومنذ بداياته التاريخية الأولى أهتماماً أستثنائياً لصحافته التي وجد من خلالها وسيلة مؤثرة لأيصال صوته وطموحاته لقطاعات شعبنا العراقي ، ولم يكن تاريخ هذه الصحافة الطويل التي تقف اليوم على أعتاب عيدها الثمانين منذ صدور العدد الأول من أول جريدة ناطقة بأسمه "كفاح الشعب" الذي صدر في الحادي والثلاثين من تموز 1935 الا معبراً أميناً لكل مايقع في خدمة شرائح شعبنا المسحوقة. ولقد وجدت النخبة الثقافية العراقية مكانها الحقيقي عبر هذه الصحافة التي غدت حاضنة لمواهب وطاقات أبداعية خلاقة في مجمل مسارب الأبداع كالشعر والرواية والمسرح والتشكيل والموسيقى.. الخ ، وكان في أحتضانه ورعايته لهذه الطاقات وتنميتها من خلال مجالات النشر الصحفي سمة للأنتشار على المستويين العربي والعالمي، اذا ماعلمنا أن رواد هذه الأمكانيات هم من لهم علاقة مباشرة مع الحزب ومن مؤازريه.
وبرغم ما لحق بالحزب عبر مسيرته الطويلة من قمع مستمر وانتكاسات مريرة، الا ان أصراره وتمسكه الدائم في الأستمرار بأصدار صحفه بمختلف ظروف عمله السري والعلني جاء تأكيداً على استمراريته بأدامة صلته بجماهيره التي التفت عليه من خلال أهدافه التي أعلن عنها منذ سنوات تأسيسه الأولى . فالحزب اصدر صحفه السرية والعلنية داخل العراق وخارجه، وفي السجون وفي ظروف الكفاح المسلح في كردستان، ولاقت صحفه رواجا واقبالا من قبل الناس. وبعد سقوط نظام صدام الدموي في التاسع من نيسان 2003 كانت جريدة الحزب "طريق الشعب" قد أحتلت موقع الصدارة في الشارع العراقي مؤكدة ومجددة عهد الحزب على مواصلة نضاله وأدامة علاقته مع جماهيره التي ألتفت حوله، ومؤكدة من جانب آخر حرص الحزب على مواصلته في نشر طروحاته وقناعاته الفكرية أزاء كل المتغيرات مثلما كرست لقطاع المثقفين صفحاتها الى جانب الفعاليات الفنية والنشاطات الثقافية التي لم ينقطع عنها .
لقد أولت صحافة الحزب أهتماماً أستثنائياً لحقل المعرفة الأدبية بمختلف أجناسها أهمية أستثنائية كتجسيد حي للعلاقة الحتمية التي يمليها فكر الحزب النابع من فلسفته الماركسية، فكانت للصفحات المكرسة للنتاج الأدبي ذلك الحيز المرموق الذي يليق بها عبر أصدار ملحق ثقافي متخصص فضلاً عن الصفحة الثقافية اليومية .
ولعل من أبرز المؤشرات التي أفرزتها تجربة الحزب الصحفية اهتمامه بالشعبية كأداة فاعلة في تحريك قوى الشعب العاملة، وبمختلف تباين درجات الوعي النخبوية منها والبسيطة، وذلك ما جسدته بصدق من خلال العمود الصحفي الذي كان يكتبه الشهيد عبد الجبار وهبي "أبو سعيد" في صحيفة "اتحاد الشعب" وعمود الفقيد شمران الياسري " أبو كاطع" الذي كان ينشر تحت عنوان (بصراحة أبو كاطع) فضلاً عن موهبته كأبرز روائي للريف العراقي عبر ماجسدته رباعيته. هذه الأعمدة التي لم تزل خالدة ليومنا هذا شكلت وبحكم حبكتها الحرفية ملامسة جادة لوجدان قطاعات واسعة من أبناء شعبنا وما هي الا مؤشراً واضحاً للمواهب التي توفرت في طاقات المثقفين الذين وقفوا لجانب حزبهم وعبر كل المنعطفات وشاركوه كل المحن والويلات التي تعرض لها عبر سلسلة من الهجمات البربرية التي تفننت بها عصابات البعث، وأعطت صحافة الحزب على طريق الشهادة كوكبة من مبدعيها كعبد الجبار وهبي (أبو سعيد)، أسماعيل خليل، سامي العتابي ..وآخرين .
ولأن الشعبية أداة فاعلة ومحركة كما أسلفت كان لأحتضان الحزب ورعايته للشعر الشعبي العراقي دلالة أخرى في ذلك الأهتمام الذي درس أبعاده بدقة، مثلما كان لدور الشاعر والمناضل مظفر النواب الدور الأبرز في ريادة هذا اللون الأبداعي وريادته الحقة في حركة تجديده التي جاءت متزامنة مع حركة التجديد التي تحققت في الشعر العربي على يد السياب ونازك وبلند الحيدري ... االخ !
لقد لعبت قصائد مظفر النواب دوراً بارزاً ومؤثراً في تجسيد الملاحم البطولية التي خاضها الحزب الشيوعي عبر معاركه ممثلة بأنتفاضة (آل أزيرج) 1952 في الميمونة- جنوبي العراق، ورثائيته الشهيرة لشهيد الحزب وحركته الفلاحية صاحب ملا خصاف (صويحب) الذي أغتيل على يد رجالات ألقطاع عقب تشريع وتنفيذ قانون الأصلاح الزراعي الذي يعد واحداً من أبرز منجزات ثورة الرابع عشر من تموز، ولقد كانت مجموعة (للريل وحمد) نقطة انطلاقة ومتغير تاريخي وأبداعي في مسار القصيدة الشعبية العراقية، مثلما لعبت قصيدته الشهيرة (البراءة) دورها الكبير التصدي لأبشع وأقذر ممارسة أقدمت عليها محاكم البعث اذ استحدثت شرطاً لاعلاقة له بالقانون ولا بالأعراف الفكرية الا وهو أعلان براءة الشيوعي عن حزبه مقابل أطلاق سراحه من السجن، وعلى أثر شيوع قصيدة (البراءة) امتنعت أعداد كبيرة من مناضلي الحزب عن التخلي بهذه الطريقة الدونية عن مبادىء الحزب السامية مفضلين ملازمتهم السجن وفاء منهم لتلك القيم الكبيرة التي نهلوها من ثقافة حزبهم، ومثلما زج بأعداد كبيرة من مثقفي العراق في المنفى الصحراوي ذاته كان للشعراء الشعبيين حصتهم في ذلك السجن فألى جانب النواب كان قد حكم على عدد من الشعراء الشعبيين بأحكام مختلفة وأقاموا في المنفى الصحراوي ذاته مثل زهير الدجيلي، ناظم السماوي، أبو سرحان. وبعد انتقال النواب ورفيقه الفنان والمناضل سعدي الحديثي الى سجن الحلة المركزي كان هناك عدد آخر من الشعراء الشعبيين يقبعون في قلاع هذا السجن مثل علي الشباني، مجيد جاسم الخيون، نزار القريشي .
ولقد توج نشاط الشعراء الشعبيين خلال أصدار مجموعتهم المشتركة لمناسبة العيد الأربعين لتأسيس الحزب والتي أصدرها الحزب وهي تحمل عنوان (قصايد للوطن والناس) شارك فيها(32) شاعراً، وعند نهاية سبعينيات القرن الماضي مع انهيار تجربة التحالف (الجبهة) فقد الحزب كوكبة من الشعراء الشعبيين الشيوعيين الذين تم تنفيذ حكم الأعدام بهم ومنهم الشهداء ( فالح الطائي، فوزي السعد، هادي الشاوي، بحر الخالدي، كاظم الحميري) كما غُيب الشاعر ذياب كزار - أبو سرحان- عقب الأجتياح الأسرائيلي للجنوب اللبناني العام 1982 وبقي أثره مختفياً مجهولا حتى الآن،، الا انه في عداد الشهداء.
وبقدر ماتعرضت صحافة الحزب لسياسة الحظر والقمع الذي يفتقر لأبسط قواعد مهنة الصحافة واخلاقياتها حصل الحال مع الشعر الشعبي العراقي، فتحت ذريعة الحفاظ على سلامة اللغة العربية تم تشريع قانون لهذه السلامة يحظر بموجبه نشر وتداول الشعر الشعبي بعد أن وجدت سلطة البعث أفلاسها التام في هذا اللون بأستثناء قطيع من الرعاع المنتمين له والذي قامت بتجنيده لأحياء مهرجاناتهم التعبوية العدوانية أثر اندلاع الحرب مع أيران وأصبحت مهمتهم الأرتزاقية متلخصة في تأليه صنمهم الأجوف الذي سقط وتلاشى في ساحة الفردوس 2003. وهكذا بقيت رفقة الشعر الشعبي العراقي لنضال الحزب عبر مسيرته الطويلة محط أهتمام صحافته التي أخذت مدياتها الفكرية السليمة .