مجتمع مدني

"أنتِ طالق".. جملة غدت سهلة في العراق!

قسم التحقيقات
عادت الى بيت أهلها خائبة. حبست نفسها داخل غرفة صغيرة تكرمت أختها الصغيرة بقبولها ضيفة ثقيلة فيها. فضلت أن تبقى منسية لتحاشي نظرات العيون القاسية!
ابتعدت عن مشاركة أسرتها في تناول وجبات الطعام والسهر معهم ومشاهدة البرامج على شاشات الفضائيات. وتجنبت رؤية أو مشاركة جميع الضيوف القادمين الى بيت أهلها من أقارب أو جيران أو أصدقاء.
تغير سلوكها وبدت غاضبة في أغلب الأحوال وشديدة الانفعال.
في لحظات ضعفها تبكي، تندب حظها العاثر، وتكتم آهات ثقيلة في صدرها وتتجنب محاورة شقيقتها الصغرى.
باتت مهملة، غير أبهة بمظهرها وما يتطلب منها من تعامل يومي مع جميع أفراد الأسرة، ثم اختطَّت لنفسها سلوكا شاذا ومغايرا داخل البيت، مفضلة النوم طيلة ساعات النهار والسهر لوحدها ليلا داخل الغرفة أو على سطح المنزل، لترقب النجوم وتنشد لنفسها أشعارا و"أبوذيات" حتى تغرق كالعادة في بكاء صامت وأنين محروق الحواف.
بدأت تعاني نحول جسدها، و صداعا نصفيا، و موجات ألم عديدة أولها هيجان القولون. كل الفحوصات الطبية تؤكد سلامتها، لكنها لم ولن تتعرف على سر مأساتها الوحيدة كونها غدت مطلقة، وأنها تعاني موتاً بالتقسيط!
أرقام مخيفة!
في العراق ارتفعت نسبة حالات الطلاق بسبب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، عرفها العراق خلال السنوات القليلة الماضية، رافقها نقص في الوعي الثقافي والاجتماعي للأزواج، الأمر الذي دفع باحثين اجتماعيين إلى القول: إن المجتمع العراقي يواجه التفكك. ويعزو البعض سبب تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق إلى الانفتاح الذي بدأ يشهده بعد العام 2003، والذي ساهم بشكل أو بآخر في تبدل الكثير من المفاهيم الاجتماعية.
أكثر حالات الطلاق تتم عن طريق المخالعة، حيث يأتي الطرفان، وهما متفقان على الطلاق، مقابل تنازل الزوجة عن جميع حقوقها أو بعضها، بحسب الاتفاق بينهما. وتشير الأرقام الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى إلى أن دعاوى الطلاق لعام 2004 كانت 28 ألفاً و689، ارتفعت إلى 33 ألفاً و348 في 2005، ثم ارتفعت مجددًا إلى 35 ألفًاً و627 في 2006، وارتفعت مجدداً في العام 2007 إلى 41 ألفًاً و536 حالة طلاق ثم ارتفعت. في العام 2009 بواقع 82 ألفاً و453 حالة طلاق وفي عام 2010 ارتفعت لتكون 113الفاً و312 ازدادت في عام 2011 الى 133الفاً و869 حالة وفي عام 2012 كانت الحصيلة 160الفا و260 حالة طلاق.
إن ظاهرة الطلاق في المجتمع العراقي آخذة في التزايد، وهو مؤشر يدل على تفكك أواصر المجتمع، الذي بدأ من الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج، والحصار، حتى سقوط النظام السابق في 2003، وما أعقبها من طائفية وتهجير قسري للعوائل ومن احد الاسباب ايضا ان الاقتصاد في البلد والتعليم والمؤسسات العلمية أصابها الركود والتفكك ما أثر سلبا على الفرد العراقي.
ان مؤسسات المجتمع العراقي بحاجة إلى وقفة جدية من أجل تعديل بعض جوانبها، فهي معنية بالدرجة الأولى بتقويم الأُسر وتحديد مسارها وان زيادة أعداد العاطلين عن العمل في العراق دفع بالشاب العراقي إلى فقدان السيطرة على أعصابه أمام متطلبات العائلة التي لا تنتهي، فجعل الطلاق سبيلاً لخروجه من هذا التوتر العصبي، ولا يدري أن الطلاق هو ليس الحل بل هو بداية المشكلة.
ويستند قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى الشريعة التي لا تشجع على الطلاق إلا في حالات استثنائية، مثل المرض أو إلحاق الأذى أو العقم، ويحوّل القضاة الأزواج إلى الباحثين الاجتماعيين الذين يحاولون مساعدتهم كي يحلوا خلافاتهم. ويعتقد البعض أن العنف وقسوة الظروف الاقتصادية التي سادت خلال السنوات الأخيرة أثر في زيادة نسبة حالات الطلاق، فالكثير من النساء ترعرعن في مجتمع يتوقع من الزوج أن يوفر متطلبات العيش للزوجة، لكن حينما تصطدم الفتاة بواقع متعب غير الذي حلمت به فلا تتحمله ولا تحاول اصلاحه. ويتم الطلاق أيضاً خارج المحاكم، وهذه الحالات تحدث كثيرا، لكنها غير محسوبة لعدم وجود وثائق رسمية.
ان صغر عمر الأزواج، سواء الإناث أو الذكور، يؤدي إلى فشل الزيجة، بسبب عدم الالتزام وقلة الإحساس بالمسؤولية، فضلاً عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخلافات العائلية وتدخل الأهل، وكذلك فإن تعدد الزوجات ساهم في ذلك، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. وخلاصة الموضوع: ان المجتمع الاسري يعاني بعد عام 2003 تدهورا رهيبا لازدياد حالات الطلاق فهل الزواج المبكر هو السبب ؟ الملاحظ ان أكثر حالات الطلاق هي تلك التي تحدث بأعمار دون الـ 25 سنة، وهناك من لم يبلغوا الـ 20 عاما، حتى وصلت بعض الحالات الى عمر السادسة عشر!
هناك عدد كبير يأتي لإقامة دعاوى الطلاق بسبب المال والوضع المادي المتدني، كما أن الثقافة الموبوءة التي دست في المجتمع الأسري ونزوح وباء الانفصال الآتي عبر القنوات الفضائية، فكثيرا ما يتهم الزوجان بالخيانة الزوجية!
"أنتِ طالق"
داخل أروقة محاكم الأحوال الشخصية تظهر قضايا الطلاق واضحة على ملامح الناس، فأعداد الدعاوى المقامة من أجل الانفصال تصيب المرء بالذهول. حتى أصبحت قضايا الطلاق أكثر ما يلفت الانتباه، وباتت تشغل الناس كثيرًا، وقد ارتفعت النسبة حتى وصلت إلى حالة مرعبة، يصفها الباحثون الاجتماعيون بأنها تهدد النسيج الاجتماعي، وتنذر بتفكك الروابط الاجتماعية.
وتتعدد الأسباب بين عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، وهذه النسبة راحت تزداد شهرًا بعد شهر، وعامًا بعد آخر، لاسيما في السنوات الأخيرة، ويتفق أهل الاختصاص على أن السبب الاقتصادي يتصدر الأسباب الأولى للطلاق. إذ تفيد التقارير أن نسبة الفقر في العراق تبلغ أكثر من 23 في المائة، أي إن ربع الشعب العراقي دون مستوى خط الفقر، وأن نسبة البطالة هي الأعلى بين دول المنطقة، ناهيك عن قلة الوعي والعلاقات خارج الزواج التي أصبحت تكثر في المجتمع العراقي.
وفي محكمة الأحوال الشخصية في بغداد، صورة تختزل المحنة، حيث يضج المكان خارج غرف القضاة بالمدعين والمدعى عليهم، شابات وشباب في عمر الورود، يرافقهم بعض من أهاليهم، في المشهد ثمة حواجز من البغضاء تفصل بينهم، وما أن يقف الزوجان أمام القاضي بهدوء يحسدان عليه حتى يبادرهما بالقول :"قفا أمام بعضكما البعض، ولينظر أحدكما في عيني الآخر"، وما أن يفعلا ذلك حتى يقول للزوج "قل لها أنتِ طالق"، فيقول الزوج هذه الجملة الكريهة، وعينه بعينها، ثم يمضي كل منهما بعيدًا عن الآخر!
يقول "س"، موظف حكومي :"رفعتُ دعوى طلاق، لأن زوجتي تركت البيت، وذهبت إلى بيت أهلها من دون سبب، فهي تريد أن أسجل البيت والسيارة باسمها، وأنا أرفض، لأنني لا أعرف الأسباب التي دعتها إلى هذا الطلب، حاولت كثيرًا معها ومع أهلها، الذين كانوا يقفون معها ضدي، فقررت الطلاق، بعدما باءت محاولاتي بالفشل". وأضاف أن "الباحث الاجتماعي لا دور له، فهو مجرد "إسقاط فرض" كما يقال، فما أن سمع مني وسمع منها، حتى أحالنا إلى القاضي لاستكمال إجراءات الطلاق". وأوضح "اعتقدت أنهم حريصون على إعادة العلاقة بين الزوجين، كما هو عمل الباحث الاجتماعي، الذي يحاول أن يقرب وجهات النظر أو يقول للمخطئ: أنت مخطئ، وعليك أن تعيد النظر في حساباتك، ولكن لا جدوى من كل ذلك".
وتقول السيدة "م" عن سبب طلاق ابنتها :"إنها زوّجتها له، لأن أهله أناس خيّرون، وبعد شهرين من الزواج راح يضربها، وحين نقوم بإرجاعها وننصحها وننصحه يعاود ضربها بشدة، وفي المرة الأخيرة قام بقلع أظافرها، وحين تأتي إلينا باكية شاكية، يأتي وراءها ليهددنا بالقتل، ويهدد ابني الوحيد بأن يتهمه بأنه إرهابي أو داعشي، وهو أمر لم نصبر عليه"! وأضافت "أنا أتحمّل الخطأ في تزويجها وهي بنت 18 سنة، أقنعتها بالزواج منه، لأن أهله طيبون، والظاهر أن النار لا تخلف إلا الرماد".
أما الشاب "ج" فكان وضعه مختلفًا جدًا، فقد طلبت زوجته الطلاق لأنه عقيم. قال: "أحببتها وتزوجتها، وهي عندي منذ ستة أعوام، ولكن إرادة الله قضت أننا لم نرزق بطفل، وقد عملنا الكثير، وراجعنا العديد من الأطباء في الداخل والخارج، ولكن من دون فائدة، وهذا ما دعا أهل زوجتي إلى طلب الطلاق بحجة أنها تريد أطفالًا". وتابع "حاولت كثيرًا أن أثني أم زوجتي من أجل عدم طلب الطلاق، لكنها أصرّت، رغم أن زوجتي رافضة للطلاق، ولكن ليس بيدها شيء، فالأمر كله بيد أمها.. بكيت كثيرًا، وأرسلت الناس إلى أهلها، ولكن بلا فائدة، وها أنا ذا في أسوأ حال".
استسهال
بحسب الباحثين فان التحلل من القيم والمبادئ والأعراف هو السبب الأهم وراء حالات الطلاق، حيث أصبح شباب الألفية الثالثة يتأثرون كثيرًا بالثقافة الغربية ولكن بشكل خاطئ، ويطبقونها على أرض الواقع العراقي تطبيقًا حرفيًا، فضلًا عن التأثر بما تطرحه المسلسلات المدبلجة من سلوكيات خاطئة، وهذا ما لا يحتمله المجتمع العراقي، فلو كان الزوجان يعرفان تمام المعرفة قيمة الزواج لما فكرا نهائيًا في الطلاق، ولحاولا احتواء مشاكلهما.
هناك أيضًا أسباب أخرى مثل تزويج الفتى أو الفتاة بدون رغبتهما الكلية، وهذا معناه نفور أحدهما، لأن إرادته غابت عند إبرام العقد، فتكبر أية مشكلة بسيطة بينهما، ومن ثم تكون طريقهما إلى الطلاق سالكة. ويرى الباحثون أن الأسرة تؤدي دورًا أساسيًا في ردع المشاكل، فالتدخل الإيجابي يمنع وقوع الطلاق، فيما التدخل السلبي يؤدي إلى الطلاق. وللأسف فإن معظم التدخلات سلبية، خاصة من جانب أهل الزوجة، الذين يرون ابنتهم مظلومة، وعليها أن تأخذ حقوقها كاملة وتنفيذ طلباتها تامة.
ان الطلاق في العراق وصل إلى مرحلة يجب الوقوف عندها، لأنه باتت يهدد بنية المجتمع، والأرقام الصادرة من مجلس القضاء الأعلى تدل دلالة كبيرة على أن الخطر محدق، وهذا يعني أن هذه الحالات تنتج أعدادًا كبيرة من المطلقات والمطلقين، وهؤلاء لهم تأثير سلبي على المجتمع، وهو مؤشر يدل على تفكك أواصر المجتمع الذي واجه صعوبات وهزات عنيفة، أثرت سلبًا على الفرد العراقي، ولكن أن يكون هذا العدد الكبير من الطلاقات فهو أمر في غاية الخطورة، ويستدعي وقفة جدية من المجتمع نفسه.
ان انتشار حالة الطلاق في مجتمعنا تتسبب به عوامل عدة، وتختلف معظم الحالات بسبب الرجال وبسبب النساء، وأسباب أخرى كتدخل الأهل وما شابه ذلك، ولا يمكن حصرها في موضوع أو سبب واحد كما هو معروف. ومن بين أسباب الطلاق اللافتة للنظر في السنوات الأخيرة هو صغر عمر الأزواج، سواء الإناث أو الذكور، لعدم الالتزام وقلة الإحساس بالمسؤولية، فضلًا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخلافات العائلية وتدخل الأهل، فالمجتمع الأسري يعاني بعد عام 2003 تدهورا رهيبا يتمثل في ازدياد حالات الطلاق بسبب الزواج المبكر بعدما تبدلت الكثير من المفاهيم الاجتماعية، حيث إن أكثر حالات الطلاق هي لمن هم في أعمار دون الـ 25 سنة، وهناك من لم يبلغوا الـ 20 عامًا، حتى وصلت بعض الحالات إلى سن السادسة عشرة، فالكبت يولّد ضغوطا نفسية، سرعان ما تؤدي إلى زيجات سريعة يغيب عنها الوعي والإدراك، فينتبه الزوج بعد أن يشبع غريزته أنه أصبح في عالم آخر لا يستطيع فيه الإيفاء بمتطلبات الحياة، وقد كان يعتقد أن الحياة الزوجية عبارة عن متعة آنية فقط. كما أن الفقر والبطالة هما سببان جوهريان في الطلاق الذي صار ظاهرة توازي الإرهاب بحسب وصف القضاة، والعجب أن الزمن الدكتاتوري الذي أضاف إلى أسباب الطلاق التقليدية ما نجم من حروبه الكارثية - حالات الأسر الطويل، الإعاقة والهجرة هربًا من جمهورية الخوف. فإن نسب الطلاق شهدت تزايدًا غير مسبوق الآن، مع أنه يفترض أن تكون أقلّ. وإذا كان الزواج المبكر أحد الأسباب الرئيسة للطلاق، فإنه دخل عليه متغير جديد هو الفضائيات، فجيل الشباب في العراق يختلفون عن شباب العالم لكونهم ولدوا ونشأوا في حروب، وفهموا الحرية بالطريقة التي تقدمها المسلسلات الأجنبية، التي تطرح الطلاق، كما لو كان حالة عادية ولذلك استسهلوه. ويؤكد تقرير بحصول عشرة آلاف مطلقة من مواليد عام 1995 في عامين، وآخر يفيد بأن نسبة الطلاق في الفئة العمرية دون العشرين بلغت 30 في المائة من حالات الزواج المسجلة في مدينة عراقية واحدة.
بغداد في المرتبة الأولى
أسباب ارتفاع حالات الطلاق في المحافظات العراقية بحسب وزارة حقوق الإنسان هي الأمية والسكن المشترك مع أهل الزوج والفقر والعنف، فضلًا عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تزيد من حالات الانفصال في مجتمعنا. وترى أن "المؤشرات الأولية ونسب حالات الطلاق في السنوات السابقة، رجحت زيادة كبيرة في حالات الطلاق، وهذا ينعكس بشكل سلبي على المجتمع الأسري في البلد.
وشكلت الإحصائية التي أطلقها مؤخرا مجلس القضاء الأعلى، حول ارتفاع نسب الطلاق في العراق إلى أكثر من 4 آلاف حالة خلال شهر واحد صدمة كبيرة للمسؤولين لاسيما مع تصاعدها خلال السنوات العشرة الأخيرة، ما دفع قضاة وخبراء في علم الاجتماع إلى التحذير من خطورة تلك الظاهرة على تماسك المجتمع والتي أرجعوا أسبابها إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وظهور تنظيم "داعش"!
ولوحظ ازدياد نسبة الطلاق لمختلف الفئات العمرية سواء كان زواجا مبكرا أو قديما، نتيجة عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق في السنوات الأخيرة، ومعها تفاقمت ظاهرة الطلاق حيث تعرضت الكثير من الأسر إلى التفكك مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار في المجتمع وبنيانه، ‎بحسب مسح ميداني ولقاءات متعددة مع المعنيين من قضاة وخبراء ومؤسسات غير حكومية.
ان الحروب المتعددة التي عاشها المجتمع العراقي وخاصة الحرب الأخيرة ضد تنظيم داعش، كان لها تأثير واضح على تفكك البنية الاجتماعية. كما أن غياب الهوية الوطنية، وانتشار حالات الفساد الإداري، وتراجع القيم الإنسانية والتربوية، كل تلك أسباب تقف وراء ارتفاع نسب الطلاق داخل المجتمع، ما يعد تهديدا للبنية المجتمعية العراقية.
هناك أسباب أخرى لارتفاع نسب حالات الطلاق من بينها الزواج المبكر حيث الهدف منه هو إشباع الرغبات الجنسية، أيضًا مرور المجتمع بوضع خطر متمثلاً بالانحدار الاقتصادي الاجتماعي والنفسي، ما أسفر عنه تفكك أسري سرعان ما أصبح مدعاة للخلافات والنزاعات الزوجية.
ويرى بعض المختصين أن ظهور "داعش" في العراق عام 2014 أثر في ارتفاع حالات الطلاق، فالمناطق التي شهدت دخول عناصر التنظيم إليها، شهدت حالات طلاق كثيرة، خاصة بين أزواج مختلفين في المذهب، وذلك خوفا من التنظيم المتشدد أو ما أحدثته الحرب معه من نزوح الأسر وتمزقها.
ويقول أحد القضاة إن كل يوم لدينا قرابة 20 إلى 50 حالة طلاق في محكمة واحدة بسبب الانفتاح الذي بدأ يشهده هذا البلد بعد 2003 الذي بات الطلاق فيه لا يعتبر عيبا.
لقد غدا ازدياد حالات الطلاق والتفريق القضائي ظاهرة، حيث احتلت قضايا الطلاق في السنوات الثلاثة الأخيرة مركز الصدارة بين الدعاوى الشرعية أمام محاكم الأحوال الشخصية، وفي الوقت نفسه فأن القانون بحسب البعض يحتوي على مرونة وثغرات تساهم في التسريع في حالات الطلاق وطلب التفريق القضائي. منها أن المادة 39 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل تنص على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية، لمن يريد الطلاق واستحصال حكم به إلا أننا نجد أن الظاهر والأغلب هو إيقاع الطلاق خارج المحكمة غيابيًا او الطلاق الرضائي "الخلع"، وهو أمر يحدث بسبب انعدام الوعي القانوني وعدم تقدير قيمة الحياة الزوجية والتسرع، وبعدها تتم مصادقة الطلاق قانونيا.
وتعد العوامل الاقتصادية أهم أسباب ظاهرة الطلاق داخل المجتمع العراقي، فطبيعة المتغيرات التي طرأت على المجتمع بعد أحداث 2003، فرضت على الفرد الانتقال خلال فترة وجيزة جداً بين بيئتين مختلفتين تماماً، من مجتمع منغلق على نفسه إلى مجتمع منفتح بشكل كامل، هذا الانتقال أفقده طبقة مهمة هي الطبقة الوسطى التي تعد العمود الأساس في المجتمعات، فطغت طبقتان على المشهد العراقي، هي طبقة الغنى الفاحش وطبقة الفقراء المعدمين. فأغلب الفقراء عانوا مشاكل اجتماعية انعكست على أوضاعهم الأسرية بصورة سلبية أدت إلى حدوث حالات طلاق كثيرة".
وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية تفاقم نسبة الفقر في البلاد حيث تجاوزت حاجز الـ 30 في المائة خلال 2016، بعد أن كانت في العامين السابقين 23 في المائة.
نسب الفقر في ارتفاع
وقد ارتفعت نسبة الفقر في العراق بعد أحداث احتلال تنظيم "داعش" مناطق واسعة في العراق صيف عام 2014، بسبب نزوح 2,5 مليون شخص من محافظات شمالي وغربي البلاد.
وطبقاً لإحصاءات دورية رسمية عن عمل المحاكم في العراق، فإن مجموع حالات الطلاق وصل إلى 516 ألف و784 حالة خلال الأعوام من 2004- 2014، في وقت كان مجموع حالات الزواج خلال المدة نفسها 2 مليون و623 ألف و883 حالة، ما يعني أن حوالي 20 في المائة من هذه الزيجات انتهت بالطلاق.
وأوضحت الإحصاءات أن حالات الطلاق تتصاعد تدريجياً حتى بلغت ذروتها في عام 2011 بواقع 59 ألف و515 حالة، بينما سجّل عام 2004 أدنى نسبة خلال العقد الماضي بواقع 28 ألف و690 حالة، وفيما سجّل العام 2004 نفسه أعلى نسب الزواج بمعدل 262 ألف و554، شهد العام 2007 أدنى نسب الزواج بواقع 217 ألف و221 حالة.
ووفقاً لمجلس القضاء الأعلى، فإن عدد دعاوى الطلاق في عام 2004 كان 28 ألف و689 دعوى ارتفع في عام 2005 إلى 33 ألف و348، بينما وصل في عام 2006 إلى 36 ألف و627، ومن ثم قفز في عام 2012 إلى 50 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج، أما في عام 2015 فقد شهد حدوث 52 ألف حالة طلاق.
وبلغت حالات الطلاق في العراق في العالم الحالي عن العام الماضي بـ 23 حالة، تتصدرها العاصمة بغداد التي تشهد النسبة الاعلى في حالات الطلاق وتليها البصرة. وقد سجل العراق 52465 حالة طلاق رسمية في العام الماضي، مقابل 230759 زواجاً، الأمر الذي دفع باحثين اجتماعيين إلى القول: إن المجتمع العراقي يواجه التفكك، بعد أن كان مضرباً للأمثال بتماسكه الأسري والاجتماعي، بينما تأتي الأرقام صادمة عن ارتفاع نسب الطلاق، حيث أن الضغوط اليومية التي يتعرض إليها الفرد العراقي من انعدام الأمن والقتل والتهجير وغيرها جعلته لا يأبه باللجوء إلى أبغض الحلال، على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية العراقي يستند إلى الشريعة التي لا تشجع على الطلاق إلا في حالات استثنائية.
وغالباً ما يكون الزوجان متفقين على كل شيء ولا تنقصهم غير الإجراءات الرسمية لإتمام معاملة الطلاق، وأغلب حالات الطلاق بين فئة المتزوجين من الشباب، بسبب عدم شعور الزوجين بمسؤولية بناء أسرة، إضافة إلى تدخل الأهل وعنف الرجل ضد زوجته.
وقال باحثون آخرون ان انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عامل في ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع العراقي وفي المجتمعات العربية عموما، مشيرين الى ان الشباب باتوا بسبب ذلك يعزفون عن الزواج أيضا.